نعم للقرار السيادي للدولة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

في خضم التحديات الإقليمية والدولية التي تعصف بالمنطقة، تبرز أهمية الحفاظ على وحدة القرار الوطني الأردني، وضرورة صون هيبة الدولة ومرجعيتها في إدارة الشأن العام. لا يجوز، بأي حال من الأحوال، أن تختطف جماعة أو فئة القرار السيادي للدولة، أو أن تنفرد بتحديد مسارات العمل الوطني وفق مصالح حزبية أو أيديولوجية ضيقة، تتجاوز الإجماع الوطني، وتتنافى مع مبادئ الدستور الأردني وروح العقد الاجتماعي الذي ارتضاه الأردنيون.اضافة اعلان
وفي هذا السياق، تكشف محاولات بعض الأجنحة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين تصنيع طائرات مسيّرة وصواريخ بدائية ومتفجرات محلية الصنع، عن توجه خطير لتشكيل قوة موازية خارج إطار الدولة، وهو أمر مرفوض ويمثل خرقًا للقانون وتهديدًا مباشرًا للأمن الوطني ويجب مواجهته بكل حزم.
لقد أثبتت التجربة أن تماسك الدولة ومؤسساتها هو صمام الأمان الحقيقي للاستقرار السياسي والأمن المجتمعي، وأن الخروج عن هذا الإطار لا يجلب إلا الفوضى ويهدد أمن المواطنين ومستقبل الأجيال القادمة. ومن هنا، فإن أي محاولة لاستخدام العنف، سواء كان ماديا أو معنويا، خارج نطاق الدولة وأجهزتها الرسمية، يشكل تعديا سافرا على سلطة القانون، ويمثل تهديدا مباشرا لأسس الدولة المدنية الحديثة.
إن الدولة الأردنية، بقيادتها الهاشمية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية، هي الجهة الوحيدة المخولة قانونا ودستوريا باستخدام القوة عند الضرورة، في إطار سيادة القانون وحماية المصالح العليا للوطن والمواطن. أي لجوء إلى العنف من قبل جهات غير رسمية، تحت أي ذريعة كانت، هو تجاوز خطير لا يمكن القبول به، بل ويجب التصدي له بكل حزم، لأنه يقوض مبدأ احتكار الدولة للقوة، ويكرس منطق الفوضى.
من المؤسف أن نرى بعض الجهات تحاول توريط الدولة في صراعات مع أطراف خارجية أو في حسابات لا تخدم سوى أجندات ضيقة لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية العليا، ولا تخدم القضية الفلسطينية التي نؤمن جميعا بعدالتها. إن الأردن، بقيادته وشعبه، لم ولن يتوانى يوما عن دعم الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لنيل حقوقه الكاملة، ولكن هذا الدعم يجب أن يكون ضمن إطار واضح تحكمه الحكمة والدبلوماسية والسياسات الرسمية للدولة، لا أن يكون مطية لقوى سياسية تسعى إلى تصفية حساباتها على حساب أمن واستقرار الوطن.
إن محاولة بعض الفئات فرض رؤاها بالقوة، أو بث خطاب التحريض والتخوين، هو انتهاك صارخ لحرية التعبير المسؤولة، ويقود إلى تفتيت النسيج الوطني وزرع بذور الشقاق بين مكونات المجتمع الأردني. كما أن الترويج لخطابات الكراهية والتهييج الجماهيري خارج إطار المؤسسات، يسهم في خلق مناخ غير صحي يُضعف من قدرة الدولة على التعامل مع التحديات الخارجية، ويشوش على الموقف الأردني الثابت والداعم للقضية الفلسطينية ضمن إطار الشرعية الدولية. إن مثل هذه الممارسات لا تُعبر عن موقف وطني مسؤول، بل تفتح الباب أمام الفوضى وتدفع نحو مسارات خطيرة تُهدد استقرار الدولة وتماسكها الداخلي.
يجب أن يُدرك الجميع أن الأردن ليس طرفا في صراعات المحاور، وأن استقلال قراره الوطني هو نتاج تضحيات جسام قدمها الأردنيون على مدى العقود. إن توريط الدولة في مواجهات مفتوحة مع أطراف إقليمية أو دولية ليس من مصلحة الأردن، ولا من مصلحة القضية الفلسطينية نفسها، بل يُعد مجازفة لا تحمد عقباها، وتضعف موقف الأردن التاريخي كراع لقضايا الحق والعدل في المحافل الدولية.
إن ما يحتاجه الأردن اليوم، في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة، هو تعزيز الجبهة الداخلية عبر التمسك بوحدة القرار الوطني واحترام المؤسسات الدستورية، باعتبارها ركائز الاستقرار والسيادة. إن فتح جبهات داخلية جانبية لا يخدم المصلحة الوطنية، بل يستنزف طاقات الدولة ويشتت جهودها عن مواجهة الأخطار الحقيقية التي تهدد أمنها ومصالحها العليا. أما القضية الفلسطينية، فتتطلب دعما سياسيا ودبلوماسيا وإنسانيا مستداما يعكس الالتزام التاريخي للأردن بها، بعيدا عن الشعارات الرنانة والمتاجرة بدماء الأبرياء. ويجب التأكيد أن قرار الحرب والسلم هو حصراً حق شرعي ودستوري للدولة، تمارسه عبر مؤسساتها الشرعية، حفاظاً على الأمن الوطني ومصالح الشعب العليا، دون مزايدات أو انفعالات آنية.
إن مسؤولية الدفاع عن الوطن لا تقتصر على المؤسسة الأمنية فقط، بل هي مسؤولية جماعية تشمل الإعلام والمثقفين والقيادات المجتمعية والأحزاب السياسية، وكل مواطن غيور على وطنه. ويقع على عاتق الجميع أن يقولوا بصوت واحد: لا لاختطاف القرار الوطني، لا للعنف، نعم للدولة ولشرعيتها، ونعم لدعم فلسطين بما يحفظ كرامة الأردن وسيادته.
تبقى قوة الأردن الحقيقية في وحدته الوطنية، والتفاف أبنائه حول القيادة الهاشمية الحكيمة، ودعمهم المطلق لأجهزته الأمنية ومؤسساته العسكرية التي تشكل درع الوطن الحصين وسياجه المنيع في وجه التحديات والمخاطر. فالأردن، القوي بتماسك مجتمعه، والعزيز بمؤسساته، والراسخ بوحدة مكوناته، يظل فاعلاً بإرادته الحرة والمستقلة، قادراً على الدفاع عن مصالحه العليا بحكمة وثبات. 
إن دعم القضية الفلسطينية ينبع من إيمان الأردن العميق بعدالة هذه القضية، ومن دوره التاريخي في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، لكن دون أن يكون ذلك على حساب أمنه أو استقراره، ودون الانجرار إلى مغامرات غير محسوبة تهدد وحدته أو تفتح ثغرات لأعدائه. فليكن صوت الدولة، بكل مؤسساتها الشرعية، هو الصوت الأعلى في رسم السياسات واتخاذ المواقف، ولتبق راية الوطن مرفوعة فوق كل الرايات، رمزا للعزة والسيادة والكرامة، ولتبقَ وحدتنا الوطنية هي الحصن الذي لا يُكسر.

*استاذ الدراسات الإستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق