على رمال نفود الثويرات، تحت قبة سماء لا تعرف السكون، عاش رجل يشبه الأساطير.. بدويٌ نقشت السنون قسمات وجهه كما تنقش الرياح على كثبان الرمال. هو ملفي العريمة الحربي، الذي ودّع الأرض أمس بعد أن ناهز الـ100 عام، تاركاً خلفه قصة لا تشبه إلا الحكايات الكبرى.
أبو شرعان لم يكن رجلاً عادياً، بل كان حالة فريدة، كتبه الله شاهداً على الصحراء وراوياً لنجومها. بدويٌ صافٍ كالماء، حرٌ كهواء البوادي، رعى غنمه تحت سماء لا تعرف سقفاً إلا قبة الله، وسكن خيمته طيلة حياته، يأنس بالعزلة كما يأنس العارف بالسكينة.
لم يغادر قلبه مكانه يوماً.. لم يبدل الصحراء بمدينة، ولم يساوم القمر على حب النجوم. توافد عليه المهتمون بالطقس والفلك وتاريخ الدولة السعودية، يبحثون في كلماته عن حكمة الصحراء، ويقرأون في عينيه ما لا تقوله الكتب. كان راصداً للنجوم لا بالآلات، بل بالبصيرة والعين العاشقة، يدوّن حركتها على رمال الثويرات كما يدوّن العشاق رسائلهم على أطراف الأمل.
وحين تسأل عن سرّ عزلته الطويلة، عن حياته التي لم تعرف بيتاً ولا زوجة، تسمع قصة حبٍ دفينةٍ تشبه القصائد.. أحب امرأة ذات زمان، وتقدم لأهلها، لكنهم رفضوه.. لم يجادل، لم يصرخ، بل حمل حبه معه، واختار أن يبقى قريباً من المكان الذي جمعه بها يوماً، ليحرس الذكرى، ويرعى وجده مع نجوم الصحراء.
أخبار ذات صلة
عنه يقول الدكتور خالد الزعاق:
«عاش في الصحراء أكثر من 90 عاماً، ترددت عليه كثيراً في صباي لمعرفة النجوم وحسابها. كان رجلاً مؤدباً، خلوقاً، فاضلاً. تعلمت منه الأدب الجم، والكرم، وتقديم المعلومة بسخاء. كان إنساناً نقياً، كريم السجايا والخلق».
«أبو شرعان» ابن الرمل والضياء، كان يغفو تحت قباب السماء، واليوم يغفو تحت ثرى الأرض، نقياً كما كان، وفيّاً كما عاش، وعاشقاً لم يهدأ له وجدان.
0 تعليق