خالد العلوي لـ«الوطن»: ذكريات المحرق تصاحبني وأستعيد بها روح البحرين وأروع سنوات عمري

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

«البيت العود» و«الفريج» يشبهان البحرين كأسرة دافئة مترابطة رغم الاختلافات


كان للمعلم هيبة لأنه قدوة ومربٍ ومثل أعلى وأب وكنا نقلده في كل شيء


مقهى عبدالقادر امتلكه عمي وأسند إدارته لوالدي وكان منتدىً ثقافياً ورياضياً


ذكريات المحرق تصاحبه حيث يستعيد بهـا روح البحرين وأروع سنـوات عمـره، بينما «البيت العود» و«الفريج» في عينيه يشبهان البحرين كأسرة دافئة مترابطة رغم الاختلافات، هذا بعض ما باح به وكيل وزارة التربية والتعليم سابقاً، استشاري الإرشاد النفسي والأسري، د. خالد العلوي لـ«الوطن» مع التأكيد على أن مسيرته كلها تأسست وجدانياً وفكرياً، وتشكلت وجهتها، في المحرق بمعالمها التاريخية والتعليمية وعاداتها الاجتماعية، وفريج البنعلي بمغامرات الطفولة والمراهقة وطبيعة الحياة المترابطة فيه، حيث كان الناس أسرة مترابطة رغم الاختلافات، و«البيت العود» كأنموذج نادر يجمع العائلة الممتدة، ومقهى عبدالقادر كمنتدى ثقافي ورياضي مميز، ففيها جميعاً كانت «أيامنا الحلوة» وأجمل سنوات العمر.

وذكر لـ«الوطن» أنه بدأ حياته العلمية والمهنية بدراسة تخصص علم النفس في جامعة الإسكندرية 1978، ثم الماجستير في الإرشاد النفسي 1980 من جامعة الميسيسبي الأمريكية، والدكتوراه في الإرشاد النفسي لذوي الإعاقة الذهنية 1990 من جامعة مانشستر البريطانية، وعمل معلماً ومرشداً اجتماعياً في مدارس البحرين، ثم أستاذاً مساعداً في جامعة الخليج العربي، قبل تعيينه في 2004 وكيلاً مساعداً في وزارة التربية والتعليم للخدمات التربوية والأنشطة الطلابية.

وأضاف أنه طبق دراسته في مسارات مختلفة، تربوية، وإعلامية، وعلاجية، وكذلك في خدمة المجتمع، حيث ساهم في تأسيس أول جمعية بحرينية وخليجية للأطفال ذوي الإعاقة الذهنية 1992». وأشار إلى كتابه «من ذاكرة الفريج، حكايات وأحداث من واقع أيام زمان» الذي أصدره في 2021.

وفي لقائه مع «الوطن»، يتحدث د. خالد العلوي عن ذكريات لا تنسى في «البيت العود» ومقهى عبدالقادر و«الفريج»، وهيبة المعلم في «عبدالرحمن الناصر» و«الهداية الخليفية»، وإصراره على الابتعاث لمصر من أجل لقاء عبدالحليم حافظ، وتحوله من دراسة الفنون التشكيلية إلى علم النفس، ومحطات الزواج والماجستير والدكتوراه والعمل المهني، وغيرها الكثير.. فإلى نص الحوار:

في عام 1956 في فريج البنعلي بدأت الحكاية.. حدثنا عنها؟

- ولدت في فريج البنعلي بالمحرق 12 فبراير 1956، في مستشفى المحرق، نفس مكان مركز الشيخ سلمان، وكنت الابن البكر، وبعدي 6 أبناء و3 بنات، وكنا نعيش في «البيت العود»، الذي يجمع 9 أسر من أعمامي وعمتي، وجدي وجدتي لوالدي، وجدتي لوالدتي، ونشأنا في بيئة محافظة تحب مواظبة أولادها على الصلاة وتحفيظهم القرآن عند «المطوع».

كيف رأيت «الفريج» بعيون الطفل الصغير وقتذاك؟

- كان يشبه البحرين تماماً، يضم جميع الأطياف والعائلات الثرية والمتواضعة، وكنا نشعر أنه مثل البيت الكبير، نخرج من غرفة وندخل أخرى، ولم نشعر أبداً بأي اختلاف، ويجمعنا الفريج و«المطوع» والنادي الرياضي والمدرسة، في أنشطة تربوية ورياضية وتعليمية.

هل تتذكر بدايات رحلتك التعليمية وأهم أحداثها ووقائعها؟

- درست في مدرسة عبدالرحمن الناصر الابتدائية والصفين الأول والثاني الإعدادي، وكانت تسمى الجنوبية، ويسميها الأهالي البحرية، وفيها تعلمت أن المعلم قدوة ومربٍ ومثل أعلى، وكنت أنظر إليه باحترام وإجلال، مثل خليفة البنعلي الذي أناديه «يا أستاذ».

وكنا نقلد المعلمين في كل شيء في المدرسة والرحلات ولعب الكرة، والحمد لله أنهم لم يخطئوا في شيء وإلا كنا قلدناهم فيه.

هل هيبة معلم «زمن أول» تملك الحل لعلاقة تربوية وتعليمية سليمة الآن؟

- المعلم كان صاحب شخصية قوية ومربياً وصاحب بصمة في صناعة شخصياتنا ومستقبلنا، وكانت الأسرة تتعاون معه، وترى فيه امتداداً لها، أما الآن فنشهد تحولات اجتماعية وفكرية، حصرت دور المعلم في التعليم، وأنا لا أدعو إلى استعمال العقاب البدني الذي أصبح مرفوضاً، وإنما يجب استعادة التعاون بين الإدارة والمعلم والأسرة، مع اختيار المعلمين وفق معايير تربوية وإنسانية محددة؛ لأنهم يؤسسون شخصية الطفل.

وفي مقابل ضبط سلوك المعلم حرصاً على عدم استعمال العنف البدني أو الإيذاء النفسي، لا يجب مواجهة الطالب المخطئ، أو الذي يقوم بسلوكيات خاطئة أو منحرفة، بأساليب عقابية لردع من يقلده، فوفق دراساتي وممارستي المهنية يجب معالجة السلوكيات بالإرشاد والتوجيه، من أجل إصلاح الطالب وتعديل سلوكه، وهذا ما حرصت على تطبيقه.

وما هي الذكريات الحلوة الأخرى التي لم تنسها وقتذاك؟

- أنشأنا فريق كرة قدم في نهاية المرحلة الابتدائية وبداية الإعدادية، أسميناه «الإسلام» لشغفنا بفيلم «ظهور الإسلام»، وكنا بمثابة أشبال فريق «الأفراح» الذي يضم أعمامي وأبناء خالي والأصدقاء، وجمعنا مقر صغير جنب الخباز، وكنا نمهد الساحات ونلعب فيها، ونذهب لمقابلة فرق الفرجان الأخرى.

كما أتذكر مقهى الشباب، وكانت مشهورة باسم «قهوة عبدالقادر» لأن عمي كان يمتلكها وأسند إلى والدي إدارتها، وكنت أذهب معه وعمري سبع أو ثمانية أعوام، وكانت تقع في بداية سوق المحرق، ولها ثلاث واجهات، منهما اثنتان على الشارع الرئيسي، وبالقرب منها كان يقف شرطي ينظم المرور، وكانت الشوارع يميناً، وتحولت من اليمين إلى اليسار في النصف الثاني من الستينيات.

كان المقهى منتدى سياسياً وثقافياً ورياضياً، وأكثر رواده عروبيون بالفطرة، وليس بالانتماء السياسي لحبهم الشديد للرئيس جمال عبدالناصر، وكانت تعقد فيها الصفقات التجارية لقربها من سوق المحرق، كما كانت تضع النشرة الرياضية لنادي المحرق في شباك زجاجي بعد أن كانت تعلقها على الجدار، لكي يتعرف الناس على مواعيد مبارياته.

وكان بعض لاعبي النادي يحضرون للمقهى، ومن أشهر اللاعبين وقتذاك أحمد سالمين وخليفة بن سلمان بن أحمد وخليفة الزياني وغيرهم، وإذا قرأ رواد المقهى أن سالمين سيغيب عن المباراة كانوا يحتجون ويتوقعون خسارة المباراة!.

عندما انتقلت للهداية الخليفية، ماذا تغير؟ وهل واجهت صعوبات؟

- عندما دخلت الهداية الخليفية، ظننت أنها جامعة؛ لأنها كانت كبيرة، وبعد أن كنا كبار المدرسة الابتدائية، أصبحنا صغاراً فيها!. ومررت بتجربة مريرة، لكنها كنت مثمرة وبداية صحوة للمستقبل، فقد رسبت في السنة الأولى، بعد أن نجحت بتفوق في المواد الأدبية، ورسبت في الكيمياء والفيزياء، ولم أتجاوزهما في الدور الثاني!.

وفي السنة الثانية، تم توزيع الطلاب في طابور الصباح للانتقال إلى القسمين العلمي والأدبي، وبقيت أنا، لأتساءل لماذا رسبت؟! رغم أن أهلي يشجعونني على التفوق. وأعتقد أن هذه الأسئلة كانت طريق النجاح.

هل تتذكر لماذا رسبت؟!

- لقد انشغلت بالرسم والموسيقى وكرة القدم، وكنت أبدع في رسم اللوحات بفضل رعاية الأستاذ خميس الشروقي في «عبدالرحمن الناصر»، وأتذكر إعلانات الأفلام التي كانت تعلق خارج مقهى الشباب، وكنت أطلب من العامل عدم تقطيعها لكي أرسم أبطالها.

كما اتجهت في آخر المرحلة الإعدادية وبداية الثانوية إلى تأسيس فرقة موسيقية، تعزف الألحان الغربية، وأتذكر أنني درست الموسيقى في المدرسة، وكان معي د. مبارك نجم، ونجح هو وتوجه للقسم العلمي، وتوجهت أنا للأدبي، وأكملت دراستي بنجاح وتفوق.

هل تغيرت هذه الهوايات بعد ذلك؟

- تركت الرسم والكرة، وظل الشغف بالموسيقى، حتى إنني اشتريت «عوداً» منذ بضعة أعوام، وأعتبره أفضل صديق، وكل يوم أتعلم جديداً معه، وأعزف عليه أغاني خليجية وعربية.

بعد النجاح في «التوجيهي» هل توقفت الصعوبات؟

- توجهت بعد نجاحي في الثانوية العامة لإجراء مقابلة في قسم المسرح بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لكي أحصل على بعثة لدراسة الفنون الجميلة ونجحت فيها، ولكنني حصلت على بعثة للكويت، ورفضت استلام المخصصات والتذاكر والسفر، لأنني أحببت الدراسة في مصر بسبب عشقي لعبد الحليم حافظ، فقد كنت أحبه وأود لقاءه وحضور حفلاته. ولما علم صديقي ناصر الفضالة، قال إن صديقه أخ الفنان راشد العريفي، وبالفعل وصلنا للفنان العريفي، وساعدني في الحصول على بعثة لدراسة الفنون التشكيلية في باريس ورفضتها أيضاً!.

لماذا تغيرت وجهتك من الفنون التشكيلية إلى علم النفس؟

- كنت في «التوجيهي»، ودرسني الأستاذ محمد الجودر علم النفس، وتأثرت به كثيراً، وقلت في قرارة نفسي، إن لم أدرس الفنون التشكيلية، فسوف أدرس تخصص علم النفس.

وكيف نجحت في السفر إلى مصر؟

- كنا نلتقي بطلاب البعثات في مدرسة عائشة أم المؤمنين في العمل الصيفي، وسألني أحدهم: إلى أين بعثتك؟، فأجبته أنني حصلت على بعثتين ورفضتهما؛ لأنني أريد مصر. فقال لي د. عبدالعزيز محمد، وهو طبيب عظام، وكان زميل دراسة، إن هناك بعثة لدراسة اللغة الإنجليزية في القاهرة وبإمكانك التفاهم مع الملحق الثقافي في سفارتنا والتحول لدراسة علم النفس، وهذا ما حدث. وحصلت على بعثة من وزارة التربية والتعليم.

كان معظم طلاب البحرين يدرسون في القاهرة. لماذا ذهبت للإسكندرية؟

- تفاجأت أنني سأدرس في جامعة الإسكندرية، ضمن الدفعة الأولى من قسم علم النفس، فرفضت!، لأن معظم طلاب البحرين في جامعتي القاهرة وعين شمس، لكن د. عبدالرحمن غريب كان يدرس هناك، ونصحني بالذهاب لكي أراها وأحكم بنفسي، وعندما ذهبت شعرت براحة نفسية عميقة، وبدأت تجربة اجتماعية وثقافية غاية في الثراء.

ومتى أكملت «نصف دينك؟!

- كنت في السنة الجامعية الثانية، وأعمل خلال الصيف لتوفير مصاريفي وشراء آلات موسيقية، وأتذكر أنني اشتريت «أورج» بمبلغ ضخم، وتعرفت على زوجتي التي كانت تعمل في الشركة نفسها التي أعمل فيها «سائق»، وفي يناير 1977 كانت الخطوبة والعقد، وبعد أن أكملت البكالوريوس، عدت وعملت معلماً للغة الإنجليزية، في مدرسة القضيبية الابتدائية الإعدادية، لمدة عامين وكان من طلابي الوزير السابق علي الرميحي والنائب علي إسحاقي والمخرج عبدالرحمن الملا واللاعب سعيد جوهر وكثيرين. وتزوجت يوم 23 يونيو 1979، ثم رزقنا الله بفهد وهو أب لولدين وبنت ويعمل طياراً في الداخلية برتبة رائد، ولولوة التي تخرجت من نفس تخصصي، وعملت بمجلس الوزراء والمجلس الأعلى للمرأة قبل أن تتوجه للعمل الخاص.

هل كنت تنوي الاكتفاء بالبكالوريوس؟

- عام 1984 تم الإعلان عن بعثة للولايات المتحدة لخمسة أشخاص، وتقدم 88 مرشداً اجتماعياً، وكنت أعمل بمدرسة البلاد القديم، وكان الاختبار باللغتين العربية والإنجليزية والمقابلة كذلك، وكنت مريضاً وقررت ألا أذهب، ولكن جاءني اتصال يؤكد الحضور، فأخذت حقنة مسكنة، وذهبت ونجحت وحصلت على البعثة لدراسة الإرشاد النفسي في جامعة الميسيسبي، وخلال عام ونصف أنجزت أطروحة الماجستير.

هل فتح ذلك شهيتك لاستكمال أطروحة الدكتوراه؟

نقلت من المدرسة للوزارة لأعمل اختصاصي إرشاد وتوجيه 1985، وبعد عام أعلنت جامعة الخليج العربي ابتعاث طلبة لدراسة الدكتوراه، لكن الوزارة رفضت انتقالي إلى الجامعة وقالوا عام 1987 نعطيك التنازل، وبالفعل قدمت للجامعة، واجتزت الامتحان وحصلت على بعثة لدراسة الدكتوراه في جامعة مانشستر البريطانية في تخصص الإرشاد والتوجيه لذوي الإعاقة العقلية، وحصلت على الدكتوراه عام 1990.

- هل غيرت الدكتوراه طريقك المهني؟

نعم. عدت للعمل أستاذاً مساعداً في جامعة الخليج حتى 2004، حيث صدر مرسوم ملكي بتعييني وكيلاً مساعداً بوزارة التربية والتعليم، للخدمات التربوية والأنشطة الطلابية والتعليم الخاص، حتى تقاعدي 2017.

إلى جانب عملك المهني، لك مسار متميز في خدمة المجتمع. نود إلقاء الضوء عليه؟

- بعد حصولي على الدكتوراه، تعاونت مع متخصصين وأولياء أمور مثل فريدة المؤيد ود. أحمد الأنصاري وغيرهم، لتأسيس الجمعية البحرينية لذوي الإعاقة الذهنية 1992، هي أول جمعية بحرينية وخليجية لذوي الإعاقة الذهنية والتوحد، وسعيت إلى نقل خبرات مراكز الإعاقة في مانشستر لتطوير برامج الجمعية بما يخدم أبناءنا المستفيدين.

ما هي حكاية «ذاكرة الفريج» وهل هو حنين للماضي؟

- كتابي «من ذاكرة الفريج - حكايات وأحداث من واقع أيام زمان»، أصدرته عام 2021، واشتغلت عليه خلال سنوات «كورونا»، بالاستعانة بدفاتري وأوراقي التي كنت أدون فيها الذكريات عن فريج البنعلي، ويغطي الفترة منذ ولادتي وحتى عام 1972 (16 عاماً).

- ما هي أبرز التكريمات لك؟

كرمني صاحب العظمة المغفور له الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة في عيد العلم مرتين، بعد حصولي على الماجستير 1985، والدكتوراه 1990، وكان لنا شرف زيارة سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء الراحل خليفة بن سلمان عقب تأسيس الجمعية البحرينية لذوي الإعاقة الذهنية.

كما كرمني جلالة الملك المعظم، بوسام العمل المتميز عام 2016.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق