أطلق مجمع الملك سلمان العالمي مؤخراً مركز "ذكاء العربية"
الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز استخدام اللغة العربية ونشرها عالميًا
تضع اللغة العربية بما تتميز به من أدوات وفنيات وتشعبات، الذكاء الاصطناعي أمام عدد كبير من التحديات، الأمر الذي يفرض على المعنيين بكل منهما في سباق مع الزمن من أجل التكيف والتناغم، من خلال الاستمرار بالمحافظة على الهوية والتراث الثقافي من جهة، واللحاق بركب العصر الرقمي من جهة أخرى.
ومع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" ومؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية، بالمرصاد لتلك التحديات، عندما أعلنتا اختيار الموضوع الرئيس لاحتفالية عام 2024 ليكون تحت شعار" اللغة العربية والذكاء الاصطناعي تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافي".
الذكاء الاصطناعي يفتح أفقًا جديدًا لتطوير أدوات مبتكرة تخدم اللغة العربية
وتماشياً مع هذا الاختيار، أعرب الأمين العام لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية، الأمير فيصل بن سلطان بن عبدالعزيز، عن أمله أن يسهم التركيز على الذكاء الاصطناعي هذا العام في تحقيق التوازن بين الابتكار التكنولوجي، وصون التراث اللغوي والثقافي، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يفتح أفقًا جديدًا لتطوير أدوات مبتكرة تخدم اللغة العربية، ومشدداً على أهمية توظيف هذه التقنية لتعزيز استخدام اللغة وتسهيل تعلمها ونشرها عالميًا.
ولم تأت أهمية تذليل التحديات المشتركة بين اللغة العربية والذكاء الاصطناعي من فراغ، ولكن من واقع يقول إن عدد الناطقين بها يربو على 450 مليون شخص، وهي تتمتع بصفتها لغة رسمية في نحو 25 دولة، ومع ذلك، فإن المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية لا يتجاوز نسبة 3%، كما لا تتوفر الكثير من التكنولوجيا التي تضعها باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مواز، مقارنة مثلا باللغة الإنجليزية، مما يحدّ من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به.
وفي الوقت نفسه بات هناك إدراك لحجم وطبيعة هذه التحديات التي لا تخفى على أحد، ومنها التكيف مع تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، حيث تتميز لغة الضاد بتعقيداتها النحوية والصرفية، مما يجعل من الصعب على الأنظمة الذكية فهمها ومعالجتها بدقة، بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في البيانات اللغوية المتاحة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من صعوبة تطوير تطبيقات فعالة تدعم اللغة العربية.
ورغم كثرة هذه التحديات، إلا أن الآفاق تبدو واعدة، مع تنامي الابتكارات التي تسعى للمحافظة على هوية اللغة العربية الثقافية، مع الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي لدعم تطورها واندماجها في عالم التقنية، مما يسهم في نقل التراث اللغوي للأجيال القادمة، ويعزز من حضور اللغة العربية في المجالات الأكاديمية والتقنية حول العالم.
المركز يطور حلولاً تقنية تدعم اللغة العربية في التطبيقات الحديثة
وفي هذا المضمار، أطلق مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية في إبريل 2024 مركز "ذكاء العربية" الذي يهدف إلى تطوير حلول تقنية تدعم اللغة العربية في التطبيقات الحديثة، مثل تحليل النصوص والتعرف على النطق الصحيح، كما تعمل العديد من المؤسسات الأكاديمية والتكنولوجية على تطوير نماذج لغوية تعتمد على تقنيات التعلم العميق لتحسين أداء الأنظمة الذكية في معالجة اللغة العربية.
كما أن الأدوات المتاحة تفتح آفاقاً واعدة، حيث تعكف مؤسسات كبيرة على تصميم نماذج لغوية كبيرة، ومن الأمثلة على ذلك مركز "Inception" الذي أطلق في أكتوبر 2023 أداة "جيس" في الإمارات، والتي أنشئت بالتعاون بين جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI) في أبوظبي، وشركة "Cerebras Systems"، ومقرّها وادي السليكون في كاليفورنيا.
ويتضمن النموذج تدريباً على 13 ملياراً لمجموعة بيانات فريدة مكونة من 116 مليار رمز عربي، مصمم لالتقاط التعقيد والفروق الدقيقة وثراء اللغة العربية، بالإضافة إلى 279 مليار رمز للكلمات الإنجليزية، بهدف مضاعفة فعالية النموذج من خلال النقل بين اللغات.
وما بين التحديات وسبل تذليلها، فإن القاسم المشترك هو أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز استخدام اللغة العربية ونشرها عالميًا، من خلال تطوير تطبيقات تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بما يسهّل تعلم لغة "الضاد" لغير الناطقين بها، وتحسين جودة التعليم اللغوي للأطفال والشباب، كما يمكن استخدام تقنيات الترجمة الآلية لتسهيل التواصل بين الثقافات المختلفة وتعزيز الحوار العالمي.
0 تعليق