
السبيل – خاص
لم تكن شائعات “الهجرة الآمنة” التي جرى تداولها مؤخراً على بعض منصات التواصل الاجتماعي حدثاً عابراً أو وليد الصدفة، بل جاءت ضمن سياق مدروس في الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
البيان الصادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع مساء الإثنين، أكد بوضوح أن ما يُروّج حول ترتيبات مزعومة للهجرة الجماعية عبر مطار “رامون”، هو جزء من “حملة خبيثة يقودها الاحتلال” بهدف زعزعة صمود الغزيين وضرب وعيهم الوطني.
ووفقاً للبيان؛ فإن الاحتلال يحاول تصوير “الهجرة” وكأنها طوق نجاة للفلسطينيين، فيما هي في الحقيقة طعنة في الظهر وخطوة على طريق التهجير القسري الناعم، بعدما فشل في فرضه بالقوة العسكرية. الحسابات التي تنشر هذه الدعاية تُدار إما من قبل جهات أمنية إسرائيلية، أو من شخصيات وهمية وأفراد مغرر بهم، لا يدركون أنهم يروّجون لوهم مشبوه يخدم أجندة الاحتلال.
ويدرك الاحتلال تماماً أن مقاومة غزة أفشلت كل مخططاته العسكرية والأمنية، وأن القصف والتجويع والحصار لم يُضعف التمسك بالأرض، فذهب إلى ما يعتبره “ثغرة وعي” ليُسوق الهجرة كخيار منطقي، بينما هي في الحقيقة استسلام مقنّع لتفريغ الوطن من شعبه وتسليم الأرض دون مقاومة.
أدوات جديدة وهدف قديم
لم يكتفِ الاحتلال بالحرب الجوية والبرية، بل فتح جبهة ثالثة لا تقل خطورة: الحرب على الوعي. وقد كشف بيان الحكومة في غزة عن جانب مهم من هذه الحرب، يتمثل في نشر أرقام هواتف مجهولة ومعلومات مضللة، تُستخدم كأدوات “تجنيد وتواصل أمني” تهدف لإسقاط الشباب الفلسطيني في مصيدة الاحتلال. وهنا يتحول الهاتف إلى أداة استهداف، والمنشور إلى فخ نفسي.
ومن خلال ما يشبه العمليات الأمنية الهادئة؛ يُروّج الاحتلال لأوراق توكيل قانوني مزيفة، ويزعم ترتيب “سفر قانوني”، وكل ذلك ضمن محاولة لشرعنة التهجير تحت غطاء إنساني.
إلا أن الحقيقة كما جاء في البيان، أن من غادروا مؤخراً هم فقط من المرضى والجرحى ممن تم تحويلهم للعلاج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مهاجرين بأي حال.
وبوجه مكشوف؛ يسعى الاحتلال عبر هذه الأدوات إلى الالتفاف على المقاومة والمجتمع الحاضن لها، ظنّاً منه أن الضغوط الحياتية يمكن أن تفكك تماسك الناس وتضعف انتماءهم. لكن، كما فشل في ساحة المعركة، سيفشل أيضاً في معركة الوعي، لأن المشروع الوطني في غزة لم يُبنَ على رفاهية، بل على عقيدة صلبة.
المقاومة تفضح الخداع وتثبت الوعي
وقوف الحكومة في غزة إلى جانب المقاومة الشعبية في فضح هذه الحملة الخبيثة هو جزء أصيل من معركة الصمود الشامل. البيان لم يكتفِ بالنفي، بل فضح الأساليب والغايات، ووجه تحذيراً واضحاً من الانجرار خلف الدعاية المسمومة التي تروّجها جهات مشبوهة، تُلبس مشروع الاحتلال ثوب الإنسانية الزائف.
موقف المقاومة واضح: الهجرة من الوطن في ظل الاحتلال ليست خلاصاً، بل استدراج نحو الفقد والخذلان، وكل من يروّج لهذا الطريق، عن قصد أو جهل، يشارك الاحتلال في مسعاه لاقتلاع الإنسان من أرضه، والرد الحقيقي على هذه الحملات هو التشبث بالجذور، مهما اشتدت العواصف.
اليقظة الشعبية مطلوبة، والتبليغ عن الجهات المشبوهة واجب وطني، تماماً كما أن التصدي للحرب العسكرية مسؤولية المقاومة المسلحة. فالاحتلال يحارب اليوم بأدوات ناعمة قد تكون أخطر من الصواريخ، لأنه يسعى لتفكيك المجتمع من الداخل، بينما المطلوب هو مزيد من التماسك، والانتباه، والثقة بأن معركة الوعي لا تقل أهمية عن معركة البندقية.
0 تعليق