loading ad...
عمان- لا يتوقف البشر حول العالم يوميا في طرق كافة الأبواب التي توصلهم إلى السعادة، ويبدو أن وصول الأردنيين لها ما زال بعيد المنال كمن يطارد خيط سراب، هذه الصورة التي قد ترسمها نتائج الأردن في مؤشر السعادة العالمي لعام 2025، والذي أدرج الأردن في مرتبة متأخرة للغاية عالميا.
وبين المعايير الدولية التي يستند إليها المؤشر، والظروف المحلية التي تمر بها المملكة من تحديات اقتصادية واجتماعية، تبرز الحاجة لقراءة هادئة ومتعمقة لهذه النتائج، لفهم دلالاتها، وانعكاساتها المتوقعة على الاقتصاد الوطني، وبحث مدى عدالة منهجية المؤشر في تقييمه للأردن؟ وعلى ذلك يجيب الخبراء.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن تقييم الأردن في مؤشر السعادة العالمي لعام 2025، غير منصف ويفتقد للمنطقية، ولا يلتقط جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي تمت في الأردن خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى الجهود الحكومية في الحفاظ على الاستقرار رغم التحديات الخارجية، مشيرين إلى أن الفلسفة التي يقوم عليها المؤشر قد لا تبدو مفهومة، وكذلك تقييمه.
واعتبر الخبراء أن المؤشر ينظوي على نقاط ضعف عديدة منها تجنبه تأثر الأردن بالأزمات الإقليمية كاستضافة اللاجئين دون تعويض دولي، إضافة إلى الفجوة الزمنية التي اعتمد عليها المؤشر والتي تعكس واقعا متأخرا، فضلا عن التحيز الثقافي، إذ قد تختلف مفاهيم "السعادة" بين المجتمعات.
في الوقت ذاته، يرى الخبراء أن انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وضعف الدخول الشهرية للمواطنين، فضلا عن توسع دائرة الفقر محليا بعد جائحة كورونا، وضعف الدعم الاجتماعي المقدم للفئات المعوزة، قد يكون ألقى بظلاله على أداء الأردن في المؤشر ومستوى تقييمه.
وحذر هؤلاء الخبراء من أن تراجع ترتيب الأردن في هذا المؤشر يؤثر سلبا على جاذبية بيئة الأعمال والاستثمار، كما يسهم في هجرة الكفاءات والعقول بحثا عن حياة أكثر استقرارا وجودة، فضلا عن إمكانية انعكاسه سلبا على إنتاجية العاملين وروح المبادرة لدى الشباب، ما يضيف أعباء إضافية على الاقتصاد الوطني ويحد من فرص النمو والتنمية.
وأكد الخبراء أن النتائج تستدعي تحركا حكوميا سريعا، مطالبين الحكومة بضرورة إنشاء فريق وطني لتحليل مؤشرات السعادة وتصميم سياسات مستهدفة، إضافة إلى حملات توعية لإبراز الإنجازات الوطنية وتعديل التوقعات المجتمعية، إلى جانب الضغط دوليا لإدراج معايير تعكس التحديات الخاصة بالدول المضيفة للاجئين، فضلا عن أهمية تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل وتقليل البطالة.
ويضاف إلى ذلك أهمية مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم بجودة حياة المواطنين، إضافة إلى إصلاح سياسات الأجور والعمل، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وضمان الوصول العادل والفعال إلى التعليم والرعاية الصحية، فضلا عن محاربة الفساد وتعزيز الشفافية وحرية التعبير.
مؤشر السعادة العالمي 2025
ويعتمد مؤشر السعادة الذي حل الأردن به في العام الحالي بالمرتبة 128 عالميا و14 عربيا، تصنيف الدول بحسب مستوى سعادتها على متوسط تقييماتها للحياة على مدى الأعوام الثلاثة السابقة، أي بين عامي 2022 و2024.
يعد المؤشر ثمرة شراكة بين مؤسسة "غالوب"، ومركز أكسفورد لأبحاث الرفاهية، وشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.
ويتناول المؤشر ستة متغيرات رئيسة تساهم في تفسير تقييمات الحياة، وهي: نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والدعم الاجتماعي، ومتوسط العمر المتوقع الصحي، والحرية، والكرم، ومدى إدراك الفساد
المؤشر مثقل بنقاط الضعف
وقال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة إن تقييم الأردن في مؤشر السعادة العالمي لعام 2025، غير منطقي، ولا يلتقط جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي تم في الأردن خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى الجهود الحكومية في الحفاظ على الاستقرار رغم التحديات الخارجية.
ويرى المخامرة أن المؤشر ينطوي على نقاط ضعف عدة، تتمثل في ما يلي عدم مراعاة السياقات المحلية، مثل تأثير الأزمات الإقليمية على الأردن (كاستضافة اللاجئين) دون تعويض دولي، إضافة إلى الفجوة الزمنية التي اعتمد عليها المؤشر والتي تعكس واقعا متأخرا، فضلا عن التحيز الثقافي، إذ قد تختلف مفاهيم "السعادة" بين المجتمعات (مثل أولوية الأمن على الحرية في بعض الثقافات).
واستدرك المخامرة، أن المؤشر قد يعكس جوانب مهمة من الواقع فرغم الاستقرار السياسي، والاستقرار الاقتصادي النسبي، هناك تحديات اقتصادية، كارتفاع البطالة التي تبلغ نحو 23 %، وارتفاع المديونية العامة، إضافة إلى ضغوط اللجوء السوري)، فضلا عن التحديات الاجتماعية المتمثلة في محدودية الفرص للشباب، وتفاوت الدخل، حيث إن كل ما سبق يؤثر سلبا بصورة وأخرى على المعايير التي استند لها المؤشر.
ولفت إلى أن انخفاض نصيب الفرد من الدخل يمكن أن يؤثر بشكل كبير على شعور المواطن بالسعادة ويزيد من إحساسه الدائم بالضغط المالي أو "الإعسار"، ما يعني مواجهة بشكل مستمر لصعوبات في تلبية الاحتياجات الأساسية، خاصة مع تآكل الأجور وارتفاع الأسعار خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يرتب ضغوطا نفسية واجتماعية على المواطنين وبالتالي انطباعات السعادة والارتياح لديهم.
وفقا لتقرير سابق للبنك الدولي، حل الأردن خلال عام 2023 في المرتبة العاشرة عربيا و126 عالميا من حيث نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، إذ يقدر نصيب الفرد من الناتج المحلي نحو 4400 دولار.
وحول الانعكاس المتوقع للمؤشر على الاقتصاد الوطني أشار المخامرة إلى أنه ينظر له من جانبين، الأول الجانب الإيجابي حيث يعتبر المؤشر جرس إنذار لصناع السياسات لمعالجة الثغرات، إضافة إلى تحفيز الجهات الرسمية في العمل على تحسين ترتيب الأردن في المرات بما يخدم تعزيز الثقة الدولية (مثل تصنيفات الجدارة الائتمانية).
أما الجانب السلبي، فقد يؤثر ترتيب الأردن المتدني على صورته كوجهة للاستثمار أو السياحة، إضافة إلى انخفاض الرضا الوظيفي قد يقلل الإنتاجية.
ولفت المخامرة إلى أن نتائج الأردن في المؤشر المذكور تستدعي تحركا حكوميا، داعيا في هذا الصدد الحكومة إلى ضرورة إنشاء فريق وطني لتحليل مؤشرات السعادة وتصميم سياسات مستهدفة، إضافة إلى حملات توعية لإبراز الإنجازات الوطنية وتعديل التوقعات المجتمعية، إلى جانب الضغط دوليا لإدراج معايير تعكس التحديات الخاصة بالدول المضيفة للاجئين، فضلا عن أهمية تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل وتقليل البطالة.
كما دعا إلى أهمية تحسين البيانات المحلية، من خلال تعزيز الشفافية في الإحصاءات الرسمية (مثل نسب الفقر، جودة الخدمات الصحية)، إضافة إلى إجراء استطلاعات وطنية دورية لقياس الرضا المجتمعي، إلى جانب ضرورة اتباع سياسات تستهدف معايير المؤشر المشار إليه، كتعزيز الدعم الاجتماعي عبر برامج الحماية الاجتماعية، إضافة مكافحة الفساد عبر آليات رقابية فعالة، من خلال تحسين الحرية الاقتصادية (تسهيل الاستثمار، دعم ريادة الأعمال)، إضافة إلى تكثيف التواصل الدولي، توضيح التحديات الخارجية (كآثار اللجوء) في التقارير الدولية، التعاون مع منظمات دولية لتصميم مؤشرات أكثر إنصافا.
فلسفة غير مفهومة
من جانبه، أكد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، أن الفلسفة التي يقوم عليها المؤشر قد لا تبدو مفهومة، وكذلك تقييمه، حيث يمكن أن تختلف النظرة إلى السعادة من مجتمع إلى آخر.
وأوضح عوض، أنه من الزاوية الاقتصادية للمؤشر قد تبدو نتائجه إلى حد ما واقعية، إذ تعكس واقعا معيشيا صعبا، يتسم بارتفاع تكاليف الحياة وتراجع مستويات الدخل والأجور، وفقا لما تؤكده بيانات كل من دائرة الإحصاءات العامة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. إلى ذلك، يشهد قطاع التعليم العام تراجعا مستمرا، كما يعاني القطاع الصحي الحكومي من ضعف في جودة الخدمات. ولا يقل أهمية عن ذلك أن نحو نصف القوى العاملة في الأردن غير مشمولة بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، ما يزيد من شعور المواطنين بعدم الأمان والاستقرار.
وأوضح أن توسع دائرة الفقر محليا بعد جائحة كورونا، وضعف الدعم الاجتماعي المقدم للفئات المعوزة، مما ألقى بظلاله على أداء الأردن في المؤشر ومستوى تقييمه، مشيرا إلى أن صندوق المعونة الوطنية في السنوات الأخيرة طور من آلية دعمه للفقراء، وهناك تنام مستمر لموازنته الخاصة بدعم الفئات الهشة والفقيرة، وإن كانت لا تغطي الفقراء كافة.
يشار إلى أن عدد الأسر المستفيدة من برامج التحويلات النقدية خلال العام 2024، الذي ينفذها صندوق المعونة الوطنية، بلغ أكثر من 235 ألف أسرة فقيرة تشمل أكثر من 1.1 مليون فرد، وفقا للتقرير السنوي للصندوق، ورفعت الحكومة موازنة الصندوق في العام الحالي 2025 بنحو 17 مليون دينار، ليبلغ 285 مليون دينار.
ويرى عوض أن التعامل مع نتائج المؤشر لا يجب أن يقتصر على التبرير أو التجاهل، بل يستدعي مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتحكم بجودة حياة المواطنين. المطلوب هو إصلاح سياسات الأجور والعمل، وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وضمان الوصول العادل والفعال إلى التعليم والرعاية الصحية، فضلًا عن محاربة الفساد وتعزيز الشفافية وحرية التعبير.
أما من حيث الانعكاسات الاقتصادية، فأشار عوض إلى أن تراجع ترتيب الأردن في هذا المؤشر يؤثر سلبا على جاذبية بيئة الأعمال والاستثمار، كما يسهم في هجرة الكفاءات والعقول بحثا عن حياة أكثر استقرارا وجودة. كما أن ضعف مؤشرات السعادة قد ينعكس على إنتاجية العاملين وروح المبادرة لدى الشباب، ما يضيف أعباء إضافية على الاقتصاد الوطني ويحد من فرص النمو والتنمية.
وشدد على ضرورة النظر إلى مؤشر السعادة باعتباره أداة تقييم مهمة لنتائج السياسات العامة، وفرصة لإجراء إصلاحات حقيقية وشاملة، تعيد الثقة بين المواطن والدولة، وتفتح الطريق نحو مستقبل أكثر عدالة.
فترة تقييم عصيبة
إلى ذلك، اتفق الخبير الاقتصادي زيان زوانة مع سابقيه بخصوص عدم وضوح فلسفة المؤشر، ويرى زوانة أن الفترة الزمنية التي تم خلالها جمع البيانات التقييمية للمؤشر جاءت في ظروف عصيبة على الأردنيين سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، حيث جزء من التقييم جاء خلال سنوات تنامي المد التضخمي وارتفاع الأسعار عالميا بما في ذلك الفوائد البنكية، ما أثر غالبا سلبا على نظرة الناس لأمورهم الاقتصادية.
فيما جاء الجزء الآخر من التقييم في فترة العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وما رافقه من موقف دولي خجول، ما ترك شعورا بالإحباط والحزن للمجتمع الأردني شديد الارتباط بالقضية الفلسطينية، ما انعكس على النمط الاجتماعي والاستهلاكي لهم، فضلا عن تأثير هذه الحرب الجبانة على القطاع السياحي والتجاري المحلي، ما قد يعني بأن نتائجه غير عادلة.
ودعا زوانة الحكومة إلى ضرورة أخذ المؤشر على محمل الجد، والعمل على تحليل نتائجه ومعالجة مكامن الخلل التي أشار إليها.اضافة اعلان
0 تعليق