«إيران الرشيدة»: حلم ليلة صيفية!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم تختبر إيران قط، في تاريخ دولة الملالي المعاصر، خطة هجومية عنيفة كتلك التي استهدفت، ولا تزال تستهدف، أذرع مشروعها التوسعي في المنطقة العربية بهدف تقويض انتشارها الإقليمي. وهي خطة، في اعتقادنا، توازي في تأثيرها الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينيات، بوقعها المزلزل على الذات الفارسية.

ولمن يفهم إيران جيداً - أو حتى لمن لا يفهمها إطلاقاً - سيجد نفسه أمام طريق مسدود في محاولة معرفة ما تفكر به أو ما تخطط له، في ظل انهيار الأسس التي يقوم عليها طموح التمدد الفارسي الذي أنهى صلاحيته التاريخية، على فكرة، منذ العصور الكسروية.

إيران من جهتها لم تُظهر يوماً مرونة أو وضوحاً في سياساتها الخارجية، المتسمة بالتشدد والتدخل والتوسع سعياً لتحقيق أهدافها. فهي، كما يصفها منتقدوها، «عقدة في المنشار» يصعب تفكيكها، وطرف رئيسي في إنتاج مشكلات مؤجلة تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين بلا نهاية.

ولكن يا ترى، هل يُمكن أن تحلم المنطقة بيوم يختلف عن كل ما سبق من أزمنة غابرة وسنين معاصرة، لم تعرف خلالها الهدوء والاستقرار إلا فيما ندر؟ يوم يخلو من أحقاد عنصرية تتقادم عليها الأزمان وصراعات سياسية وثقافية ودينية مفتعلة، وهو ما يقودنا إلى سلسلة من التساؤلات الأخرى:

* هل تستطيع إيران أن تتخلص من ذلك التصلب الذي أوصلها إلى حافة الانكسار، لتفاجئ العالم بتبديل مواقفها الخارجية؟ خصوصاً بعد أن جرّبت غرس بذور مشروعها الثوري، أينما اتجهت، ورأت بأم عينها كيف هلك حرثه ونسله.

* هل ستفاجئنا إيران يوماً برغبة صادقة وفعل ملموس بهدف الاندماج في المنطقة بعد انقطاع طويل جفّف منابع التحالف والتقارب العربي – الإيراني؟ تقارب يقوم على المرونة في الدبلوماسية وتوسيع أرضية التفاهمات مع الكيانات السياسية الشرعية، وليس مع حشود التمرد لأجل التمرد، وذلك لإنهاء وضعية الاستنزاف وعدم الاستقرار التي استمرت لأربعة عقود ونيف.

* هل ستتجاوز «إيران اليوم» أوهام «إيران الأمس» بالتخلي عن شعارات التفوق التي تغذي أقسى أشكال الشعبوية، وتزعم أنها تنفذ إرادة الله على الأرض؟ وهل ستتوقف عن إعادة تدوير خطابات عفا عليها الزمن لإخماد العداء المشتعل ضد «الشيطان الأكبر وشياطينه الأصغر»؟

* هل ستتمكن إيران يوماً من استرجاع شجاعتها كحضارة فارسية عريقة، عرف تاريخها ميلاً معقولاً نحو التسامح والاهتمام بالتقارب الحضاري والثقافي، واعتبار الجيرة «رابطة للقلوب» قبل أن تكون رابطاً جغرافياً؟

* وهل ستزيل عن نفسها شبهة بناء سلاح نووي فتاك، وتتصرف كقوة نووية سلمية تسعى لإقامة تحالفات مشتركة تجعل من المنطقة «مركزاً استراتيجياً لإنتاج الطاقة النووية ذات الأغراض السلمية» فقط؟

وأخيراً، هل لنا أن نراهن على انسلاخ إيران، الجارة، عن الحالة التي أوجدتها عقيدتها التوسعية، والتي يبدو أن المزاج العالمي قد ضاق ذرعاً بها، وأصبحت عبئاً على موازين مصالحه، لتتوصل بدورها إلى قناعة جديدة تجعلها تبدأ بترسيم مختلف لعلاقاتها الخارجية؟ ترسيم يتسم بالعقلانية والرشد السياسي، ويشمل قبولها بالأمر الواقع من أجل تقديم صورة متجددة لـ «إيران الغد» - إن صح التعبير - ترى نفوذها متجسداً في تعظيم مصالحها المشتركة مع محيطها الجغرافي، وتحافظ فيه على «حق همسايه» - أي حق الجار - الذي يُعرب، في كل مناسبة، عن حسن نواياه تجاهها.

لا أعرف حقيقة كيف ستتعامل إيران مع لحظتها الراهنة وواقعها المتغير، لكي تسترجع شعبيتها المفقودة عبر «مصالحة تاريخية» تأتي ببشائر الوئام الإقليمي. وحتى يُحدث الله أمره، سأعتبر ما تقدّم من احتمالات مجرد «حلم في ليلة صيفية» على الطريقة الشكسبيرية، هرباً من كابوس عدم اليقين ونذر الحرب تلوح بشررها في الأفق.

* عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق