"الاقتصاد التضامني" يتراجع بسبب الظروف الصعبة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- في الأردن، لم يكن الاقتصاد دائما مرتبطا بالحكومة والمؤسسات وما تصرفه من رواتب وما تقدمه البنوك من تسهيلات  مالية، إذ في كثير من الأوقات كان الناس هم اقتصاد بعضهم البعض، لكن هذا الاقتصاد الشعبي غير المعلن بدأ يخفت.اضافة اعلان
لفترة طويلة، مثلت ممارسات مثل "صندوق العيلة"، و"الجمعيات"، و"السلف العائلية"، عمودا فقريا لما يعرف بـ"الاقتصاد التضامني"  وهو مجموعة علاقات مالية غير رسمية، قائمة على التكافل والثقة.
لكن اليوم، في ظل تضخم الأسعار، وتآكل القدرة الشرائية، وانشغال كل أسرة بتأمين احتياجاتها الأساسية، تقلصت هذه الظواهر بشكل لافت، ما يقلص حضور الاقتصاد التضامني في المشهد المجتمعي والذي لا يقتصر على صندوق العائلة فقط، بل يشمل الجمعيات الدورية، تبادل الخدمات والسلع، السلف بين الأصدقاء والجيران، ومساهمات المناسبات الاجتماعية.
يقول الخمسيني أبو عدي "منذ سنوات طويلة لدينا في العائلة الممتدة التي تشمل الأعمام والأخوة وأحفادهم، صندوق عائلي يدفع شهريا كل من يتقاضى راتبا من أفراد العائلة الذكور، مبلغا بقيمة  عشرين دينارا، حيث يحق لأي فرد من العائلة عند حدوث ظرف طارئ أو مناسبة ما الحصول على المبلغ المجموع في الصندوق" 
ويضيف أبو عدي "خلال الأشهر الأخيرة بات الكثير يتخلف عن الالتزام بدفع المبلغ الشهري المتفق عليه عائليا، تحت تأثر الظروف المعيشية الصعبة، ما اضطر إلى خفض قيمة الالتزام الشهري إلى 10 دنانير". 
أما الأربعينية ناهد محمد، التي اعتادت منذ جائحة كورونا على المساهمة في شراء مجموعة من علب حليب الأطفال الرضع، لعدد من الأسر المعوزة في الحي الذي تقطنه في محافظة الزرقاء، لم تعد قادرة على الإيفاء بعادتها النبيلة هذه. 
تبين ناهد التي تعمل في القطاع الخاص، أن تزايد عدد الأسر التي تعبر عن حاجتها إلى المساعدة في تأمينها بحليب الأطفال الرضع  من جهة، وفي المقابل الارتفاع المتتالي لأسعار الحليب، جعلها غير قادرة على الاستمرار بهذه المبادرة، إذ تقتصر اليوم مساهمتها في مساعدة ثلاث أسر فقط، وبحصة شهرية واحدة. 
معلم المدرسة عمر هديب، يوضح انه هو وزملاؤه ينظمون منذ حوالي 5 سنوات جمعية دورية بشكل مستمر، حيث تكون عونا لهم في إنجاز بعض احتياجاتهم البسيطة لبيوتهم ، أو تجديد الأثاث المنزلي، أو تغطية تكاليف ترخيص مركباتهم.. الخ 
يلفت عمر أنه واجه صعوبة في تدشين جمعية دورية جديدة بداية العام الحالي، إذ امتنع كثير من زملائه عن الانخراط في "جمعية " نتيجة وضعهم الاقتصاد، حيث تراجع عدد المنخرطين من 12 شخصا إلى 5 فقط. 
ويقول عمر، عندما كنت استفسر عن سبب عدم تحمسهم لفكرة الجمعية، كانت الإجابة نابعة من سبب واحد وهو تراجع قدراتهم المالية وتزايد المتطلبات الحياتية لديهم، ما دفعهم إلى التوقف عن الإدخار المؤقت. 
"ما بقدر أساعدك" أصبحت سمعها من الكثير الجارات والمعارف التي كنت أستلف منهم بشكل مستمر وألتزم في سدادهم دائما، هذا ما تقوله أم علي.
وتضيف أم علي، بأن المعارف المقتدرين الذين كانت تلجأ إلى الاقتراض منهم وقت الحاجة، باتوا هم أيضا يشكون من تراجع قدراتهم المالية. 
بيانات الاقتراض والادخار لدى الأردنيين 
وحول حجم الاقتراض والادخار لدى الأردنيين، تشير أحدث البيانات المتعلقة بذلك والتي كشفت عنها  نتائج الدراسة المسحية للاشتمال المالي 2022 الصادرة عن البنك المركزي الأردني، تراجع مستويات ادخار الأردنيين "15 سنة فأكثر"، في الحسابات الرسمية من 9.35 % سجلت في عام 2017 إلى 4.35 % سجلت في عام 2022، كما بلغت نسبة الأردنيين "15 سنة فأكثر"، الذين شملتهم الدراسة، ادخروا المال بأي شكل من الأشكال في الأردن 14.7 % في عام 2022.
وفي ملف الاقتراض، أظهرت نتائج الدراسة أن معدلات الاقتراض في عام 2022 كانت مرتفعة بشكل عام مدفوعة بشكل أساسي بالاقتراض "غير الرسمي"، بحيث بلغت نسبة الأردنيين " 15 سنة فأكثر"، الذين اقترضوا بشكل غير رسمي في 2022 وبنسبة 39.3 %، مقابل 14.4 % اقترضوا من مصادر رسمية.
ويشار إلى أن معدلات الاقتراض غير الرسمية بلغت في عام 2017، 13.3 % من الأردنيين "15 سنة فأكثر" و9.9 % من الأردنيين "15 سنة فأكثر" رسميا.
وعزت النتائج الارتفاع الحاصل في مستويات الاقتراض لدى الأردنيين، في عام 2022 بشكل أساسي إلى لجوء الأسر إلى الاقتراض من الأصدقاء والأقارب، للتعويض عن انخفاض الدخل.
ويشار إلى أن آخر زيادة فعلية على رواتب موظفي القطاع العام، كانت في عهد حكومة عمر الرزاز عام 2019، وتراوحت وقتها قيمة الزيادة ما بين
 15-20 %، وكانت هذه الزيادة قبل أعوام المد التضخمي الذي تأثرت به الأردن بطريقة وأخرى أسوة ببقية دول العالم ، إذ ارتفع التضخم في الاردن في عام 2022 إلى حوالي 4.5 %، وسجل الرقم القياسي لأسعار التضخم  للأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام ارتفاعا بـنسبة 2.02 % مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.
وفي تعليقه على تقليص حضور ظواهر الاقتصاد التضامني في الأردن تحت تأثير الظروف المعيشية الصعبة للأسر، يؤكد استاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري، أن تراجع الإمكانات المالية للعائلات وتآكل الأجور وارتفاع الأسعار المستمر، من الطبيعي أن ينجم عنه تغيير في السلوكيات الاقتصادية لدى الأفراد والأسر، حيث يصبح سلوكهم أكثر ميلا إلى الحمائية المالية. 
وأوضح الحموري أنه من الطبيعي أيضا في ظل الوضع الاقتصادي السائد محليا، أن تنخفض نسب الادخارات والمساهمات التكافلية الأسرية، حيث أن الأهم الأبرز لدى العائلات حاليا هو توفير الاحتياجات الأساسية والتي باتت تستأثر بالحصة الكبرى من الدخل. 
وأشار الحموري أن الاقتصاد التضامني في الأردن، لسنوات طويلة وهو مترسخ في أوساط الأسر الممتدة والصغيرة، حيث يتم رصد مبلغ مالي معين شهريا، يتم صرفه عند الحاجة والمناسبات 
ودعا الحموري المجتمع إلى ضرورة المحافظة على هذا السلوك الاقتصادي التضامني حتى ولو بالنذر اليسير من المال، حيث إن المرحلة آنية تتطلب التكاتف الاجتماعي والتعاون، والتي تعد لبنة أساسية في استقرار المجتمعات اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا.
كما دعا الحموري الحكومة بضرورة إعادة النظر بالأجور وترتيب الظروف التي تتيح لها رفع الأجور، حيث هناك تآكل واضح في رواتب المواطنين وقدراتهم الشرائية والإنفاقية. 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق