استمرار العدوان على جنين وطولكرم.. تكتيك أمني أم إستراتيجية لفرض واقع جديد؟

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
جنين طولكرم الاحتلال الضفة

السبيل – خاص

في الوقت الذي تتصدر فيه مأساة غزة واجهة الاهتمام الدولي؛ يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرباً ميدانية يومية على مدن ومخيمات الضفة الغربية، وعلى رأسها جنين وطولكرم، حيث يدخل العدوان على المدينتين شهره الثالث وسط دمار واسع ونزوح متزايد، وغياب أي تحرك سياسي دولي جاد.

ولا يبدو هذا التصعيد معزولاً عن سياق سياسي أوسع، بل يكشف عن نية الاحتلال المبيتة لتغيير طبيعة الضفة الغربية، وتفكيك مراكز المقاومة فيها، وفرض وقائع ميدانية جديدة تمهّد لترتيبات سياسية على الأرض.

إستراتيجية التفريغ وتآكل “السلطة”

يبدو أن ما يجري في جنين وطولكرم يتجاوز مجرد الحملات الأمنية التي يروّج لها الاحتلال، ليدخل ضمن سياسة ممنهجة تستهدف تفريغ مراكز المقاومة من سكانها، وتحويل المخيمات إلى مناطق خاضعة بالكامل للهيمنة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يتقاطع مع رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف بشأن ضرورة “كيّ وعي” الضفة، وفصلها جغرافياً وديمغرافياً عن غزة، تحضيراً لأي مشاريع سياسية أحادية الجانب مستقبلاً.

ولا تحدث الاقتحامات اليومية وتدمير المنازل وعمليات التهجير القسري من فراغ، بل تأتي كترجمة لرؤية سياسية تعتمد على الحسم الميداني بدل أي مسار تفاوضي، في ظل حكومة يمينية تعتبر أن كل الأراضي المحتلة هي “ميدان سيادة”، ولا تعترف بأي حدود سياسية أو إنسانية في تعاملها مع الفلسطينيين.

واللافت أن الاحتلال لا يتعامل في جنين وطولكرم مع فصائل مسلحة فحسب، بل يتحدى عملياً الهياكل الإدارية والسياسية للسلطة الفلسطينية، التي بدت عاجزة تماماً عن حماية المدنيين أو حتى التواجد الفعلي في المناطق المستهدفة.

ويعكس هذا الواقع تآكل دور السلطة، وفقدانها للشرعية السياسية والشعبية، خاصة في ظل تنسيق أمني مستمر يُنظر إليه داخلياً على أنه غطاء ضمني للعدوان.

ووسط هذا الفراغ؛ تبدو الضفة مفتوحة أمام سيناريوهات خطيرة، سواء على صعيد تفكك السلطة، أو على صعيد تصاعد التوتر الشعبي، وتحول المدن الكبرى إلى ساحات مواجهات مستمرة، مع غياب أفق سياسي أو حماية دولية.

إقليم مضطرب وانتفاضة جديدة

ويتزامن التصعيد في الضفة الغربية مع حالة إقليمية مضطربة، حيث تتصاعد التوترات على عدة جبهات، فيما تعاني المنطقة من انشغال دولي بالحرب على غزة، والصراع الأمريكي – الإيراني، وصعود المحور المقاوم، وهو ما تستغله حكومة الاحتلال لتمرير أكبر قدر ممكن من سياساتها على الأرض، بأقل قدر من التدخل الدولي.

وفي هذا السياق؛ لا يمكن فصل العدوان على جنين وطولكرم عن الاستراتيجية الإسرائيلية الشاملة لتقويض أي مشروع وطني فلسطيني موحد، وتحطيم إمكانية استعادة الوحدة الجغرافية والسياسية بين الضفة وغزة، خاصة مع تزايد الضغوط على الاحتلال لوقف حربه في الجنوب.

وفي ظل انسداد الأفق السياسي، واستمرار العدوان، وغياب أي مشروع فلسطيني موحّد يواجه هذه السياسات؛ تبقى المخاوف قائمة من أن الاحتلال يسابق الزمن لفرض واقع لا رجعة فيه، يتجاوز فكرة تقويض المقاومة إلى إعادة صياغة الضفة الغربية أمنياً وديموغرافياً.

وإذا استمر هذا المسار دون تدخل إقليمي أو دولي حقيقي، فقد تشهد الضفة خلال الشهور المقبلة مزيداً من الانفجار، وربما انتقالاً من الاحتجاجات الموضعية إلى انتفاضة واسعة، تعيد خلط الأوراق من جديد، وتدفع الجميع – بمن فيهم الاحتلال – إلى مواجهة استحقاقات سياسية وأمنية لم يحسبوا لها حساباً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق