شهر رمضان لا يعلّمنا الحفاظ على العبادات والشعور بالمحتاج وحفظ النِعم فقط، وإنما يعزّز القيم الإنسانية وتجديد الروابط الاجتماعية، ولو استشعرنا ذلك لوجدنا بأننا كنا في يوم ما صغاراً، تبدلت الأدوار في ليلة وضحاها وأصبحنا مربيّن لنعلم يقيناً بأن الأيام تمضي ولا تقف عند أحد، بل تستمر حتى يكبر الصغير ويشيخ الكبير لنستذكر الأيام الجميلة التي مرّت كلمح البصر، تلك المائدة التي جمعتنا في شهر رمضان، نستلذ الطعام، ونشاهد أجمل المسلسلات، ونسمع نصائح والدينا والتوجيه والسؤال عن الأحوال، شهر رمضان يجعلنا في تحدٍّ عاماً بعد عام، فكل عام يأتي بتحدٍّ جديد ومتغيّر وربما معقّد بعدما كان التحدي الأكبر عندما كنا صغاراً مجرّد تحدي العطش.شهر رمضان هو أكثر من مجرد صيام والامتناع عن الأكل، هو شهر روحاني والتقرّب إلى الله عزّ وجل، فالشهر الكريم فرصة لتجديد العلاقة مع الله ومع النفس ومن حولنا من علاقات وأهمها العلاقات الأسرية، فهذا الشهر له تجربة فريدة في كل عام تؤثر بشكل كبير على الفرد وما يحمل هذا الشهر الفضيل من تحديات وفرص تعزّز القيم والتعلم في حال أن الإنسان تعامل مع التحديات بإيجابية، العطش والتعب وضغوطات العمل وتغيير نمط الحياة في السهر ومواعيد النوم، كل هذه التحديات تنصهر أمام رُكن من أركان الإسلام، فالصيام عبادة لا تستمر طويلاً من العام، بل هو زائر خفيف يحمل معه الخيرات وتحقيق الأمنيات، وها نحن على أشراف نهاية الشهر الفضيل، أيام معدودات ونستعيد حياتنا اليومية الروتينية، وسنفتقد الروحانية المكثفة في الصلاة وقراءة القرآن والصدقات والعمل الخيري ومساعدة المحتاجين، ومع ذلك سنفتقد تجمّع الأسرة على مائدة الإفطار ولمّ شمل الأهل على الفطور والسحور، هي لمسات بالفعل روحانية في التواصل الاجتماعي وتُقرّب الأبناء إلى الآباء والعكس، والحديث حول مواضيع كثيرة والالتفاف حول التلفاز لمشاهدة بعض المسلسلات، ولقاء الأحبة والأصدقاء ولمّ شمل البعيد، بالفعل شهر رمضان شهر الخير والرحمة، يزورنا حتى يجعل بيوتنا مُفعمة بالدفء والراحة والطمأنينة.فمثلما يجدّد المرء بعد رمضان إيمانه في المداومة على الطاعات وعمل الخير، عليه أيضاً أن يداوم على تجديد أواصر الرحمة في العلاقات الأسرية، والمحافظة على الكيان الأسري الذي يبدأ من الوالدين وينتهي بهما ملتفين حول الأبناء، فالكيان الأسري يبقى هو الأساس الذي يبني جيلاً مستقراً في العبادة، وتعظيم الأسرة يبني وطناً ومجتمعاً متماسكاً. كل رمضان وأنتم إلى الله أقرب.
تحدي العطش

تحدي العطش
0 تعليق