loading ad...
عمان- في البدء، لم تكن الكاميرا تطلب الإذن، كانت تُفتح على وجه، على يد ترتجف، على امرأة تقف عند حافة قرار. لم تكن الأفلام جميلة بالمعنى التقليدي، لكنها كانت ضرورية.اضافة اعلان
هكذا بدأ "مهرجان فيلم المرأة"، كأسبوع صغير داخل هوامش السينما، يشق طريقه وسط الضجيج الذكوري للصناعة، ليمنح النساء فرصة لالتقاط الصورة — لا من أمام العدسة فقط، بل من خلفها أيضًا.
في نسخته الثالثة عشرة التي تنطلق اليوم، لم يعد هذا المهرجان تظاهرة عابرة انما تحوّل إلى مساحة مؤسّسة تقف عند تقاطع الفن، الصوت والصورة، والذات النسوية في أكثر تجلياتها هشاشة وقوة.
على مدار ستة أيام، تعبر الشاشات نساء من أماكن مختلفة، لا يجمعهن شكل أو جنسية أو نوع فيلم، بل خيط خفي من المقاومة. من صالة إلى أخرى، تتكرّر ملامح الأم، الجسد، المنفى، القانون، والتمثيل. ليس بوصفها قوالب درامية، بل كمساحات صراع حقيقية، تُعاد صياغتها بعدسة نساء يكتبن السينما من الداخل.
مهرجان يطرح أسئلة متعدة منها؛ هل نُصوّر النساء كما هنّ، أم كما نريد لهن أن يكنّ؟ ومن يملك حق الحكاية؟ ولماذا لم نكن نراهُنّ من قبل؟
في "80 فما فوق"، تضحك نساء عجائز بوجه الوقت، وبدل أن ينكمشن في الظل، يخترن الرقص، والبوح، ومواجهة الشيخوخة كأكذوبة ثقافية.
لكن التحوّل لا يتم في العلن فقط. في "سنو وايت"، تنكمش فتاة مصرية خلف الفلاتر، كأن وجهها الحقيقي لا يستحق الظهور. تخلق لنفسها صورة مقبولة اجتماعيًا، وتمشي داخلها كقوقعة.
أما "سامية"، العدّاءة الصومالية، فتصوّر الجري كخلاص من كل شيء: من تقاليد القرية، من نظرة الأب، من السياسة. لا تسبق الريح، بل تسبق التوقعات.
على الشاشة، تتكرّر صور النساء لا كنسخ، بل كتنويعات على سؤال واحد: ماذا يعني أن تكوني امرأة، وأن تُشاهَدي، وأن تختاري كيف تُشاهَدين؟
يعرض "مهرجان فيلم المرأة" في دورته الثالثة عشرة 14 فيلما من مختلف أنحاء العالم، تتنوّع بين الروائي والوثائقي، القصير والطويل. لكن رغم هذا التنوّع الشكلي، تلتقي الأفلام عند ثيمات رئيسية واضحة، تُعيد طرح سؤال السينما النسوية: هل نُصوّر النساء كما هن، أم كما نريد لهن أن يكنّ؟
أما مواجهة القيود المجتمعية، فتتجلى في "سامية"، العدّاءة الصومالية التي تحوّل الجري إلى فعل مقاومة، و"فتاة الدراجة النارية" التي تقود رحلتها ضد نظرة مجتمع كامل.
وتحضر ثيمة الهوية والمنفى والشتات في "باي باي طبريا" و"رو"، حيث تصبح العودة إلى الذات أصعب من العودة إلى الوطن.
في المقابل، تتصدّى أفلام مثل "النظام المقدس" و"الوصايا" لأسئلة التمكين السياسي والاجتماعي، من معركة حق التصويت إلى صراع حضانة تحت قبضة القانون والعائلة.
وتُسلّط أفلام مثل "سكون" و"سنو وايت" الضوء على العنف الرمزي والجسدي، في مساحات مغلقة ومجتمعات لا ترى المرأة إلا من خلال صورتها.
في كل هذه الحكايات، لا تُطرح المرأة كضحية أو قدّيسة، بل ككيان كامل مليء بالتناقض، يبحث عن مساحة خارج الأدوار الموروثة.
"مهرجان فيلم المرأة": حين تصبح السينما أداة تفكيك لا مجرد شاشة عرض
في نسخته الثالثة عشرة، يعود "مهرجان فيلم المرأة" هذه المرة لا كأسبوع سينمائي عابر، بل كمهرجان مستقل يحمل وعدًا بتوسيع المساحة والخيال معًا. من 10 إلى 15 نيسان 2025، تتقاطع الحكايات النسائية من حول العالم على شاشة واحدة، لكن ليس لمجرد السرد، بل للمساءلة. أي تمثيل هذا الذي نراه؟ ومن يملكه؟ ومن يُقصى منه؟
المهرجان الذي ينظم بالتعاون مع الهيئة الملكية للأفلام، برعاية الأميرة بسمة بنت طلال، وتديره فنيًا الزميلة الإعلامية غادة سابا، يضع على الطاولة مروحة من التجارب السينمائية التي تنتمي إلى أجناس متعددة: روائي، وثائقي، قصير وطويل. لكن ما يجمع بينها هو انحيازها إلى سؤال واحد: ماذا يعني أن تُروى القصة من وجهة نظر امرأة؟
من الجري بوصفه مقاومة في فيلم "سامية" الصومالي، إلى الجسد المختبئ خلف فلاتر رقمية في "سنو وايت" المصري، ترصد الأفلام تحوّلات الجسد كمساحة صراع مستمر. سامية لا تركض فقط ضد الزمن، بل ضد القيود، ضد الخوف، ضد السلطة الأبوية التي تطاردها داخل وخارج المضمار. وفي المقابل، تعيد فتاة "سنو وايت" صياغة صورتها باستخدام تقنية الفلتر، محاولة النجاة من معايير جمال لا تراها ولا تحتمل وجودها كما هو.
الهامش كخط مقاومة
تغيب البطولة التقليدية وتحضر النساء العاديات بكل تعقيداتهن. "أرزة" اللبنانية ليست بطلة، بل أم عزباء تبحث عن دراجة ابنها في شوارع بيروت المنهكة. "الوصايا" المغربية تروي معركة حضانة من خلال تسع نقاط تحوّلت إلى بيان شخصي ضد العائلة والقانون. و"سكون" يعيد تعريف البطولة من خلال امرأة صمّاء تقاوم العنف الجنسي داخل مركز تدريب، بصمت لا يقل فتكًا عن الصراخ. هذه الأفلام لا تقدم المرأة كضحية، بل كفاعل هش. هشاشتها جزء من قوتها.
الذاكرة والهوية: من فلسطين إلى كندا
"باي باي طبريا" ليس فقط فيلمًا عن العودة، بل عن استحالة العودة. ذاكرة الأم والجدة والابنة تتداخل، وتفشل كل محاولة لترتيبها زمنيًا. في كندا، تحاول لاجئة في فيلم "رو" بناء هوية هجينة تتقبّل تناقضاتها، ولا تنجح تمامًا. الشتات ليس فقط مكانًا جغرافيًا، بل وضع نفسي لا يجد ترجمة سهلة على الشاشة، إلا من خلال التفاصيل الصغيرة: لهجة الأم، عبوة الطعام، أو صمت الانتماء المكسور.
نساء في مواجهة المؤسسة
من انتخابات سويسرا إلى مسابقات الزوجة المثالية في إيرلندا، تتخذ بعض الأفلام موقفًا مباشرًا ضد الأنظمة الذكورية المقنّعة بالشرعية. "النظام المقدس" يعيد تمثيل معركة حق التصويت للنساء في سويسرا، بينما يكشف "أفضل ربة منزل لهذا العام" كيف صيغت الأنوثة كماركة مسجلة، ثم تفككت من الداخل على يد النساء أنفسهن.
في كلا الحالتين، السينما تُمارس فعل تفكيك علني للمؤسسة، ولكن دون صراخ، فقط بكاميرا تعرف متى تصمت.
تحوّل رمزي... أم بداية مأسسة؟
من "أسبوع" إلى "مهرجان" - تبدو التسمية الجديدة كمؤشر على تحول تنظيمي وفني، لكنها لا تزال في طور التجريب. رغم تنوع الجنسيات واللغات، يظل التكرار في الثيمات واضحا: الأم، المقاومة الفردية، قضايا الجسد والهوية. ثيمات أساسية، نعم، لكن الخطاب النسوي اليوم يتحرّك نحو مناطق أكثر تعقيدًا: الجندر المتقاطع، الذكاء الاصطناعي، نسوية ما بعد الاستعمار، والنسوية الكويرية. وربما ما يزال المهرجان مترددًا في الخروج من النمط الآمن.
في زمن تتغيّر فيه اللغة السينمائية وتتسع فيها الهوامش، لا يكفي عرض الأفلام. يجب أن تُستثمر كأدوات نقاش ومواجهة وتجريب. وهو ما يحتاج هذا المهرجان ليكون حقيقيا أكثر.
المديرة الفنية للمهرجان سابا: "نؤمن بأن التطوّر حتمي ونسعى لتقديم محتوى يتجاوز النمط التقليدي
بعد 12 عامًا من الانطلاق، يمرّ اليوم المهرجان اليوم بمرحلة تطور حتمية تتماشى مع التغيرات الثقافية والسينمائية في المنطقة"، تقول المديرة الفنية لمهرجان المرأة غادة سابا في تصريح لـ "الغد"، وأضافت: "تحولنا هذا العام إلى صيغة مهرجان كامل من الفعاليات، بدلًا من النمط السابق، ليس فقط لتوسيع المساحة الزمنية، بل لنتمكن من التعمق في قضايا تُنسب للمرأة وتُعد أساسية في مجتمعاتنا، سواء كانت محلية أو عالمية."
وأشارت إلى أن المهرجان سيقدّم هذا العام سلسلة من النقاشات التقنية السينمائية التي تختلف عن نموذج "سؤال وجواب مع المخرج بعد العرض"، حيث سيتم التركيز على النقاشات التخصصية والإبداعية التي تُثري التجربة السينمائية للجمهور والمشاركين على حد سواء.
الشراكة مع الهيئة الملكية للأفلام تنبع من تقاطع الأهداف، وفق سابا، فالهيئة تمتلك خبرة مهمة، ونستفيد منها ليس فقط على مستوى التنظيم والدعم، بل أيضًا في نوعية الأفلام التي نقدمها، حيث نلتقي في رؤيتنا لإبراز القصص التي تمس قضايا المرأة بشكل عميق وإنساني.
وعن أهمية المهرجان واستمراريته تقول: "رغم أن هذه النسخة تُعد أولى نسخ المهرجان بصيغته المستقلة والموسّعة، إلا أننا لا نعتبره مشروعًا تجريبيًا، بل خطوة أولى في مسار طويل. أهمية هذا المهرجان تكمن في أنه مساحة مستقلة وآمنة لرؤية النساء وتجاربهن، بعيدا عن التنميط، والتجاهل، والاستغلال. نحن لا نعرض أفلامًا فقط، بل نفتح حوارات حقيقية حول الأمان، العدالة، الجندر، السلطة، المقاومة، وكل ما تمثله المرأة اليوم.
وبحسبها توضح "نحن لا نطمح لأن نكون مهرجانا كبيرا فقط، بل نطمح لأن نكون مهرجانا مؤثرًا، متنوعًا، صادقًا في تمثيل أصوات النساء وقضاياهن، أينما كُنّ، وخصوصًا في أماكن لا تصلها الكاميرات كثيرًا، لكننا نسمع صوتها في الأفلام التي نعرضها".
ويتضمن المهرجان لهذا العام مجموعة من اللقاءات الحوارية والنقاشات المتخصصة التي تنطلق من افتتاحية مميزة بمشاركة الكاتبة دينا ناصر في جلسة مفتوحة أمام الجمهور.
كما سيكون هناك نقاش خاص يوم عرض الفيلم الإيرلندي، بمشاركة ممثلين عن السفارة الإيرلندية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، بهدف طرح قضايا الجندر والتمثيل السينمائي من منظور دولي، وهي جلسة مفتوحة كذلك.
أما يوم 16 من الشهر الحالي، فستُعقد جلسة مغلقة للمدعوين فقط، مخصصة لصناع القرار والفاعلين في المشهد الثقافي، لمناقشة استمرارية هذا النوع من المهرجانات، ودورها في خلق مساحات سينمائية نسوية جديدة.
وعن حضور فلسطين تلفت سابا إلى ان "القضية الفلسطينية ليست مجرد حضور رمزي لدينا، بل جزء أساسي من هويتنا، ونحرص على تضمينها سنويًا عبر اختيارات دقيقة، مثل عرض هذا العام في باي طبريا، كموقع محمّل بالرمزية والذاكرة."
وتدعو سابا الجميع للمشاركة، والتفاعل، وتبادل الآراء. نحن نعمل معًا على تشكيل مستقبل أكثر عدلًا وتمكينًا للمرأة في الفنون، مؤمنة أن السينما أداة للتغيير لا تقل أهمية عن السياسة والتعليم.
السينما ليست مرآة، بل مطرقة
في النهاية، لا تهمّ جنسية الفيلم أو مدته أو أسلوبه بقدر ما يهم موقعه من الأسئلة. هذا ما يجعل من "مهرجان فيلم المرأة" مساحة ضرورية، لكنه في حاجة ماسّة إلى قفزة فكرية، نقدية، وجمالية.
ليس المطلوب مهرجانًا ضخمًا، بل منصة صادقة، لا تكتفي بعرض الحكايات، بل تطرح السؤال الجوهري: من يروي؟ ولماذا؟
هكذا بدأ "مهرجان فيلم المرأة"، كأسبوع صغير داخل هوامش السينما، يشق طريقه وسط الضجيج الذكوري للصناعة، ليمنح النساء فرصة لالتقاط الصورة — لا من أمام العدسة فقط، بل من خلفها أيضًا.
في نسخته الثالثة عشرة التي تنطلق اليوم، لم يعد هذا المهرجان تظاهرة عابرة انما تحوّل إلى مساحة مؤسّسة تقف عند تقاطع الفن، الصوت والصورة، والذات النسوية في أكثر تجلياتها هشاشة وقوة.
على مدار ستة أيام، تعبر الشاشات نساء من أماكن مختلفة، لا يجمعهن شكل أو جنسية أو نوع فيلم، بل خيط خفي من المقاومة. من صالة إلى أخرى، تتكرّر ملامح الأم، الجسد، المنفى، القانون، والتمثيل. ليس بوصفها قوالب درامية، بل كمساحات صراع حقيقية، تُعاد صياغتها بعدسة نساء يكتبن السينما من الداخل.
مهرجان يطرح أسئلة متعدة منها؛ هل نُصوّر النساء كما هنّ، أم كما نريد لهن أن يكنّ؟ ومن يملك حق الحكاية؟ ولماذا لم نكن نراهُنّ من قبل؟
في "80 فما فوق"، تضحك نساء عجائز بوجه الوقت، وبدل أن ينكمشن في الظل، يخترن الرقص، والبوح، ومواجهة الشيخوخة كأكذوبة ثقافية.
لكن التحوّل لا يتم في العلن فقط. في "سنو وايت"، تنكمش فتاة مصرية خلف الفلاتر، كأن وجهها الحقيقي لا يستحق الظهور. تخلق لنفسها صورة مقبولة اجتماعيًا، وتمشي داخلها كقوقعة.
أما "سامية"، العدّاءة الصومالية، فتصوّر الجري كخلاص من كل شيء: من تقاليد القرية، من نظرة الأب، من السياسة. لا تسبق الريح، بل تسبق التوقعات.
على الشاشة، تتكرّر صور النساء لا كنسخ، بل كتنويعات على سؤال واحد: ماذا يعني أن تكوني امرأة، وأن تُشاهَدي، وأن تختاري كيف تُشاهَدين؟
يعرض "مهرجان فيلم المرأة" في دورته الثالثة عشرة 14 فيلما من مختلف أنحاء العالم، تتنوّع بين الروائي والوثائقي، القصير والطويل. لكن رغم هذا التنوّع الشكلي، تلتقي الأفلام عند ثيمات رئيسية واضحة، تُعيد طرح سؤال السينما النسوية: هل نُصوّر النساء كما هن، أم كما نريد لهن أن يكنّ؟
أما مواجهة القيود المجتمعية، فتتجلى في "سامية"، العدّاءة الصومالية التي تحوّل الجري إلى فعل مقاومة، و"فتاة الدراجة النارية" التي تقود رحلتها ضد نظرة مجتمع كامل.
وتحضر ثيمة الهوية والمنفى والشتات في "باي باي طبريا" و"رو"، حيث تصبح العودة إلى الذات أصعب من العودة إلى الوطن.
في المقابل، تتصدّى أفلام مثل "النظام المقدس" و"الوصايا" لأسئلة التمكين السياسي والاجتماعي، من معركة حق التصويت إلى صراع حضانة تحت قبضة القانون والعائلة.
وتُسلّط أفلام مثل "سكون" و"سنو وايت" الضوء على العنف الرمزي والجسدي، في مساحات مغلقة ومجتمعات لا ترى المرأة إلا من خلال صورتها.
في كل هذه الحكايات، لا تُطرح المرأة كضحية أو قدّيسة، بل ككيان كامل مليء بالتناقض، يبحث عن مساحة خارج الأدوار الموروثة.
"مهرجان فيلم المرأة": حين تصبح السينما أداة تفكيك لا مجرد شاشة عرض
في نسخته الثالثة عشرة، يعود "مهرجان فيلم المرأة" هذه المرة لا كأسبوع سينمائي عابر، بل كمهرجان مستقل يحمل وعدًا بتوسيع المساحة والخيال معًا. من 10 إلى 15 نيسان 2025، تتقاطع الحكايات النسائية من حول العالم على شاشة واحدة، لكن ليس لمجرد السرد، بل للمساءلة. أي تمثيل هذا الذي نراه؟ ومن يملكه؟ ومن يُقصى منه؟
المهرجان الذي ينظم بالتعاون مع الهيئة الملكية للأفلام، برعاية الأميرة بسمة بنت طلال، وتديره فنيًا الزميلة الإعلامية غادة سابا، يضع على الطاولة مروحة من التجارب السينمائية التي تنتمي إلى أجناس متعددة: روائي، وثائقي، قصير وطويل. لكن ما يجمع بينها هو انحيازها إلى سؤال واحد: ماذا يعني أن تُروى القصة من وجهة نظر امرأة؟
من الجري بوصفه مقاومة في فيلم "سامية" الصومالي، إلى الجسد المختبئ خلف فلاتر رقمية في "سنو وايت" المصري، ترصد الأفلام تحوّلات الجسد كمساحة صراع مستمر. سامية لا تركض فقط ضد الزمن، بل ضد القيود، ضد الخوف، ضد السلطة الأبوية التي تطاردها داخل وخارج المضمار. وفي المقابل، تعيد فتاة "سنو وايت" صياغة صورتها باستخدام تقنية الفلتر، محاولة النجاة من معايير جمال لا تراها ولا تحتمل وجودها كما هو.
الهامش كخط مقاومة
تغيب البطولة التقليدية وتحضر النساء العاديات بكل تعقيداتهن. "أرزة" اللبنانية ليست بطلة، بل أم عزباء تبحث عن دراجة ابنها في شوارع بيروت المنهكة. "الوصايا" المغربية تروي معركة حضانة من خلال تسع نقاط تحوّلت إلى بيان شخصي ضد العائلة والقانون. و"سكون" يعيد تعريف البطولة من خلال امرأة صمّاء تقاوم العنف الجنسي داخل مركز تدريب، بصمت لا يقل فتكًا عن الصراخ. هذه الأفلام لا تقدم المرأة كضحية، بل كفاعل هش. هشاشتها جزء من قوتها.
الذاكرة والهوية: من فلسطين إلى كندا
"باي باي طبريا" ليس فقط فيلمًا عن العودة، بل عن استحالة العودة. ذاكرة الأم والجدة والابنة تتداخل، وتفشل كل محاولة لترتيبها زمنيًا. في كندا، تحاول لاجئة في فيلم "رو" بناء هوية هجينة تتقبّل تناقضاتها، ولا تنجح تمامًا. الشتات ليس فقط مكانًا جغرافيًا، بل وضع نفسي لا يجد ترجمة سهلة على الشاشة، إلا من خلال التفاصيل الصغيرة: لهجة الأم، عبوة الطعام، أو صمت الانتماء المكسور.
نساء في مواجهة المؤسسة
من انتخابات سويسرا إلى مسابقات الزوجة المثالية في إيرلندا، تتخذ بعض الأفلام موقفًا مباشرًا ضد الأنظمة الذكورية المقنّعة بالشرعية. "النظام المقدس" يعيد تمثيل معركة حق التصويت للنساء في سويسرا، بينما يكشف "أفضل ربة منزل لهذا العام" كيف صيغت الأنوثة كماركة مسجلة، ثم تفككت من الداخل على يد النساء أنفسهن.
في كلا الحالتين، السينما تُمارس فعل تفكيك علني للمؤسسة، ولكن دون صراخ، فقط بكاميرا تعرف متى تصمت.
تحوّل رمزي... أم بداية مأسسة؟
من "أسبوع" إلى "مهرجان" - تبدو التسمية الجديدة كمؤشر على تحول تنظيمي وفني، لكنها لا تزال في طور التجريب. رغم تنوع الجنسيات واللغات، يظل التكرار في الثيمات واضحا: الأم، المقاومة الفردية، قضايا الجسد والهوية. ثيمات أساسية، نعم، لكن الخطاب النسوي اليوم يتحرّك نحو مناطق أكثر تعقيدًا: الجندر المتقاطع، الذكاء الاصطناعي، نسوية ما بعد الاستعمار، والنسوية الكويرية. وربما ما يزال المهرجان مترددًا في الخروج من النمط الآمن.
في زمن تتغيّر فيه اللغة السينمائية وتتسع فيها الهوامش، لا يكفي عرض الأفلام. يجب أن تُستثمر كأدوات نقاش ومواجهة وتجريب. وهو ما يحتاج هذا المهرجان ليكون حقيقيا أكثر.
المديرة الفنية للمهرجان سابا: "نؤمن بأن التطوّر حتمي ونسعى لتقديم محتوى يتجاوز النمط التقليدي
بعد 12 عامًا من الانطلاق، يمرّ اليوم المهرجان اليوم بمرحلة تطور حتمية تتماشى مع التغيرات الثقافية والسينمائية في المنطقة"، تقول المديرة الفنية لمهرجان المرأة غادة سابا في تصريح لـ "الغد"، وأضافت: "تحولنا هذا العام إلى صيغة مهرجان كامل من الفعاليات، بدلًا من النمط السابق، ليس فقط لتوسيع المساحة الزمنية، بل لنتمكن من التعمق في قضايا تُنسب للمرأة وتُعد أساسية في مجتمعاتنا، سواء كانت محلية أو عالمية."
وأشارت إلى أن المهرجان سيقدّم هذا العام سلسلة من النقاشات التقنية السينمائية التي تختلف عن نموذج "سؤال وجواب مع المخرج بعد العرض"، حيث سيتم التركيز على النقاشات التخصصية والإبداعية التي تُثري التجربة السينمائية للجمهور والمشاركين على حد سواء.
الشراكة مع الهيئة الملكية للأفلام تنبع من تقاطع الأهداف، وفق سابا، فالهيئة تمتلك خبرة مهمة، ونستفيد منها ليس فقط على مستوى التنظيم والدعم، بل أيضًا في نوعية الأفلام التي نقدمها، حيث نلتقي في رؤيتنا لإبراز القصص التي تمس قضايا المرأة بشكل عميق وإنساني.
وعن أهمية المهرجان واستمراريته تقول: "رغم أن هذه النسخة تُعد أولى نسخ المهرجان بصيغته المستقلة والموسّعة، إلا أننا لا نعتبره مشروعًا تجريبيًا، بل خطوة أولى في مسار طويل. أهمية هذا المهرجان تكمن في أنه مساحة مستقلة وآمنة لرؤية النساء وتجاربهن، بعيدا عن التنميط، والتجاهل، والاستغلال. نحن لا نعرض أفلامًا فقط، بل نفتح حوارات حقيقية حول الأمان، العدالة، الجندر، السلطة، المقاومة، وكل ما تمثله المرأة اليوم.
وبحسبها توضح "نحن لا نطمح لأن نكون مهرجانا كبيرا فقط، بل نطمح لأن نكون مهرجانا مؤثرًا، متنوعًا، صادقًا في تمثيل أصوات النساء وقضاياهن، أينما كُنّ، وخصوصًا في أماكن لا تصلها الكاميرات كثيرًا، لكننا نسمع صوتها في الأفلام التي نعرضها".
ويتضمن المهرجان لهذا العام مجموعة من اللقاءات الحوارية والنقاشات المتخصصة التي تنطلق من افتتاحية مميزة بمشاركة الكاتبة دينا ناصر في جلسة مفتوحة أمام الجمهور.
كما سيكون هناك نقاش خاص يوم عرض الفيلم الإيرلندي، بمشاركة ممثلين عن السفارة الإيرلندية وهيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، بهدف طرح قضايا الجندر والتمثيل السينمائي من منظور دولي، وهي جلسة مفتوحة كذلك.
أما يوم 16 من الشهر الحالي، فستُعقد جلسة مغلقة للمدعوين فقط، مخصصة لصناع القرار والفاعلين في المشهد الثقافي، لمناقشة استمرارية هذا النوع من المهرجانات، ودورها في خلق مساحات سينمائية نسوية جديدة.
وعن حضور فلسطين تلفت سابا إلى ان "القضية الفلسطينية ليست مجرد حضور رمزي لدينا، بل جزء أساسي من هويتنا، ونحرص على تضمينها سنويًا عبر اختيارات دقيقة، مثل عرض هذا العام في باي طبريا، كموقع محمّل بالرمزية والذاكرة."
وتدعو سابا الجميع للمشاركة، والتفاعل، وتبادل الآراء. نحن نعمل معًا على تشكيل مستقبل أكثر عدلًا وتمكينًا للمرأة في الفنون، مؤمنة أن السينما أداة للتغيير لا تقل أهمية عن السياسة والتعليم.
السينما ليست مرآة، بل مطرقة
في النهاية، لا تهمّ جنسية الفيلم أو مدته أو أسلوبه بقدر ما يهم موقعه من الأسئلة. هذا ما يجعل من "مهرجان فيلم المرأة" مساحة ضرورية، لكنه في حاجة ماسّة إلى قفزة فكرية، نقدية، وجمالية.
ليس المطلوب مهرجانًا ضخمًا، بل منصة صادقة، لا تكتفي بعرض الحكايات، بل تطرح السؤال الجوهري: من يروي؟ ولماذا؟
0 تعليق