تصرف غير محسوب أو كلمة تطيش من فم أحدنا لا يُلقي لها بالًا قد يُفهم منها ما يفيد الانتقاص أو التشكيك في الذمة أو الصحة، وربما تتسبب في إيذاء إنسان وجرح مشاعره.
في لحظة انتشاء أو غضب أو تهور نتخطى حاجز الممنوع ونعبر إلى منطقة الخصوصيات دون وعي، فنعيث فوضى عارمة في نفسيات من حولنا، فوضى يتعذر إسكاتها، ليس لأننا قصدنا الإساءة أو إيقاع الضرر، إنما لأننا فقدنا للحظة السيطرة على تصرفاتنا.
قلة هم من يدركون كيف يتعاملون مع الآخرين ويعرفون أن بينهم من يملك نفسية صلبة عصية على الخدش والتأثر، ومنهم من ابتلي بنفسية هشة ضعيفة قابلة للتصدع والكسر لأقل تصرف وإن كان عفويًا.
محدودون هم الأشخاص الذين يجيدون مهارة الحديث للآخر وقياس تأثير كل كلمة قبل أن تنطلق من لسانهم، فلا يقولون إلا خيرًا، وإذا تحدثوا بشروا وأشاعوا أجواء من الحب والسعادة، يدركون بحق قول النبي عليه الصلاة والسلام كما روى البخاري ومسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
ولأن مقالة اليوم تدور حول أثر تصرفاتنا التي قد تصدر دون وعي، يحضرني حديث الشاب الذي يتبوأ الآن منصبًا مرموقًا بإحدى الشركات الرائدة في مجال البناء والمقاولات، الذي يُجاهد ليُسقط من ذاكرته تهكم واستخفاف مُدرسه أيام الدراسة ونعته بـ«البغام»، وكيف كان ذلك سببًا في كراهيته للتعلم وخروجه من مقاعد الدراسة.
هناك أيضًا المعلمة التي تميز بين طالباتها عندما تحيط الجميلات والذكيات منهن بالاهتمام، مُزدرية بصورة مباشرة أخريات كن أقل حظًا من الجمال والذكاء، وكيف تركت تصرفاتها تلك عُقدًا ما برئت منها نفسيات بعضهن، وهن اليوم أمهات وقد مر على الحدث أكثر من عشرين عامًا.
سؤال بريء سأله أحدهم لقريب له دون أدنى نية في الإساءة: تبدو ضعيفًا.. هل أنت مصاب بالسكري؟ كلمات قليلة كانت كفيلة في دخول الرجل دوامة من الشكوك لن تنتهي حول صحته، بدأت بإجراء الفحوصات المتوالية التي لا ضرورة لها، ولم تنتهِ بسقوطه في عالم الوساوس المظلم الذي كان يمكن عدم دفعه إليه بالتحلي باللباقة وتوقع أن تقبُل الناس لما يقال لهم ليس واحدًا، وأن بينهم من هو شديد الحساسية لا يحتمل أقل إيذاء.
النقطة الأخيرة..
نلتقي بعضهم فلا يكاد يتكلم، إنما يرسل ابتسامة صادقة تخرج من بين حناياه، فترسو بين جوانحنا، لتشكل كل أحاديث وحكايات العالم عن الإيجابية والتفاؤل وحب الحياة.
عُمر العبري كاتب عُماني
0 تعليق