من الفلست إلى الفلسطينيين: أرض لا تقبل الغزاة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، استقر شعب الفلست في جنوب الساحل الفلسطيني، في مدن مثل غزة وعسقلان وأشدود، بعد أن واجهوا مصيرهم كمهاجرين من بحر إيجة. لم يكونوا غزاة، بل أصبحوا جزءا من نسيج هذه الأرض، اختلطوا بالكنعانيين، عاشوا وتاجروا وتزاوجوا، وكان لهم كيان سياسي وحضاري معروف باسم «فلستيا». تلك الحقيقة التاريخية، المثبتة بالنصوص المصرية واللقى الأثرية، تُسقط رواية حديثة مغرضة تُحاول طمس وجود الإنسان الفلسطيني عبر قرون من الزمن.اضافة اعلان
لم تكن فلسطين يوماً «أرضا بلا شعب». هذا الادعاء الكاذب الذي تكرره آلة الاحتلال، ويدعمه الإعلام الغربي، هو أكبر عملية تزوير معرفي وتاريخي في العصر الحديث. من تل السكن في غزة إلى دير البلح، من جرار الفخار الكنعانية إلى معارك شعوب البحر، كل حجر في هذه الأرض يصرخ بالحقيقة: الفلسطينيون ليسوا طارئين، بل هم الامتداد الطبيعي لشعوب عاشت هنا، ونبتت جذورها في هذه التربة منذ آلاف السنين.
لكن المشروع الصهيوني، ومنذ ولادته الاستعمارية، ما انفك يبحث عن «رواية تاريخية» تبرر اغتصابه للأرض. وحين فشلت نظريات التنقيب عن «طبقات محروقة» تؤكد حروب العهد القديم، وحين عجزت التوراة عن منحه شرعية الأرض، اتجه إلى المختبرات الجينية! نعم، بلغ بهم الانحطاط أن يستخرجوا الحمض النووي من عظام دير البلح، ليقولوا إن الفلسطينيين «جاءوا من أوروبا».. وكأنهم بذلك يبررون لأنفسهم استقدام مستوطنين من بولندا وروسيا وكندا ليستوطنوا فلسطين في القرن العشرين!
أي عقل يقبل أن يُنزع شعب من أرضه بحجة أن أسلافه، قبل ثلاثة آلاف عام، «ربما» كانوا مهاجرين؟ وهل يوجد شعب في العالم لم يعرف الهجرات؟ لكنّ المشكلة ليست في جهل المحتل بالتاريخ، بل في إصراره على تزويره، خدمة لمشروع إحلالي دموي، لا يقبل الشريك، ولا يعترف بالأصل.
غزة اليوم، وهي تُقصف وتُحاصر وتُجَوّع، ليست مدينة بلا ماضٍ. هي الامتداد الحي لذاك الكيان الفلستي القديم، الذي عرف التجارة، والعمارة، والسياسة، قبل أن يُكتشف الذهب في أوروبا. غزة ليست مجرد جغرافيا محاصَرة، بل شهادة حيّة على حضارة يحاول العدو محوها بالبارود.
والفلسطيني، الذي يزرع الزيتون ويحمل مفتاح بيته المهدوم، لا يحتاج إلى شهادة من علم الوراثة ليؤكد انتماءه. هويته محفورة في حجارة القرى، في أسماء الينابيع، في زغاريد العودة، في عظام الشهداء.
الاحتلال قد يهدم بيوتا، لكنّه لا يستطيع أن يهدم سردية تاريخية عمرها آلاف السنين. كل طائرة تقصف غزة، وكل مستوطن يُجلب من وراء البحار، وكل خطاب تبريري «لاهوتي» يلفق رواية مزيفة، يفضح أكثر فأكثر زيف المشروع الاستعماري الذي لا مستقبل له على أرض ترفض الغزاة.
هذه ليست معركة حدود، بل معركة سرديات. والحق لا يحتاج إلى إثبات.. يكفي أنه لم يغادر أرضه يوماً.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق