السبيل – خاص
وسط تصاعد التوتر في الشمال السوري؛ تحشد تركيا قواتها استعداداً لعملية عسكرية “وشيكة” ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تعتبرها أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
وتأتي هذه العملية المحتملة ضمن استراتيجية تركية واضحة للقضاء على ما تصفه بـ”الممر الإرهابي” على حدودها الجنوبية، بينما تعكس في الوقت نفسه توترات إقليمية ودولية، خاصة مع استمرار الدعم الأميركي لـ”قسد”، وتزايد التقارير حول علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي.
العلاقة بين “قسد” و”إسرائيل”
تسعى “إسرائيل” تاريخياً إلى إيجاد موطئ قدم في شمال سوريا عبر دعم الكيانات غير العربية وغير الحكومية، ضمن مساعيها لإضعاف دول المنطقة، وخلق حلفاء غير تقليديين.
وفي هذا السياق؛ أشارت تقارير متعددة إلى وجود علاقات غير معلنة بين “إسرائيل” وقسد، تركزت على الجوانب الأمنية والاستخباراتية، إلى جانب الدعم اللوجستي.
وتعتبر “إسرائيل” قسد فرصة استراتيجية لإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، وتقليص قدرة تركيا على فرض نفوذها شمال البلاد.
وفي الوقت نفسه؛ ترى قسد في “إسرائيل” جهةً قد تسهم في تعزيز موقفها الدولي، خاصة أن الكيان الإسرائيلي يتمتع بنفوذ في العواصم الغربية.
وأشارت مصادر إلى محاولات “إسرائيل” تقديم الدعم لـ”قسد” عبر “قنوات سرية”، سواء من خلال توفير التدريب، أو التنسيق الأمني والاستخباري، ما يشكل استفزازاً لتركيا التي تعتبر ذلك تهديداً إضافياً لأمنها القومي، باعتبار “قسد” امتداداً لوحدات حماية الشعب الكردية (YPG) وحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف “منظمة إرهابية” في تركيا والغرب. وبالنسبة لأنقرة، فإن إنشاء كيان كردي على حدودها الجنوبية يعني تهديداً لوحدة أراضيها واستقرارها الداخلي.
أهداف تركيا
لتركيا من حملتها العسكرية المحتملة ضد قوات “قسد” عدة أهداف:
1- القضاء على التهديد الأمني، فهي تعتبر استمرار وجود “قسد” على حدودها مشجعاً للنشاط المسلح لحزب العمال الكردستاني داخل أراضيها، ومهدداً استقرارها.
2- إنشاء منطقة آمنة، حيث تسعى تركيا إلى إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، بهدف إعادة توطين اللاجئين السوريين في مناطق “آمنة” تخضع لإشرافها، وهو ما تسوّقه دولياً باعتباره حلاً إنسانياً ووطنياً.
3- محاربة الوجود الإسرائيلي غير المباشر، عبر الدعم الذي يقدمه الاحتلال لـ”قسد”، وهو ما يتعارض مع المصالح التركية الإقليمية.
التداعيات المحتملة
في حال تنفيذ الهجوم التركي؛ ستواجه المنطقة عدة تداعيات على المستويات السياسية، العسكرية، والإنسانية، أهمها:
- تأثير العملية على قسد:
العملية قد تضعف سيطرة قسد على مناطق واسعة شمال سوريا، خاصة أن تركيا ستمضي قدماً بمساعدة فصائل المعارضة السورية المسلحة.
فقد تجد قسد نفسها أمام خيارين: إما التفاوض مع النظام السوري وروسيا للحصول على دعم عسكري، أو خسارة مكتسباتها بالكامل.
- العلاقة التركية-الأميركية:
استمرار الدعم الأميركي لـ”قسد” يفاقم التوتر بين واشنطن وأنقرة التي ترى أن الولايات المتحدة تتجاهل مصالحها الأمنية من خلال دعم كيان تعتبره “إرهابياً”.
وفي المقابل؛ قد تلجأ تركيا إلى خطوات أكثر حدة للتعبير عن رفضها، مثل تعزيز العلاقات مع روسيا أو عرقلة ملفات حساسة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
- تأثير إقليمي:
قد تدفع العملية التركية “إسرائيل” إلى زيادة دعمها لقسد من خلف الكواليس في محاولة لتعزيز نفوذها شمال سوريا وإضعاف الدور التركي، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي. - الوضع الإنساني:
من المتوقع حدوث موجة نزوح جديدة للمدنيين من مناطق الشمال السوري، في ظل غياب حلول سياسية تُنهي معاناة السكان.
وختامًا، ترى تركيا أن العملية العسكرية ضرورة حتمية لحماية أمنها القومي، والقضاء على ما تعتبره “تهديداً إرهابياً” على حدودها الجنوبية.
وفي المقابل؛ تبدو “قسد” محاصرة بين الضغط التركي المتزايد، والضمانات الأمريكية غير الكافية، إضافة إلى علاقتها مع “إسرائيل” التي قد تزيد من تعقيد موقفها الإقليمي.
ومن المتوقع أن تمتد تداعيات هذه العملية إلى العلاقات التركية-الأميركية التي تمر بأصعب مراحلها، فضلاً عن إعادة ترتيب موازين القوى في شمال سوريا، وهو ما سيؤثر على مستقبل الصراع في البلاد لعقود قادمة.
0 تعليق