loading ad...
عمان- شهد العام 2023 قفزات نوعية في قدرات الذكاء الاصطناعي، مما جعل تقييم هذه التطورات ضرورة ملحة لفهم تأثيراتها على المجتمع، الاقتصاد، الأمن، وحتى السياسة. في هذا السياق، أظهر تقرير Artificial Intelligence Index Report 2024 "مؤشر الذكاء الاصطناعي 2024" الصادر عن معهد ستانفورد رؤى ثاقبة حول المسار المتسارع الذي تسلكه هذه التكنولوجيا في العالم.
تقدم غير مسبوق
بحسب التقرير، شهد العام الماضي أداءً متقدماً للنماذج اللغوية الضخمة large language model LLMs على مختلف المعايير. نموذج GPT-4، على سبيل المثال، أحرز نتائج تفوق البشر في العديد من الاختبارات القياسية، مثل اجتياز امتحانات المحاماة، الرياضيات وكتابة الأكواد البرمجية. أما نموذج Gemini Ultra التابع لشركة Google، فقد أصبح أول نموذج يحقق نتائج تضاهي البشر على اختبار الفهم متعدد المهام Measuring Massive Multitask Language Understanding (MMLU).
على صعيد النمذجة البصرية، تم تحقيق تقدم كبير في نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على معالجة الصور والفيديو والتصوير الثلاثي الأبعاد، مثل ControlNet وSegment Anything وRealFusion. كما أحرز تطور كبير في تطبيقات توليد الفيديو الواقعي استناداً إلى النصوص، وهو مجال يتطور بسرعة نحو خلق محتوى بصري ذي جودة عالية وواقعية مدهشة.
الذكاء الاصطناعي في خدمة العلوم
أسهم الذكاء الاصطناعي أيضًا في تحقيق اختراقات علمية في مجالات متعددة. فمشروع GNoME التابع لشركة DeepMind استطاع التنبؤ بأكثر من 2.2 مليون مادة كيميائية جديدة، بينما استخدم نموذج AlphaDev الذكاء الاصطناعي لتحسين الخوارزميات البرمجية التقليدية في المجال الطبي، كما أظهر نموذج Med-PaLM 2 دقة متقدمة في إجابة أسئلة الطب، وقدم نموذج MediTron-70B وعوداً واعدة في تحليل سجلات المرضى.
فجوات في الشفافية والمسؤولية
على الرغم من هذا التقدم، إلا أن الشركات المطورة للنماذج العملاقة، مثل OpenAI وGoogle وAnthropic وMeta، ما تزال متأخرة في نشر معلومات دقيقة حول قابلية الاستخدام، والتكلفة، والاستدامة، والتأثير الاجتماعي لنماذجها. فالتقرير يشير إلى أن هذه الشركات غالباً ما تكتفي بنشر ورقيات تقنية أو مدونات دعائية من دون دعمها ببيانات موثوقة أو معايير تقييم مسؤولة.
كذلك، تبين أن فجوة الشفافية تتفاقم بمرور الوقت، مما يدعو إلى تبني أطر أكثر صرامة للمساءلة، خصوصاً في ظل التأثيرات المتزايدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي على حياة الأفراد.
كيف يرى الناس الذكاء الاصطناعي؟
كشف التقرير أن 66 % من المشاركين في استطلاعات الرأي يرون أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير على حياتهم خلال الأعوام المقبلة، مقارنة بـ60 % في العام السابق. وفي المقابل، أعرب 52 % عن قلقهم من المنتجات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما يعكس حالة من الانقسام في الرأي العام بين الحماس والتحفظ.
قوة دفع جديدة
أظهرت التجارب أن استخدام الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل يعزز الإنتاجية بشكل كبير، لا سيما في المهام المتعلقة بكتابة النصوص، وتحليل البيانات، وخدمة العملاء. كما يسهم في سد الفجوة بين الموظفين ذوي المهارات المختلفة من خلال تحسين الأداء العام وتقليل الأخطاء.
رغم تراجع الاستثمارات الخاصة في الذكاء الاصطناعي للعام الثاني على التوالي، فإن الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي التوليدي شهدت ارتفاعاً ضخماً، حيث بلغت 25.2 مليار دولار في العام 2023، بزيادة تفوق 8 أضعاف مقارنة بالعام 2022. هذا يعكس ثقة المستثمرين في الإمكانيات المستقبلية لهذه التكنولوجيا.
تشريعات تواكب المخاطر
من الناحية التشريعية، شهد العالم ازديادًا ملحوظًا في عدد القوانين المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لا سيما في الولايات المتحدة التي أصدرت 25 قانونًا في هذا المجال خلال عام واحد فقط. وتتمحور هذه القوانين حول مكافحة التزييف العميق، وضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في الانتخابات، وضمان خصوصية البيانات.
الحاجة إلى حوكمة رشيدة
ما يبرز من التقرير هو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مسألة تقنية فحسب، بل أصبح قضية تتعلق بالحوكمة، الأخلاق والسيادة الرقمية. ولهذا، فإن إشراك الجهات التنظيمية والمجتمع المدني والخبراء التقنيين في تطوير سياسات واضحة وشفافة، بات أمراً ملحاً.
فرصة استراتيجية
مما ورد في تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي 2024، هناك فرص حقيقية يمكن للأردن الاستفادة منها على مستوى القطاعين العام والخاص، خصوصًا في ظل التحول الرقمي المتسارع والحاجة إلى تحسين الكفاءة وتخفيض التكاليف التشغيلية.
في القطاع الحكومي، يمكن توظيف نماذج الذكاء الاصطناعي في تحسين تقديم الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحية والتعليم والخدمات البلدية، من خلال أتمتة الإجراءات وتحليل البيانات بشكل أسرع. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات والتخطيط الحضري وتحليل حركة النقل، بما يعزز كفاءة البنية التحتية. أما في القطاع الخاص، فتوفر تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصًا كبيرة للشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتطوير منتجات ذكية، ودخول أسواق جديدة بقدرات تنافسية. كما يمكن للبنوك وشركات التمويل تحسين إدارة المخاطر وكشف الاحتيال عبر حلول الذكاء الاصطناعي. اقتصاديًا، يمكن أن يُسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة الإنتاجية وتحفيز الابتكار، مما يفتح الباب لتوليد فرص عمل جديدة مرتبطة بتحليل البيانات، الهندسة وأمن المعلومات. لكن لتحقيق هذا الأثر، لا بد من وضع إطار وطني للحوكمة والمسؤولية في استخدام الذكاء الاصطناعي، وتعزيز التعليم والتدريب في هذا المجال لضمان جاهزية الموارد البشرية.
يكشف Artificial Intelligence Index Report 2024 "مؤشر الذكاء الاصطناعي 2024" عن صورة متكاملة، وتقدم تقني مذهل، يقابله قلق اجتماعي، وتحديات في الشفافية، ودعوات متزايدة للتنظيم. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل هو عامل تغيير جذري في بنية المجتمع والاقتصاد والسياسة. والسؤال لم يعد "هل سنستخدم الذكاء الاصطناعي؟" بل "كيف سنستخدمه بمسؤولية؟".اضافة اعلان
0 تعليق