البابطين.. المال وعجلة الثقافة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اعتادت المؤسسات التي تقيم مسابقات أن تحتفـي بالفائزين بعد إعلان أسمائهم، بحضور أعضاء لجان التحكيم، لكنّ مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافـية، دأبت على دعوة مجموعة من الأدباء، والمثقّفـين، والشعراء، والإعلاميين لمشاركتها الاحتفاء بالفائزين ليتحوّل حفل توزيع الجوائز إلى مناسبة ثقافـية كبيرة، تقيمها بعاصمة من العواصم العربية، أو الأجنبية، على مدى أيام، تتخلّلها قراءات شعريّة، وجلسات نقديّة فـي شخصية شعرية مؤثّرة، فاحتفتْ بكلّ من: محمود سامي البارودي وأبي القاسم الشابي، وأحمد مشاري العدواني، والأخطل الصغير، وأبي فراس الحمداني، وعبدالقادر الجزائري، وعلي بن المقرب العيوني، وإبراهيم طوقان، وابن زيدون، وأحمد شوقي، ولامارتين، وخليل مطران، وحملت الدورة الأخيرة (الدورة التاسعة عشرة) اسم مؤسّسها الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين بمناسبة مرور عام على رحيله فـي 15 ديسمبر 2023م، وقد أقيمت فـي الكويت، وتشرّفنا بحضور أعمالها التي اختتمت الثلاثاء الموافق17 ديسمبر الجاري، فأتاحت لنا هذه الدعوة فرصة للاطّلاع على أنشطة المؤسّسة التي أنشئت عام 1985م وأسفرت عن إنجازات ثقافـية، لعلّ أبرزها ما تمّ إنجازه فـي مجال الصناعة المعجمية، فرفدت الثقافة العربية بمعجم البابطين للشعراء العرب الأحياء الذي صدرت طبعته الأولى فـي أكتوبر عام 1995م بالكويت، وقد جاء بـ(9) مجلدات واشتمل على (2514) شاعرا وشاعرة، وكذلك معجم البابطين لشعراء العربية فـي القرنين التاسع عشر والعشرين الخاص بالشعراء الراحلين، وقد جاء فـي (25) مجلّدا واشتمل على (9518) شاعرا وشاعرة، ومعجم البابطين لشعراء العربية فـي عصر الدول والإمارات (1258-1800م) واشتمل على تراجم ونماذج شعرية لـ (9462) شاعرا، وشاعرة، وجاء فـي (25) مجلدا ، وتخطّط المؤسسة فـي المرحلة المقبلة لإصدار معاجم جديدة لشعراء العصر العباسي، وعصر ما قبل الإسلام، وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي، ولو لم تقم المؤسسة بعمل سوى هذا لكفاها، فالعمل المعجمي، كما هو معروف، يحتاج إلى جهود كبيرة من دارسين وباحثين، لكنّ مشروع المؤسسة تجاوز ذلك إلى الجائزة والإصدارات الشعرية، وكتب الدراسات، وتنظيم الندوات، وإرسال طلبة مبتعثين لإكمال دراستهم فـي الخارج، وإنشاء مكتبة البابطين التي تفتح أبوابها للباحثين والدارسين، وتنظيم فعالية (ربيع الشعر العربي) التي تحتفـي بشعراء عرب محدثين، وما إلى ذلك من جهود تهدف إلى خدمة الثقافة بشكل عام والشعر العربي بشكل خاص، فقد نال الشعر حصّة الأسد من اهتمام الراحل به، كونه شاعرا، أصدر 3 دواوين هي: بوح البوادي 1995م، ومسافر فـي القفار 2004م وأغنيات الفـيافـي 2017م ، ولم تبعده أعماله، ومشاريعه التجارية عن حبّه للشعر واهتمامه بقضاياه، ودعمه لكلّ ما يخدم اللغة العربية، وخلال الندوة التي أقيمت فـي الدورة الأخيرة تحدّث فـيها عدد من الأصدقاء المقرّبين من الراحل عن فكرة المؤسّسة التي بدأت بحلم كان يسكن مخيّلة الراحل، لسنوات طويلة، وفـي منتصف الثمانينيات وجد أن الوقت حان لتحويل الحلم إلى واقع، يقول د.أحمد درويش «يتّسم المشروع الثقافـي لأبي سعود- رحمه الله- بميزتين متكاملتين هما وضوح الهدف ومرونة الأداء، فالهدف واضح وهو إيصال الثقافة العربية الصحيحة الراقية وخاصة فـي مجال الشعر ونقده إلى من يبحث عنها ويستحقها أو تبحث هي عنه، هذا هو الهدف، أما الأداة فهي تتنوع حسب نوع الاحتفاليات التي تقام».

ومن المبهج أن الراحل عبد العزيز البابطين، خصّص للمؤسسة جزءا من ثروته ليكون وقفا، لكي يستمرّ عملها بعد رحيله، وأوكل لأبنائه مهمّة تسيير أعمال المؤسسة، فأدّوا الرسالة على أكمل وجه، وفـي حفل افتتاح الدورة الأخيرة، تمّ إقرار مضاعفة قيمة الجوائز، فـي الدورات القادمة، وحين ذكرت عريفة الحفل عن اسم الفائز، وقيمة الجائزة، طلب رئيس المؤسسة منها أن تصحّح الرقم، فالمؤسسة، ستبدأ بتطبيق القرار كما قال «الآن» ليقابل الجمهور إشارته بالتصفـيق، ليستمر المشروع، كونه فـي أيد أمينة، فقد صار البابطين، كما تقول د. منى المالكي «رمزا للاستثمار الثقافـي فـي العالم العربي، حيث أثّرت جهوده بشكل كبير فـي نشر الأدب العربي وحماية التراث ومن خلال مؤسساته ومبادراته، ساهم فـي إعادة إحياء الاهتمام بالشعر العربي الكلاسيكي والحديث، وفتح آفاقا جديدة للشعراء، والمثقفـين العرب»

ولا يشبهه بهذا سوى الراحل سلطان العويس الذي أسّس جائزة حملت اسمه عام 1987م بهدف تكريم الأدباء والمفكرين العرب، وتحوّلت الجائزة إلى مؤسسة ثقافـية عام 1992م حملت اسم (مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافـية)، وكذلك الأردني عبدالحميد شومان الذي أسّس مؤسّسة عبدالحميد شومان الثقافـية.

وكم نتمنّى أن يحذو حذو الكويتي البابطين والإماراتي سلطان العويس، والأردني عبد الحميد شومان، رجال أعمال عرب وخليجيون يمتلكون ثروات طائلة، ولم يدعموا الثقافة العربية بشيء بسيط مما رزقهم الله !

وكم هي الثقافة العربية اليوم بحاجة لمثل هذا الدعم، بعد أن أثّرت الأزمات الاقتصادية على الدعم المؤسساتي! وذلك لدفع عجلة العمل الثقافـي للأمام، فوقوف هذه العجلة من شأنه أن يلحق أضرارا بالغة بالمجتمعات .

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق