في عالمٍ لم تعد فيه الحدود تعني الكثير أمام حركة الأموال، والتجارة، وسلاسل التوريد، لم يعد بوسع أي دولة أن تدعي الحصانة الكاملة من الاضطرابات الاقتصادية العالمية.
ومع ذلك، ما زال بعض القادة السياسيين، في وجه الأزمات، يلجؤون إلى لغة الاستثناء، معلنين أن بلدانهم «محصنة» أو «محمية» من تداعيات الخارج.
هذه اللغة لا تعبر عن قوة حقيقية بقدر ما تعكس حاجة سياسية للطمأنة والسيطرة. لكنها، في جوهرها، وهم خطير يؤجل الإصلاح، ويشوه الوعي العام، ويُقوض الثقة داخلياً وخارجياً.
إن سرديات الحصانة تُغري السياسيين؛ لأنها توفر ملاذاً مؤقتاً من الذعر الجماهيري، وتُوهم الناس أن دولتهم بمنأى عن العاصفة. ويستشهد القادة بأرقام النمو والاحتياطيات والسياسات المالية كدليل على الاستقرار، لكنّهم يتجاهلون حقيقة أن الاقتصاد العالمي يعمل كجسد واحد، يتأثر بأدنى اضطراب.
فالصدمات الاقتصادية — من اضطرابات سلاسل التوريد إلى التضخم، وتقلبات أسعار النفط، والأزمات الجيوسياسية — لا تفرق بين دولة وأخرى.
ولأن الإنكار يُعطل الاستجابة، فقد يكون هو نفسه أحد عوامل تسريع الأزمة. تاريخياً، واجهت دول كثيرة انهيارات مفاجئة بعد إنكارها للأخطار: من تجاهل الأزمة المالية عام 2008 باعتبارها «مشكلة أمريكية»، إلى التقليل من أثر جائحة كوفيد-19، وما تبعها من تضخم وانكماش وضغط على الخدمات.
وفي كل مرة، كان الإنكار يسبق الغضب الشعبي، وتراجع الثقة في المؤسسات، وانكشاف هشاشة السياسات الاقتصادية.
واليوم، يتكرر النمط ذاته في حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين. فرغم تصويرها كأداة للسيادة الاقتصادية، فقد تسببت هذه الحرب في ارتفاع الأسعار، وتعطيل سلاسل التوريد، وإرباك الأسواق العالمية.
فكرة «الانفصال الاقتصادي» قد تبدو جذابة سياسياً، لكنها تتجاهل مدى التشابك العميق بين الاقتصادين. الرسوم الجمركية، شأنها شأن الفيروسات، لا تتوقف عند الحدود، والادعاء بأن الأثر يمكن عزله هو وهم باهظ الثمن.
المرونة الاقتصادية لا تُبنى على الإنكار أو الخطاب الاستثنائي، بل على الشفافية، والتخطيط، والانفتاح على التعاون الدولي.
الحكومات القوية ليست من تُخفي المخاطر، بل من تعترف بها وتواجهها بصدق. فالحوكمة النزيهة لا تخاف من المكاشفة، بل تبني الثقة من خلالها.
الخلاصة
إن وهم الحصانة ليس مجرد سوء تقدير؛ بل هو مقامرة استراتيجية غالباً ما تفشل.
في مواجهة الصدمات الاقتصادية العالمية، لا بد من الواقعية بدلاً من الادعاء - واستخدام السياسة الذكية بدلاً من الخطابة.
يجب على الحكومات أن تتخلى عن أسطورة الاستثنائية الاقتصادية، وأن تتبنى بدلاً من ذلك سياساتٍ مدروسة وشاملة وعملية تعكس الطبيعة المترابطة لعالم اليوم.
عندها فقط تستطيع الدول الصمود حقاً في وجه عواصف النظام العالمي المترابط الهش.
0 تعليق