«الإخوان».. من قبل والآن

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ما نستفيد منه في قصّة الخلية الإخوانية التي تمّ القبض عليها في المملكة الأردنية الهاشمية، دروسٌ كثيرة على رأسها تبرز أهمية يقظة الاستخبارات الأمنية ووعي وثقافة العاملين في تلك الأجهزة ودراستهم للعقلية الحزبية التي تنطلق من منطلقات دينية.

إذ لولا المهنية العالية للاستخبارات الأردنية ويقظتها، ولولا أنهم أبقوا على مهامّهم نشطة وفعّالة دون أن يركنوا للتطمينات والضمانات والتأكيدات التي قدّمتها القيادات الإخوانية الأردنية للدولة، ولولا أنهم أبقوا واستمروا بالرصد والمتابعة، لما تمّ اكتشاف تلك الخلية الخطرة جداً على الأمن القومي الأردني والعربي كذلك.

فخطورة تلك الخلية تظهر من أنها لا تكمن فقط في طبيعة الأسلحة التي كانوا يعملون على تصنيعها وتجميعها وتخزينها، إذ كانت أسلحة قصيرة المدى، أي للاستخدام المحلي الداخلي الأردني فقط وكلكم «مفهومية»، إنما الخطورة من هذا الفكر الذي يظنّ أنه لصيق بالله وأنه سيف من سيوف الله في الأرض ومقتنع بقداسة فكره، هنا تكمن خطورته!!

الدرس الثاني هو التنبيه إلى طريقة عمل الجماعات والأحزاب الدينية، ومنها جماعات المرشدين -سواء المرشد الأعلى أو المرشد العام- من خلال عمل تلك الخلية الأردنية، فهو عمل يؤكد ما قلناه سابقاً أن تلك الجماعات تميل إلى الخمول والنوم والكُمُون إنما لا تموت، فتكمن فقط حين تُكتَشَف أيٌّ من خلاياها وتحرص على التبرؤ منها والابتعاد عنها، إنما الأمر لا يعدو أن يكون تقيةً وابتعاداً عن الضوء والعمل في الخفاء من جديد، مبرّرةً ذلك الكذب والخديعة أنه من أجل غاية سامية مقدسّة تجوز المحرمات.

الدرس الثالث أن الادعاء بانفصال الجماعات العربية أو الإسلامية بشكل عام عن بعضها بعضاً غير حقيقي، فالخلية الأردنية حصلت على تدريب من لبنان وتمويل من إخوان غير أردنيين، وهذا ما يؤكد أن التشبيك الدولي لتلك الجماعات مازال فاعلاً ونشطاً رغم النفي وتأكيد الانفصال.

الدرس الرابع أن الجماعات الدينية المختلفة فقهياً تتعاون مع بعضها «للضرورة وإن استدعت الحاجة» وإن اختلف المذهب، فيؤجَّل الخلاف المذهبي أمام وحدة الهدف المشترك وهو إسقاط النظام، ثم تحسم خلافاتها فيما بعد.

الأمر الخامس أن السرّية التامّة عنصر أساسي من عناصر العمل لتلك الجماعات لا يُمكن أن يُرصد عملها بعين العامة من الناس، بل يحتاج دوماً إلى نشاط استخباراتي قوي واختراقات قوية وطويلة النَفَس حتى يُمكن الثقة بها واستئمانها.

إذ حين رصدت الاستخبارات الأردنية تلك الخلية عام 2020 كان العمل جارياً قبلها بكثير، ولم تلتقطها العين الاستخباراتية إلا حين بدأت تتشابك خيوطها وتظهر للسطح وتبدأ التنفيذ، بمعنى أن أعضاء تلك الخلية وقياداتها الرئيسين بدؤوا بالعمل قبل 2020 فكانت الاجتماعات وتبادُل الأفكار والتخطيط والتهيئة والاستقطاب للكوادر عمليات تُجرى قبل 2020، أما خلال الخمس سنوات التالية فبدأ التنفيذ العملي أي تجميع القطع وتحضير الورش والتركيب والتصنيع، نحن نتحدث عن كُمُون غير مرئي للعامة من الناس لفترة تزيد عن السبع سنوات لم يكن فيها أيُّ أثر ظاهر أو مؤشر لما كان يدور في الغرف المظلمة.

النواب من تلك الخلية كانوا في البرلمان في مواقعهم يمارسون عملهم المعتاد ويناقشون التشريعات والقوانين الخاصة بالتعليم والأشغال والمرور.. إلخ في ذات الوقت الذي كانوا يجتمعون فيه لتدارس التدريب والتنفيذ. والناشطون الاجتماعيون كانوا يناقشون الأمور العامة في تواصلهم وإعلامهم. والكُتّاب يتناولون أي «ترند» يُثير اهتمام الناس.

والمهنيون منهم -كلٌّ في موقعه- لا يُظهِرون شيئاً لمن حولهم غير طبيعي وغير معتاد، كانوا يَبدون إخواناً في مظهرهم إنما موالون للدولة كما يدّعون وتخلّوا عن هدف الدولة الخلافية!

وهنا يأتي الدرس الأخير، أن رصد ومراقبة الكوادر الحزبية يحتاج إلى يقظة ووعي بالفكر نفسه ودراسته وتحليله، ويحتاج إلى تعاون تشبيكي مع أجهزة الأمن الوطني العربية الأخرى، فمثلما هناك تشبيك للجماعات يتجاوز حدود الدولة لابد أن يكون هناك تشبيك للقواعد البيانية بين أجهزة الأمن العربية.

سيظلون خطراً على الدولة إلى سنوات حتى تنجح الدول في غرس فكرة «الدولة الوطنية» في الجيل الحالي من الشباب، وذلك موضوع آخر له من الأهمية بما يوازي أمنها وسلامتها.

على الهامش:

لا علاقة لتلك الخلايا بمقاومة إسرائيل كما ترفع شعاراتها دوماً، بل هي جماعات تعمل على إسقاط الأنظمة العربية وقيام دولة الخلافة الدينية شيعية كانت أو سنية.

الملاحظة الثانية:

نُلعن وإياهم وإياكم الحكومة الإسرائيلية وإجرامها ووحشيتها وهمجيتها وعنجهيتها، ولا ندافع عنها حين نكشف عمل الجماعات السرّي، إنما نؤكد أن إسقاط الأنظمة العربية لا علاقة له بمقاومة إسرائيل وهو خطٌّ أحمر لن نسمح به، فلا يخلطوا لنا الأوراق.

الملاحظة الثالثة:

لا علاقة لتلك الخلايا بالمعارضة كعمل سياسي مشروع ومقبول، فالمعارضة تتعاكس مع عمل الحكومة لا مع قيام الدولة ونظامها ودستورها، فلا يخلطوا لنا الأوراق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق