أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمـد أبـو الغيـط أن الجامعة العربية حقيقة فرضتها الجغرافيا والتاريخ المشترك العربي ، مشددا على أنها تجسيد لتيار عاطفي جارف لدى الشعوب العربية تبلور في منتصف القرن الماضي وظل متدفقاً هادراً حتى يومنا هذا.
وقال أبوالغيط إن الرابطة العربية هي الأقوى والأكثر امتداداً في منطقتنا وهي محل الانتماء الطبيعي للشعوب ومركز الشعور الجامع لديها قد تتراجع حيناً، أو تتوارى تحت وطأة الأحداث الجسام ولكنها لا تلبث أن تتجدد وتزدهر في ثوب جديد عابرة للأجيال، متجاوزة للحقب.
جاء ذلك في كلمة مسجلة للأمين العام لجامعة الدول العربية بمناسبة الذكرى الثمانين لإنشائها .
وقال أبوالغيط ان ثمانين عاماً تمر اليوم على إنشاء جامعة الدول العربية شهدت أحداثاً جسام في العالم والمنطقة وظلت هذه المنظمة عُروةً وثقى يستمسك بها كل من ينتمون إلى الحضارة العربية والثقافة العربية، وينشدون المستقبل العربي المشترك ، مشيرا إلى أنها ظلت ايضا حائط صدٍ منيعاً ضد محاولات لاختراق هوية هذه المنطقة، أو تبديلها أو النيل منها ولتبقى المنطقة الممتدة من مراكش إلى مسقط ومن دمشق إلى الخرطوم.. عربية اللسان والهوى والتوجه والثقافة عربية في الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله.
وتابع قائلا: إننا اليوم مدينون للآباء الأوائل، من قادة السياسة والرأى، وأعلام الفكر والدبلوماسية، ممن جعلوا هذا الشعور الجامع حقيقة واقعة وصاغوه في صورة مؤسسية سبقت عصرها، وشقت المسار والطريق الذي نتابع المسير عليه اليوم.
وأضاف:لقد ظلت الجامعة العربية، عبر ثمانين عاماً، صوتاً جامعاً للعرب واكبت خروجهم من زمن الاستعمار إلى فضاء التحرر الوطني ورافقت الرحلة الصعبة للمنطقة العربية في زمن الاستقطاب الدولي الحاد والحرب الباردة وظلت حصناً حصيناً للدفاع عن القضية العادلة التي حظيت بإجماع عربي لا يرقى إليه شك عبر العقود قضية فلسطين التي تتعرض اليوم لأخطر تحدٍ وأشد تهديدٍ ينذر بتصفيتها وتقويض أركانها.
وأشار إلى أن الجامعة العربية ليس لها أن تفرض سياسات أو قرارات، ولكنها ذات ثقل سياسي ومعنوي حاضرٌ ومؤثر ووجودها هو قوةٌ مضافة للعرب وعلى الأخص في زمنٍ التكتلات الدولية والتجمعات الإقليمية ، موضحا أن الجامعة حقيقة بديهية، وتطورٌ طبيعي لو لم تكن موجودة اليوم، لوجب اختراعها.
ولفت أبو الغيط إلى أن التأمل في هذه المسيرة الطويلة عبر ثمانين عاماً يتعين أن نعترف بأن ما تحقق كان أقل من الطموح وأن ما وصلنا إليه أقل مما كنا نأمل فيه ، مشيرا إلى كل عربي اليوم يتطلع إلى مؤسسة إقليمية تُجسد رابطة الوحدة على نحو عملي، وبما ينعكس على الاقتصاد وحركة التجارة ورفاهية المجتمعات وبرغم كل ما تحقق من إطلاق منطقة التجارة العربية الحرة في 2005 وصولاً إلى إطلاق السوق العربية المشتركة للكهرباء في 2024.
وقال أبوالغيط انه برغم نقاط مضيئة كثيرة في المسيرة، فإننا لا زلنا بعيدين عن تحقيق الإمكانية الكاملة للتكامل الاقتصادي في المنطقة العربية.. وهي إمكانية من شأنها إطلاق الطاقات الاقتصادية الهائلة لمنطقة تمتلك رصيداً استراتيجياً استثنائياً على كافة الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية.
وأضاف : ان ذكرى تأسيس الجامعة عزيزةٌ على قلب كل عربي، فهي علامة استمرارية لهذه الرابطة وقوة وجودها وتجددها عبر الزمن ولكننا لا نبقى أسرى الماضي مفاخرين بما كان وإنما نتطلع لمستقبلٍ تُجدد فيه العروبة ذاتها، فتلحق بعصرها فالعروبة ليست تاريخاً مُنقضياً، وإنما فكرة متجددة ومتطورة وهي أيضاً فكرة منفتحة، ترفض منطق الاستعلاء العرقي، أو التفوق الثقافي.
وتابع قائلا: أن العروبة ايضا تنمو وتزدهر بانفتاحها على كافة مكونات هذه المنطقة، وبالحفاظ على نسيجها المتنوع الثرية والعروبة لا يجب أن تكون شعارات خطابية وأغنيات حماسية فقط، وإنما عملٌ متواصل حتى يتحقق طموحنا جميعاً بأن تتحول هذه العواطف الجارفة نحو الوحدة إلى عمل مؤسسي علميّ وأن تكون جامعتنا العربية على قدر آمالنا، وتصوراتنا لمستقبلنا العربي المشترك.
وفي ختام كلمته هنأ ابو الغيط كل عربي بهذه الذكرى العزيزة ، معربا عن أمله أن تستلهم هذه المنظمة العريقة من تاريخها، ما يدفعها إلى صناعة مستقبلها الزاهر بإذن الله.
0 تعليق