ذكرتُ في كتاب "المخطوط العماني – التاريخ والتقاليد" أن نُسَخ الأوقاف هي سجلات لتوثيق أموال الوقف من نخيل وأشجار وضواحي ورموم وعواضد وسواقي وغيرها من أصول أموال الوقف. وقد حدد الفقيه محمد بن أحمد بن عبدالله الكندي (ق13هـ) الغاية من كتابة نسخة الأوقاف في مقدمته لنسخة مواقيف سمد نزوى بقوله:"...طالباً به الأجر ومتقرباً به إلى الله، فيصير عوناً للمسلمين لقيام الحدود والمواقيف، لأنها لا تقام إلا بوجود نُسَخها إذا انقلب الدهر عن أحوال الجور والظلم، وصار أهل الزمان في طريق العلم والحلم، فيستعينوا بوجود النُّسَخ لأوامر الله ونهيه".
وما حفظه الزمان من مخطوطات نُسَخ الأوقاف إنما هو مجلداتٌ متعددة الصفحات، وبعضها جاء مبوبًا في صورة كتاب مع مقدمة وخاتمة، لكن نجد كذلك بعض توثيقات الوقف مدونة في صورة تقييدات في أوراق مستقلة أو في طرر بعض المخطوطات. وتختلف حالة الوثيقة التي نتعرض لها اليوم أنها جاءت وسط نص كتاب، وهي ما سماها كاتبها "نسخة النخيل التي أوصى والدي أحمد بن عمر"، ويظهر أن الكاتب وأباه الموصي من مدينة بهلا بقرينة ورود "حارة صالح" في النص، وقياسًا بوثائق أخرى وردت منقولة في المصدر نفسه، وهو كتاب (منهاج العدل) لعمر بن سعيد بن عبداالله ابن معدّ البهلوي (ت:1009هـ) الذي نقلنا منه الوثيقة السابقة في هذه السلسلة. وعلى هذا يُحتَمَل أن يكون أحمد بن عمر هذا من أهل القرن التاسع أو العاشر الهجري، وممن ذُكِروا بهذا الإسم من الأعلام البهلويين: أحمد بن عمر بن أحمد بن مفرِّج، وهو الذي أقامه القاضي أبو عبدالله محمد بن سليمان بن أحمد بن مفرّج وكيلًا عن ملوك آل نبهان في الحكم الذي وقع سنة 887هـ، والآخر أحمد بن عمر بن محمد الربخي [وقيل: الضنكي] الذي بويع بالإمامة ربما أول القرن العاشر الهجري وغابت أخباره. ونص نسخة النخيل هذه:
"هذه نسخة النخيل التي أوصى بها والدي أحمد بن عمر، غفر الله له ولجميع المسلمين والمسلمات. الفرض السهيلي الذي [في] مجازة حارة صالح، والفرضان النعشيان اللذان في حفرة الرَّمّ، ليشترى بغلتهن [خبز] السوق، ويفطر به صائمو شهر رمضان في مسجد حارة صالح، والنغال التي في مجازة حارة صالح ليشترى بغلتها خرس وأنباة للشرب في برّادة مسجد حارة صالح، ويؤتجر من غلة هذه النغال لمن يستقي في الخرس والأنباة التي في هذه المجازة المذكورة هنا لعمارها، أعني هذه المجازة".
ونتوقف في هذه الوثيقة عند مصطلحَي: السهيلي والنعشي، وقد استعملهما العمانيون للدلالة على اتجاه الجنوب (سهيلي) أي جهة نجم سهيل، و(نعشي) أي إلى الشمال نسبة إلى بنات نعش من النجوم. والمجازة عند أهل عمان: موضع الاستحمام في الفلج، ويكون محاطًا بجدار وتارة بسقف لدواعي الستر والخصوصية، وقد ذكر من النخل: الفرض والنغال، ومن الألفاظ الحضارية الأخرى: الرَّمّ، والخرس، والبرّادة، والأنباة.
0 تعليق