دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تُعد الجيوب في ملابس النساء نادرة للغاية إلى درجة أنّها تجذب الانتباه عند توفّرها.
وارتدت المغنية الألبانية البريطانية دوا ليبا، خلال حفل "ميت غالا" بعام 2023 فستانًا قشدي اللون من دار "شانيل" مزوّدًا بجيوب وضعت فيها يداها بأناقة، ما أثار إعجاب رواد الإنترنت.

تبدو الجيوب العملية كميزة بديهية تتوفّر في الملابس الجاهزة، لكن الواقع بعيد عن ذلك تمامًا، فمن الشائع أن تكون الفساتين والتنانير من دون جيوب، وعند تواجدها في البناطيل والسترات، عادة ما تكون صغيرة أو مزيفة.
ويبدو الطلب كبيرًا على الجيوب، ويُطرح السؤال مرارًا وتكرارًا في المنتديات عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي: لماذا لا تمتلك النساء جيوبًا بقدر ما يفعل الرجال؟
يعتبر البعض أن ذلك تمييزًا قائمًا على الجنس، وهو كذلك بالفعل، بحسب ما ذكرته هانا كارلسون، وهي مُحاضِرة في مجال تصميم الأزياء في كلية "رود آيلاند" للتصميم بأمريكا، ومؤلفة كتاب " Pockets: An Intimate History of How We Keep Things Close".

منذ ظهور الجيوب في عالم الموضة، تم تزويد النساء بها "بطريقة مختلفة"، ما شكّل رمزًا لعدم المساواة بين الجنسين لمئات السنين.
وأوضحت كارلسون في مكالمة هاتفية مع CNN أنّ عدم وجود جيوب في ملابس النساء قد يبدو "محيرًا" كونها "تبدو كأداة بسيطة وعملية".
وأضافت: "أعتقد أنّ الأشياء تكشف عن الأمور التي لا نريد قولها بصوت عالٍ، إذ لا زلنا نعيش في ظل نظام أبوي، والأشياء (في حياتنا) تُصنع في ظل هذه الظروف".
"عاصفة مثالية"

أما الحقائب ذات الأربطة المُخيَّطة بسراويل الرجال في خمسينيات القرن الـ16، فتًعد من أقدم أشكال الجيوب. قبل ذلك، كان كل من الرجال والنساء يحملون أمتعتهم بشكلٍ منفصل.
لكن مع ابتكار ملابس متطورة تُفصَّل خصيصًا للرجال، أصبحت الجيوب تتمتع بحضور قوي.
لم يكن هذا هو الحال بالنسبة للنساء إلى حدٍ كبير، إذ واصلن استخدام حقائب تُعلَّق بالأحزمة كوسيلة لحمل الأغراض آنذاك.
عندما استخدمت بعض راكبات الخيل الفرنسيات والبريطانيات معاطف ركوب الخيل ذات الجيوب خلال القرن الـ18، أُطلق عليهن لقب "الأمازونيات"، نسبةً إلى المحاربات في الأساطير اليونانية، وتعرضن لانتقادات بسبب ملابسهن التي اعتُبِرت ذكورية.
ارتبطت الجيوب بروح المغامرة والمبادرة (ما جعلها ذكورية).
وأثارت مجموعة من الدلالات لدى الرجال الذين يحتفظون بأيديهم بداخلها، مثل النشاط الإجرامي، والانحراف الجنسي، والتمرّد، ما عززها كسمة ذكورية.
لكن في جوهر الأمر، كانت الجيوب تمثل شيئًا عمليًا، في حين كان من المفترض أن يكون لباس المرأة بغرض الزينة.
تبلورت هذه الأفكار خلال عصر التنوير، ما دفع الرجال أيضًا إلى التخلي عن أحذية الكعب العالي، والحلي المزخرفة، واعتماد أزياء أكثر اتساقًا.
وأشارت كارلسون إلى أن "موضة الرجال خضعت للتنظيم قبل قرن من موضة النساء".
بسبب غياب تقليد خاص بجيوب النساء، تم تجاهلها، وظهرت حقائب اليد كقطاع كامل مخصص لحمل مقتنيات النساء.
ووصفت كارلسون الأمر قائلةً إنّه ناجم عن "تداخل بين الظروف التاريخية، والصدف، والتمييز الجنسي، وكأنّها اجتمعت معًا لتشكّل هذه العاصفة المثالية".
العملية في وجه الأناقة
مع تطور أزياء النساء بالقرن الـ20 في جميع أنحاء الغرب بشكلٍ سمح لهنّ بالتخلي عن الملابس المقيِّدة للخصر، والتنانير الطويلة، واختيار مجموعة أوسع من التصاميم، أصبحت الجيوب أكثر شيوعًا.
سرّعت الحرب من هذه التغييرات، مع زيادة حاجة النساء إلى ملابس عملية مزوَّدة بالجيوب بسبب دخولهن سوق العمل وانخراطهنّ في الجيش.

في عام 1940، ابتكرت مصممة الأزياء الرائدة إلسا سكياباريلي سترة عشاء مطرزة بالذهب مزودة بجيوب أمامية "للنقود والمقتنيات المحمولة" لتحل محل حقيبة اليد.
مع ذلك، استمرت المعايير المزدوجة التمييزية فيما يتعلق بالجيوب بطرق سخيفة.
خلال الحرب العالمية الثانية، حملت 150 ألف متطوّعة في فيلق جيش النساء الأمريكي (WAC)، واللواتي خَدمن في أدوار غير قتالية، حقائب جلدية كجزء من زيّهن العسكري الرسمي الذي تزيّن بجيوب مزيفة.
بعد الحرب، وبفضل جهود الموجة الثانية من الحركة النسوية في الستينيات، أصبح ارتداء السراويل مقبولاً على نطاق واسع بين النساء، ولكن ظلّت أحجام الجيوب غير مواكبة للتغيير.
أظهرت دراسةٌ أجرتها مجلة "The Pudding" الثقافية الإلكترونية في عام 2018، قارنت فيها سراويل الـ"جينز" الضيقة والمستقيمة للرجال والنساء، تفاوتًا ملحوظًا في المقاسات، حيث تبيّن أنّ غالبية بناطيل النساء لا تستوعب حتى الهاتف، ولا يد الأشخاص الذين يرتدونها.

وقالت كارلسون إنّ صناعة الأزياء "تفترض أنّ النساء سيحملن حقائب اليد، لذا فهي لا ترغب في بذل جهد إضافي أو تحمّل التكاليف الإضافية".
ووجدت كارلسون أنّ الاعتقاد الراسخ بأنّ "الأناقة أهم من الجانب العملي" لا يزال مسيطرًا على صناعة الأزياء.
0 تعليق