في زمن تعيد فيه مصر وجهها الحضاري، ألا تستحق رموزنا المعاصرة مثل هذا الوجه؟
في لحظة يسطع فيها نور التنمية في كل أنحاء الجمهورية، من العاصمة الإدارية الجديدة إلى شبكات الطرق العملاقة، ومن المدن الذكية إلى مشروعات “حياة كريمة”، يبرز السؤال الذي لا يقل أهمية عن كل حجر يُبنى وكل طريق يُمهد: أين البناء الموازي لتكريم رموزنا؟ وأين الوعي بأهمية حماية وتقدير من أعطوا حياتهم لوضع إسم مصر في المقدمة فنيًا وثقافيًا؟
في هذه اللحظة بالتحديد، تبرز قصة فاتن الحلو، سيدة السيرك المصري، كنموذج صادق وراسخ لإحدى القامات التي أثرت الفن المصري بروحها، وشاركت في ترسيخ مكون فني نادر الوجود عربيًا، هو فن السيرك وترويض الوحوش.
امرأة قادت بعد وفاة زوجها، الدكتور إبراهيم الحلو، مؤسسة فنية واجتماعية كانت تضاهي الكيانات الكبرى في التنظيم والعطاء، حتى أصبح اسمها مرادفًا للبهجة في المناسبات القومية، والمهرجانات الدولية، واحتفالات يوم اليتيم التي كانت تفتح لها الأبواب مجانا لترسم البهجة علي وجوههم فاتن الحلو الآن تحتاج الي رد الجميل
إذا كنا نفتخر بهذا التحول الحضاري الذي يحدث الآن بجمهورية مصر العربيه ،فإن هناك مسؤولية موازية على الدولة والمجتمع المدني مسؤولية بناء منظومة حضارية لتكريم وتوثيق وحماية رموز مصر المعاصرين الذين صنعوا صورتها الثقافية والفنية والإنسانية.
فاتن الحلو… بين بهجة الأمس ومحنة الحاضر
في حديثها من دار رعاية كبار الفنانين، حيث تقيم الآن بعد أن أثقلها المرض وتكاليف الحياة، تحدثت فاتن الحلو بصدق مؤلم:
“لم أتخلَّ عن الحياة، لكني أردت أن أُخفف عن بناتي وحفيداتي… أردت أن أحافظ على كرامتي.”
“المديونيات أثقلت كاهلنا، لم يتبقَ من السيرك شيء… وأنا اخترت الراحة والونس، لا الهروب.”
ما قالته فاتن الحلو ليس مجرد مشهد عاطفي، بل هو جرس إنذار حضاري، يدعونا جميعًا لسؤال أنفسنا:
هل نملك آلية حقيقية لتكريم الرموز الفنية مثلما استطعنا تحقيق خطة لتطوير الطرق والكباري وجذبنا استثمارات العالم وانفردنا بالوجه الحضاري الأحدث عالميا
هل لدينا هيئة أو جهة مسؤولة عن حماية من أفنوا أعمارهم في رسم صورة وقوة مصر الناعمة؟
دعوة لبناء وجه حضاري إنساني موازٍ
إذا كانت مصر تعيد تشكيل صورتها كدولة متقدمة من خلال بنية تحتية لا مثيل لها، فإن البنية الثقافية والرمزية لا تقل أهمية. الرموز مثل فاتن الحلو، والفنانون الذين أضاءوا دروب الوطن، هم كنوز حضارية يجب صيانتها بمؤسسات وقوانين واضحة.
ربما نحتاج إلى هيئة وطنية لتكريم الرموز الحية، أو متحف شرفي لكل من ساهم في بناء هوية مصر الفنية والاجتماعية… نحتاج إلى مظلة تحميهم، ترعاهم، وتمنحهم نهاية تليق ببداياتهم العظيمة.
الختام: الوجه الذي يستحقه الوطن
في النهاية، مصر الحديثة التي نراها تنمو وتتجدد، لا تكتمل دون أن تحتضن رموزها.
وفاتن الحلو، التي صنعت البهجة لعقود، تستحق أن تُكرم وهي على قيد الحياة، لا أن تُذكر فقط بعد الرحيل.
فلنُكمل بناء مصر الحضارية بشقها الإنساني… ولنثبت للعالم أن هذه الدولة، التي تبني مدنًا وطرقًا، تعرف كيف تبني أيضًا ذاكرة شعبها وتقدّر من خدموه بإخلاص.
“التاريخ لا ينسى… فلنكن نحن الحاضر الذي يقف في صف التقدير والعطاء والتكريم لسيدة السيرك المصري الأوروبي فاتن الحلو.
0 تعليق