بعيداً عن التبعات السلبية التي يخمنها الاقتصاديون لموجة الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة، أجد نفسي أميل نحو توجهات ترامب في فرض رسوم جمركية على الواردات من دول العالم خاصة وأنها كلها تقريباً تفرض رسوماً مماثلة على الواردات الأمريكية منذ زمن طويل حماية لصناعاتها المحلية. وهذه النقطة وحدها من وجهة نظري كفيلة لتجعل ما يقوم به ترامب عادلاً بل وضرورياً.
ومن إيجابيات فرض الرسوم الجمركية على الواردات، زيادة الإيرادات الحكومية وهذا بحد ذاته هدف أساسي لإدارة ترامب التي استلمت حكومة تعاني عجزاً مالياً يلامس ٢ تريليون دولار سنوياً. ومن المتوقع أن تضيف الرسوم الجمركية مدخولاً للخزينة يتراوح ما بين ٤٠٠ إلى ٦٠٠ مليار دولار سنوياً؛ مما يسهم في خفض العجز بلا شك.
أيضاً، فإن أحد أهداف الرسوم الجمركية الإيجابية هو جعل الواردات أغلى ثمّناً على المستهلك الأمر الذي يدفعه لشراء المنتج المحلي، والذي بدوره سيحفز الشركات الأمريكية على إحياء الصناعة المحلية بدلاً من نقلها إلى دول شرق آسيا وأمريكا الجنوبية. والمعلوم أن «حزام الصدأ» أو «حزام الفولاذ» وهما اسمان للولايات الصناعية في أمريكا شهدت مغادرة مصانعها للدول الرخيصة؛ مما يجعل سكانها يعانون من التسريحات المتكررة والبطالة، حتى أصبحوا المحفز الرئيس والوقود وراء رفض سياسات الانفتاح الاقتصادي والعولمة التي أفقدتهم قوت يومهم.
وحول هذه النقطة بالتحديد، يبدو لي أن العولمة بشكلها الحالي تلفظ أنفاسها الأخيرة، فلم يعد هذا التوجه الاقتصادي صالحاً للكثير من الدول خاصة التي كانت تعتبر صناعية في وقت ما، فهي الخاسرة الأولى من انفتاحها الاقتصادي غير المدروس والذي كلفها جل صناعتها. والحسنة عند ترامب أنه يحارب العولمة، ويتحداها وهي ما يعتبره العالم الحديث مبدأً اقتصادياً عنيداً ولا يتغير.
وإضافة إلى كل ما تم ذكره، فإن من إيجابيات الرسوم الجمركية هي إمكانية توظيفها كأداة تفاوض فاعلة للسياسة الخارجية، وقد استخدمها ترامب بالفعل في ولايته الثانية بدءاً بالمكسيك لثنيها عن السماح بتدفق المهاجرين عبر الحدود وذلك مع كولومبيا لإجبارها على استقبال المهاجرين غير الشرعيين بعد أن رفضت ذلك لفترة وجيزة.
وأعتقد، أن محاولة ترامب إحياء الصناعة في بلاده تعد محاولة مشروعة وهي وقفة جريئة تجاه الانفتاح الاقتصادي غير المحدود الذي على الرغم من إيجابياته في خفض الأسعار على المستهلك وتوفير خيارات متعددة له، إلا أنه أضر بالصناعات المحلية كثيراً ليس في أمريكا فحسب، بل عالمياً مما جعل الصناعة حكراً على بضع دول فقط في العالم. وقد تكون (الحمائية الاقتصادية) التي ينتهجها ترامب فرصة لدولنا لاتباع أسلوب مشابه لحماية قطاع الصناعة الصغير لديها بل والنهوض به بدلاً من الانفتاح التجاري التام والاعتماد الكبير على الاستيراد.
0 تعليق