
حازم عيّاد
لم تفوض مصر دونالد ترامب والجيش الأميركي وقيادته المركزية بقيادة مايكل كوريلا الدفاع عن قناة السويس أو حمايتها من تهديدات لا صلة لمصر بها كونها موجهة نحو الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس إبادة جماعية في قطاع غزة وتطهيرًا عرقيًا في الضفة الغربية.
كما لم يسبق أن صدر من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن قرار يفوض أميركا بفرض الحماية على البحر الأحمر وقناة السويس، ولم يُطلب من أميركا أو دول فعل ذلك بالنيابة عن دول المنطقة التي رفضت الانضمام للعملية العسكرية الأميركية التي انسحبت منها بريطانيا مؤخرًا، ما يجعل من مطالب ترامب إعفاء قطعه البحرية والسفن التجارية الأميركية من رسوم العبور هراءً لا قيمة قانونية أو سياسية له.
هنا يُطرح السؤال عن مدى واقعية مطالب ترامب، فما هي دوافعه وما هي غاياته من هذه التصريحات والتوجيهات التي أوعز بها لوزير خارجيته، ماركو روبيو، عبر موقع التواصل الاجتماعي (تروث سوشيال) لضمان تنفيذ قراره وإيصال رسائل رسمية لجمهورية مصر العربية ودولة بنما التي طالبها ترامب أيضًا بإعفاء أسطوله العسكري والتجاري من رسوم العبور.
هناك مساحات أتاحت للرئيس الأميركي ترامب الجمع بين قناة بنما الرابطة بين المحيط الأطلسي والهادي، وقناة السويس التي تربط بين البحر الأحمر والمتوسط، ففي الحالتين تعد الصين العنصر المشترك بينهما، فالصين أكبر مستثمر في كل من بنما ومصر، بحجم استثمارات يبلغ 9 مليارات دولار في مصر، كان أبرزها ما أُعلن عنه في عام 2023 باستثمار 3 مليارات دولار في ميناء السويس، في حين بلغ التبادل التجاري بين البلدين 17.4 مليار دولار بمعدل نمو 10% خلال العام الفائت 2024.
رغم أن الموقف الأميركي من قناة بنما كان سابقًا للموقف من قناة السويس بأشهر، إلا أن إطلاق مصر والصين مناورات جوية مشتركة الأسبوع الفائت مثل حافزًا قويًا لترامب ليرفع عقيرته بالشكوى بضرورة مراعاة المصالح والنفوذ الأميركي الذي يخوض حربًا وجودية في البحر الأحمر، في حين يتنقل الأسطول التجاري الصيني والعسكري بكل أريحية في البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي والمحيط الهندي.
التوقيت يعكس حالة الانسداد التي تعاني منها الحملة العسكرية الأميركية في اليمن والبحر الأحمر، فبعد ما يقارب الشهرين لم تحقق أميركا أهدافها من الحملة وبقيت وحيدة تقارع طواحين الهواء في البحر الأحمر دفاعًا عن المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وهو عبء ترغب أميركا بنقله إلى دول المنطقة.
التصريحات الأميركية الاستفزازية لن تحقق شيئًا لإدارة دونالد ترامب ولن تساعده على حسم المعركة في البحر الأحمر، ولا يتوقع أن تُبعد مصر عن الصين أو روسيا التي تشرف على بناء المفاعل النووي المصري في الضبعة.
إنها استعراض آخر لدونالد ترامب يسعى من خلاله إلى ممارسة الضغوط على مصر ودول المنطقة للتعامل مع أزمة الاحتلال الذي لا زال عالقًا في حرب طويلة في قطاع غزة وأخرى أهلية صامتة داخل الكيان الإسرائيلي.
مصر لم تقدم ردًا على تصريحات دونالد ترامب ولعلها بانتظار الرسالة التي سينقلها ماركو روبيو وزير الخارجية، وهي تذكر برسائل هولاكو بعد تدمير بغداد وأرض الشام، وهي رسالة تتضمن مجموعة من المطالب أبرزها علاقة مصر بالصين وروسيا ودور مصر في الصراع الدائر في البحر الأحمر، والأهم الدور المصري المستقبلي في قطاع غزة ومسار الحرب والعدوان على الشعب الفلسطيني.
تبدو مصر بعد تصريحات ترامب أمام استحقاق أميركي يدفعها نحو إعادة التموضع تجاه الصين وروسيا، فضلًا عن الموقف من اليمن والعدوان الأميركي على قطاع غزة، فأميركا وإدارة ترامب الجشعة لا تعرف التوقف ولا تشبع من المطالبة بالمزيد، فهل ستعيد القاهرة التموضع دوليًا وإقليميًا، أم تستحضر موقف قطز قبيل معركة عين جالوت للرد على وزير خارجية أميركا ماركو روبيو، أم تكتفي بالصمت وتجاهل ما قيل على لسان ترامب ومستشار أمنه القومي مايك والتز؟ فمصر بالنهاية مطالبة بأن تفعل شيئًا من منظور ترامب.
0 تعليق