توفيق السباعي
تُشكّل زيارة الوفد الرسميّ من مملكة البحرين برئاسة معالي الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة، وزير الماليّة والاقتصاد الوطنيّ، إلى الجمهوريّة الإيطاليّة خطوة استراتيجيّة تعكس توجّهات المملكة نحو تعميق العلاقات الاقتصاديّة مع شركائها الدوليّين، وتحديداً مع دولة بحجم وثقل إيطاليا في المشهد الاقتصاديّ الأوروبيّ والعالميّ. وتأتي هذه الزيارة في سياق رؤية اقتصاديّة واضحة تهدف إلى تعزيز موقع مملكة البحرين كمركز إقليميّ جاذب للاستثمار من خلال التعريف بالمزايا التنافسيّة للمملكة والفرص الاستثماريّة الواعدة في مختلف القطاعات الحيويّة.
الوفد البحرينيّ، الّذي يضمّ نخبة من المسؤولين وصنّاع القرار في القطاعين العام والخاص، يُجسّد نهجاً حكوميّاً متكاملاً في ترويج بيئة الاستثمار في المملكة، ويعكس التزامًا رفيع المستوى بتفعيل الشراكات الاقتصاديّة ذات القيمة المضافة. وقد شملت الزيارة – الممتدّة عبر مدن روما وبارما وميلان – سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع مسؤولين رفيعيّ المستوى في الحكومة الإيطاليّة وممثّلي القطاع الخاص؛ ما يعزّز من فرص تبادل الخبرات، واستكشاف آفاق التعاون في مجالات تمتاز فيها البحرين بموقع تنافسيّ قويّ، مثل الخدمات الماليّة، وتكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، والصناعة، والخدمات اللوجستيّة، والسياحة.
وتكتسب هذه الزيارة أهمّيّة خاصّة في ضوء التوجّهات الاقتصاديّة لمملكة البحرين الرامية إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستدامة الماليّة. فالفرص الاستثماريّة الّتي تقدّمها المملكة ليست فقط ناتجة عن تطوّر بنيتها التشريعيّة والبنية التحتيّة الرقميّة المتقدّمة؛ بل تنبع أيضاً من استقرارها السياسيّ والاقتصاديّ، وتكاملها الإقليميّ مع أسواق الخليج العربي والأسواق العالميّة.
لقاءات معالي وزير الماليّة والاقتصاد الوطني مع كبار المسؤولين الإيطاليّين، مثل وزير الاقتصاد والماليّة جيانكارلو جيورجيتي، ووزير الشركات و«صنع في إيطاليا» أدولفو أورسو، والرؤساء التنفيذيّين لوكالات استثمار وصناديق دعم المشاريع الإيطاليّة؛ تؤكّد التزام البحرين بتعزيز العلاقات الثنائيّة ليس فقط على مستوى الحكومات، بل من خلال شراكات فعليّة بين الشركات والقطاعات الإنتاجيّة. كما تعكس هذه اللقاءات بُعدًا أوسع من التعاون؛ يتجاوز التجارة والاستثمار ليشمل تبادل الخبرات في الابتكار والتصنيع ودعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة.
وتشير الأرقام إلى نموّ مستمرّ في العلاقات الاقتصاديّة بين البلدين، حيث بلغ حجم التبادل التجاريّ غير النفطيّ 775 مليون دولار أمريكيّ في عام 2024، وهو مؤشّر إيجابيّ يدفع باتّجاه توسيع مجالات التعاون. كما أنّ استضافة البحرين لعدد من الشركات الإيطاليّة، مثل «باريلا» و«ريسينغ فورس»، يؤكّد على قدرة المملكة على استقطاب استثمارات نوعيّة تعزّز من تكاملها الصناعيّ واللوجستيّ في المنطقة.
ومن اللافت في هذه الزيارة تركيز مملكة البحرين على خلق بيئة محفّزة للاستثمار تقوم على الشفافيّة، والتكلفة التنافسيّة، ودعم الابتكار، وهو ما تمّ تأكيده خلال اللقاءات مع مسؤولي وكالات الاستثمار والائتمان الإيطاليّة مثل «إنفيتاليا»، و«ساس»، و«CDP». ويعكس هذا التوجّه جهود المملكة لتوسيع قاعدة الاستثمارات النوعيّة الّتي تسهم في تعزيز النموّ الاقتصاديّ الشامل وخلق فرص العمل، لاسيّما للشباب البحرينيّ، ضمن رؤية البحرين الاقتصاديّة 2030.
ختاماً، فإنّ زيارة الوفد البحرينيّ إلى إيطاليا -والّتي تأتي ضمن سلسلة من الخطوات المدروسة لتعزيز الموقع الاستراتيجيّ للمملكة على خارطة الاقتصاد العالميّ- تُمثّل محطّة استراتيجيّة مهمّة في مسار التحوّل الاقتصاديّ الوطنيّ، وتساهم في ترسيخ مكانة المملكة كمركز اقتصاديّ متقدّم وموثوق في المنطقة. إنّ مواصلة مثل هذه الزيارات واللقاءات رفيعة المستوى من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصاديّ متعدّد الأطراف، وتُرسّخ أسس التنمية المستدامة المستندة إلى شراكات استراتيجيّة ذات آفاق طويلة المدى، بما يسهم في تعزيز النموّ الاقتصاديّ الشامل وازدهار بيئة الأعمال بالمملكة.
0 تعليق