سيناريوهات مواجهة الضغوط الأميركية أردنيا

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها الساحة الدولية، وما يصاحبها من تغيرات إقليمية حادة في موازين القوى، يجد الأردن نفسه في مواجهة ضغوط أميركية متزايدة ومتعددة الأبعاد. هذه الضغوط ترتبط بمواقف المملكة السياسية تجاه قضايا جوهرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ورفضها للتنازلات التي تفرضها صفقة القرن، بالإضافة إلى تقاربها مع بعض القوى الإقليمية كالصين وإيران، وسعيها لبناء توازنات استراتيجية جديدة. اضافة اعلان
كما تشمل الضغوط ملفات اقتصادية، في هذا السياق، تطرح تساؤلات مصيرية حول خيارات الأردن في حماية سيادته ومصالحه دون التفريط باستقراره. وفي هذا المقال، نعرض ثلاث سيناريوهات رئيسية يمكن للأردن اعتمادها في مواجهة الضغوط الأميركية، مع بيان شروط تحقق كل سيناريو، وفرص نجاحه على أرض الواقع.
السيناريو الأول: الاستجابة المرنة (الاحتواء الذكي): يتمثل هذا السيناريو في اتباع سياسة توازن دقيقة تقوم على استيعاب المطالب الأمريكية في حدود لا تمس السيادة الأردنية أو الثوابت الوطنية، خاصة في القضايا المرتبطة بالقضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، مع العمل على كسب الوقت وإعادة ترتيب الأوراق داخلياً وإقليمياً.
شروط التحقق: وجود قيادة سياسية تمتلك رؤية استراتيجية طويلة الأمد. وتوفر أدوات دبلوماسية فعالة تتيح للأردن المناورة في علاقاته مع واشنطن دون التصعيد. ووجود دعم عربي (خاصة خليجي) يعوّض أي ضغوط اقتصادية قد تفرضها واشنطن. وتنسيق فعّال مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين كأطراف دولية موازنة للنفوذ الأميركي.
أما فرص التحقق فتُعد مرتفعة نسبياً، نظراً لما يتمتع به الأردن من خبرة تاريخية طويلة في إدارة علاقاته مع القوى الكبرى بأسلوب يعتمد على الحكمة والتدرج والتفاعل الهادئ بعيداً عن التصعيد. فقد اعتاد الأردن انتهاج سياسة النفس الطويل في التعامل مع الضغوط، مما منحه مصداقية دولية وقدرة على امتصاص الأزمات. كما أن الولايات المتحدة تدرك أهمية الأردن كحليف معتدل ومستقر في منطقة مضطربة، ولا ترغب في زعزعة هذا التوازن أو خسارته لصالح قوى منافسة.
السيناريو الثاني: التحوّل نحو التعددية الدولية (فك الارتباط النسبي بواشنطن): يقوم هذا السيناريو على تنويع الشراكات السياسية والاقتصادية والعسكرية خارج الدائرة الأميركية، عبر تعزيز التعاون مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، والانخراط في مشاريع إقليمية تعزز الاستقلالية الاقتصادية والأمنية للأردن.
شروط التحقق: بناء شبكة علاقات متينة مع قوى دولية بديلة قادرة على توفير الدعم اللازم سياسيًا واقتصاديًا. وتوفر إرادة سياسية حازمة تُعيد صياغة توجهات الأردن الخارجية. وتجاوز العقبات المرتبطة بالمعونة الأمريكية التي يعتمد عليها الاقتصاد الأردني. وامتلاك قدرة أمنية واقتصادية للتعامل مع أي عقوبات أو مضايقات قد تفرضها واشنطن.
تتراوح فرص تحقق هذا السيناريو بين المتوسطة والضعيفة في المدى القصير، نظراً لاعتماد الأردن على المساعدات الأميركية التي تصل إلى أكثر من 1.4 مليار دولار سنوياً. غير أن هذه الفرص قد تزداد في المدى المتوسط والطويل إذا ما نجحت المملكة في تعزيز شراكاتها غير التقليدية وتحقيق اكتفاء نسبي في بعض القطاعات الحيوية مثل الطاقة والمياه.
السيناريو الثالث: المواجهة المباشرة (الرفض الصريح للضغوط): يتضمن هذا السيناريو رفض الأردن علناً لمطالب أميركية تعتبرها تجاوزاً لسيادته أو مساساً بمصالحه الوطنية، كالمطالبة بتوقيع اتفاقيات أمنية مرفوضة شعبياً، أو اتخاذ مواقف سياسية تتعارض مع ثوابته تجاه القضية الفلسطينية. ويمكن أن يتخذ هذا الرفض أشكالاً سياسية أو إعلامية أو حتى قانونية.
شروط التحقق: تعبئة داخلية قوية وشعبية داعمة للموقف الرسمي. وقدرة الحكومة على تحمّل تبعات اقتصادية محتملة، خاصة تقليص أو وقف المساعدات. وجود بدائل جاهزة لتأمين الاحتياجات الحيوية للدولة. وإدراك واضح لمحدودية القوة الأميركية في فرض تغيير سلوك الدول المستقرة داخلياً.
وفرص تحقق هذا السيناريو ضئيلة نسبياً في الوقت الراهن، لكنّه قد يُستخدم كورقة ضغط مؤقتة، خاصة إذا تراكمت الضغوط الأميركية على نحو يهدد الثوابت الوطنية. ومن المرجح أن يُستخدم هذا السيناريو بالتوازي مع السيناريو الأول كوسيلة تفاوضية، وليس كخيار استراتيجي دائم.
رغم قوة التأثير الأميركي على الأردن، والمتمثلة في المساعدات الاقتصادية والعلاقات الأمنية والعسكرية الوثيقة، إلا أن المملكة تمتلك أدوات فعّالة للمناورة السياسية والدبلوماسية تُمكنها من التعامل مع هذه الضغوط بطريقة تحفظ سيادتها ومصالحها الوطنية. وتتمثل هذه الأدوات في الخبرة السياسية المتراكمة، والدور الإقليمي المتوازن الذي يلعبه الأردن، بالإضافة إلى شبكة علاقات إقليمية ودولية مرنة.
 ويُعد السيناريو الأول، أي «الاستجابة المرنة»، الخيار الأكثر واقعية وملاءمة للظرف السياسي الراهن، لأنه يمنح الأردن هامشاً للتحرك دون الصدام المباشر مع واشنطن، مع الحفاظ على خطابه الوطني والمبادئ الأساسية في السياسة الخارجية.
 وفي الوقت ذاته، فإن تعزيز التوجه نحو السيناريو الثاني، المتعلق بتنويع الشراكات الدولية، يُعد ضرورة استراتيجية لضمان الاستقلالية التدريجية على المدى البعيد. 
أما السيناريو الثالث، المتعلق بالمواجهة المباشرة، فيجب أن يبقى خياراً احتياطياً لا يُلجأ إليه إلا إذا تجاوزت الضغوط الأميركية الخطوط الحمراء وتعرضت المصالح الوطنية الجوهرية للخطر.
إن نجاح الأردن في إدارة علاقته بالولايات المتحدة يعتمد على مزيج من الرؤية الاستراتيجية، والتماسك الداخلي، والانفتاح الإقليمي والدولي، بما يعزز سيادته ويحمي مصالحه دون خسارة حلفائه التقليديين أو التفريط في مبادئه.
*أستاذ الدراسات الإستراتيجية بحامعة الحسين بن طلال
 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق