دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تفقس أسماك السلمون في جداول وأنهار هادئة، لتستهلّ بعدها رحلة محفوفة بالمخاطر نحو المحيط المفتوح، حيث تبلغ مرحلة النضوج.
لطالما قطعت أجيال من أسماك السلمون الصغيرة مسافات شاسعة خلال هجرتها، بعضها سافر مئات الأميال بالمياه العذبة وصولًا إلى البحر. لكن تواجه هذه الأسماك في العصر الحديث عقبة لم يعرفها أسلافها في العصور الغابرة، سببها التلوث الدوائي الذي يُغيّر في سلوك الهجرة لديها.
في الآونة الأخيرة، اكتشف باحثون أنه عندما يتراكم دواء "كلوبازام" في أدمغة أسماك السلمون، تصل الأسماك المهاجرة إلى المحيط في وقت أبكر، وتعبر الحواجز المائية أسرع.
في الظاهر قد يبدو أن هذا التغيير مفيدًا لأسماك السلمون، لكنّ أي انحراف عن السلوك الطبيعي للحيوانات بسبب النشاط البشري، خصوصًا عندما تكون المواد النفسية هي المعنية، يُعد بمثابة إشارة تحذير.
ذكر تقرير بمجلة "ساينس" بتاريخ 10 أبريل/ نيسان أن العلماء لا يزالون يجهلون مدى تأثير تلوث الأدوية على صحة أسماك السلمون وسلوكها، وتكاثرها.
يُعد "كلوبازام" أحد الأدوية التي توجد عادة في مياه الصرف الصحي، وينتمي إلى مجموعة من الأدوية تُعرف بالبنزوديازيبينات التي تثبط الجهاز العصبي المركزي. يُستخدم الدواء للحد من نوبات الصرع، وعلاج القلق قصير الأمد، واضطرابات النوم المرتبطة بالقلق.
قال الدكتور كريستوفر سي. كوديل، وهو أستاذ علوم الأسماك والحياة البرية في جامعة أيداهو بأمريكا إنه نظرًا لأن الشبكة العصبية في الأسماك تشبه تلك الموجودة لدى الثدييات، فإن الأسماك تكون عرضة بشدة لتأثيرات الأدوية التي تعدّل الكيمياء العصبية للبشر.
وقال كوديل، غير المشارك في البحث: "البشر يشاركون الأسماك في الكثير من البنية البيولوجية، حيث أن فسيولوجيا أجسامنا تتشابه بشكل ملحوظ. لذا، من المنطقي أن الأدوية النفسية تؤثر على سلوك كل من الأسماك والبشر".
وأظهرت الأبحاث السابقة أن أدوية البنزوديازيبينات قد تغير سلوك أسماك السلمون الأطلسي (Salmo salar)، لكن ذلك حدث في ظروف مختلفة عن تلك التي تمر بها أسماك السلمون البري، بحسب ما ذكره الدكتور ماركوس مايكلأنجيلي، وهو أحد مؤلفي الدراسة والأستاذ بكلية البيئة والعلوم بجامعة غريفيث بكوينزلاند، في أستراليا.
وأضاف مايكلأنجيلي: "تمت تلك الدراسات بشكل أساسي في بيئات مختبرية، وتم تتبع الحركة لمسافات قصيرة فقط، أدنى من 100 متر، أو تم استخدام تركيزات من الأدوية أعلى بكثير من تلك التي تواجهها أسماك السلمون عادة في البرية".
وأوضح ماكلأنجيلي: "لقد اتبعنا نهجًا مختلفًا في دراستنا، أي رحلة الهجرة من النهر إلى البحر لأسماك السلمون الصغيرة في إطار نظام نهري طبيعي، باستخدام تركيزات الأدوية التي تتناسب مع ما تتعرض له الأسماك في البيئة".
وتُبرز نتائج التحقيق الميداني المخاطر المتزايدة التي يشكلها تلوث الأدوية على تجمعات الحياة البرية حول العالم.
الاستمرار بالسباحة
في الدراسة الجديدة، أجرى العلماء تجارب على أكثر من 700 من أسماك السلمون الصغيرة، أو ما يُعرف بالسملوت، في المختبر والمياه.
واستخدم فريق البحث علامات تنقل الصوت لتتبع مئات من أسماك السملوت عن بُعد في عامي 2020 و2021، بينما كانت الأسماك تسبح في نهر دال، وسط السويد.
كانت أسماك السملوت المهاجرة تسبح في مجرى النهر إلى خزان مائي، ثم تتدفق عبر الشلالات، وتتخطى حاجزين مائيين قبل أن تصل أخيرًا إلى بحر البلطيق. وتستغرق الرحلة ما بين 10 و13 يومًا.

قال مايكلانجيلي إن "فئتين رئيسيتين من الأدوية، أي البنزوديازيبينات والأفيونيات، تتواجدان بشكل شائع في الأنهار والجداول حول العالم، ضمنًا السويد، حيث أُجريت دراستنا".
تضمنت التجارب زراعة غرسات في أسماك السملوت لإطلاق دواءين من هاتين الفئتين أي "كلوبازام" و"ترامادول". تلقت الأسماك "كلوبازام"، أو "ترامادول"، أو كليهما. كما تضمنت الدراسة مجموعة ضابطة من أسماك السملوت التي تلقت غرسات خالية من أي أدوية.
وأشار مايكلانجيلي إلى أنه "من المعروف أن هذين الدواءين يتفاعلان كيميائيًا عند تناولهما معًا لدى البشر، وغالبًا ما يتواجدان معًا في البيئة. وهذا جعلهما حالة اختبار جيدة لدراسة كيفية تأثير مزيج الأدوية على سلوك الحيوانات".
بالتوازي مع التجارب الميدانية، أجرى العلماء دراسة مختبرية على 256 من أسماك السملوت للتأكد من أن الغرسات عملت كما هو متوقع، وأن الأدوية كانت موجودة في أنسجة وأدمغة الأسماك.
عند تتبع الباحثين لأسماك السلمون المهاجرة بواسطة أجهزة الإرسال، اكتشفوا أن عدد أسماك السلمون التي تعرضت لجرعات من "كلوبازام" هي الأكثر من بين جميع الأسماك التي تم تتبعها، حيث وصلت إلى بحر البلطيق أسرع من أي أسماك أخرى.
بالمقارنة مع المجموعة الضابطة، وصل أكثر من ضعف عدد أسماك السلمون الذي تلقت غرسات "كلوبازام" إلى البحر.
وأظهرت التجارب المختبرية أن "كلوبازام" أثر على سلوك التجمّع، حيث تبقى أسماك السملوت قريبة من بعضها البعض للهرب من الحيوانات المفترسة.
لكن تحت تأثير "كلوبازام"، سبحت الأسماك بعيدًا عن بعضها البعض حتى عندما كانت المفترسات قريبة، ما يشير إلى أن الدواء قد يقلل من استجابات الخوف الطبيعية، وفرص التكاثر، والبقاء على قيد الحياة.
أقل خوفًا.. مزيد من المخاطر
قد تكون أسماك السلمون المتأثرة بالأدوية والمائلة للمخاطرة أكثر قدرة في الوصول إلى بحر البلطيق، لكن أقل احتمالًا للبقاء على قيد الحياة.
ستُوضح الدراسات المستقبلية كيف تؤثر التغيرات السلوكية الناتجة عن تلوث الأدوية على بقاء الكائنات على المدى الطويل وتكاثرها.
0 تعليق