تتباين حظوظ الشركات التكنولوجية الكبرى في مشهد الأعمال سريع التغير، حيث يُغذّي الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي النمو في مجالات الإعلانات السحابية، والرقمية، بينما تتلقى الإلكترونيات الاستهلاكية ضربة قوية نتيجة الحرب التجارية العالمية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
فقد أنقذ الذكاء الاصطناعي أرباح «مايكروسوفت» و«ألفابت»، الشركة الأم لـ«غوغل»، خلال الربع الأول من العام، مما منح المستثمرين الأمل في أن استثماراتهم الضخمة في هذه التكنولوجيا ستساعدهم على تجاوز تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية الشاملة، وفق «رويترز».
وفي المقابل، تباينت التوقعات بشكل لافت لدى الشركات الأكثر عرضة لتأثيرات تقليص ميزانيات المستهلكين، حيث حذرت شركات تصنيع الرقائق مثل «كوالكوم» و«سامسونغ إلكترونيكس» و«إنتل» من أن حالة عدم اليقين الاقتصادي الناجمة عن محاولات ترمب لإعادة تنظيم التجارة العالمية تؤثر سلباً على أعمالها.
ويُبرز هذا التباين كيفية تمكن الشركات التي تركز على المؤسسات من الثبات في وجه التوترات الاقتصادية، بينما يعاني الطلب على الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، والشرائح التي تشغّلها بسبب تراجع إنفاق المستهلكين.
وقد يُنذر هذا بتحديات لشركة «أبل»، التي تصنّع 90 في المائة من منتجاتها في الصين، وتحقق نحو نصف إيراداتها من مبيعات هواتف «آيفون». كما قد تتأثر أعمال التجارة الإلكترونية لشركة «أمازون»، رغم أن قسم الحوسبة السحابية، الذي يمثل الجزء الأكبر من أرباحها، من المتوقع أن يصمد على غرار «مايكروسوفت»، و«غوغل».
وقال جيل لوريا، المحلل في شركة «دي إيه ديفيدسون»: «لم تتأثر أعمال (غوغل) و(مايكروسوفت) حتى الآن، لأنهما لا تعملان في القطاع الاستهلاكي. مع دخولنا في مجال (أبل) و(أمازون)، قد يتغير الوضع قليلاً».
وأضاف: «ستتأثر (أبل)، ولا يوجد الكثير مما يمكنها فعله لتجنب تأثير الرسوم الجمركية. أما (أمازون)، فتعاني من اضطراب أكبر في قطاع التجزئة، نظراً لأن العديد من تجارها في الصين».
ورغم أن إدارة ترمب استثنت الإلكترونيات من الرسوم الجمركية حتى الآن، فإن واشنطن لمحت إلى إمكانية فرض بعض الرسوم في الأسابيع المقبلة. وذكرت «رويترز» أن شركة «أبل» تسعى لتخفيف آثار الرسوم الجمركية عبر نقل إنتاج هواتف (آيفون) الموجهة إلى الولايات المتحدة إلى الهند، إلا أنها قد تبقي على زيادات الأسعار عند الحد الأدنى لتجنب فقدان حصتها السوقية، وستضطر لتحمّل أي تكاليف إضافية.
وأضافت «رويترز» أن بعض تجار الطرف الثالث على «أمازون»، الذين يبيعون سلعاً صينية الصنع خلال فعاليات التسوق الكبرى في يوليو (تموز)، يخططون للتوقف عن العمل هذا العام لحماية هوامش الربح.
الإنفاق على الذكاء الاصطناعي يحقق نتائج ملموسة
اتخذت
«سامسونغ»، التي تصنّع الهواتف الذكية والرقائق المستخدمة فيها، موقفاً أكثر حذراً، قائلةً: «إن حالة عدم اليقين بشأن الطلب تتزايد في النصف الثاني من العام نتيجة للتغييرات الأخيرة في سياسات الرسوم الجمركية لدى الدول الكبرى».
وتوقعت شركة «كوالكوم»، مصممة شرائح الهواتف الجوالة، يوم الأربعاء أن تكون إيرادات الربع الثالث أقل من التقديرات، بسبب تأثير الرسوم الجمركية، مع العلم بأن «أبل» هي أكبر عملاء «كوالكوم».
في الجهة الأخرى، أعلنت «مايكروسوفت» يوم الأربعاء عن ارتفاع بنسبة 33 في المائة في إيرادات أعمالها السحابية عبر منصة «أزور»، متفوقة على التوقعات، وتوقعت تسارعاً في النمو. كما أعلنت شركة «ألفابت» الأسبوع الماضي عن زيادة بنسبة 8.5 في المائة في مبيعاتها الإعلانية، مدفوعة بدمج الذكاء الاصطناعي في بحث «غوغل»، مما جعلها أكثر جذباً للمعلنين.
وبدورها، فاقت شركة «ميتا» الشركة الأم لـ«فيسبوك»، توقعات الإيرادات يوم الأربعاء بفضل مبيعاتها الإعلانية القوية. وفي المقابل، صرحت شركة «سناب»، المنافسة الأصغر لـ«ميتا»، يوم الثلاثاء بأنها لن تُصدر توقعات ربع سنوية بسبب حالة عدم اليقين الاقتصادي، حيث يُفضل المعلنون المنصات الأكبر حجماً في الأوقات الصعبة.
وقفزت أسهم «مايكروسوفت» بأكثر من 8 في المائة في تداولات ما قبل السوق، بينما ارتفعت أسهم «ميتا» بنسبة 6.4 في المائة. في حين تراجعت أسهم «كوالكوم» بنسبة 5.4 في المائة، بينما ارتفعت أسهم موردي شرائح الذكاء الاصطناعي مثل «إنفيديا» و«أدفانسد مايكرو ديفايسز» و«برودكوم» بأكثر من 3 في المائة لكل منها.
وقالت آمي هود، المديرة المالية لشركة «مايكروسوفت» للمحللين: «خلال شهر أبريل (نيسان)، ظلت مؤشرات الطلب في جميع أعمالنا التجارية ثابتة، بما في ذلك في (لينكدإن) والألعاب، والبحث».
واعتبر بعض المحللين أن النتائج القوية لـ«مايكروسوفت» تُشير إلى أن المخاوف بشأن احتمالية أن تكون الشركات التكنولوجية قد أضافت سعة زائدة لمراكز البيانات لدعم الطلب على الذكاء الاصطناعي ربما كان مبالغاً فيها. وكانت «مايكروسوفت»، التي انخفضت أسهمها بنسبة 6 في المائة هذا العام، تحت ضغط بعد أن أفادت تقارير المحللين بأنها ألغت بعض عقود إيجار مراكز البيانات، وهو ما قد يشير إلى فائض في العرض.
ولكن يوم الأربعاء، أعلنت الشركة أن مساهمة الذكاء الاصطناعي في نمو «أزور» ارتفعت إلى 16 نقطة مئوية في الربع الثالث من مارس (آذار)، مقارنة بـ13 نقطة مئوية في الأشهر الثلاثة السابقة.
وقال محللون في «باركليز» في مذكرة: «يُظهر التحسن الكبير في مساهمة الذكاء الاصطناعي الإمكانات الكبيرة لهذه التكنولوجيا بمجرد توفر السعة الكافية».
وحذرت «مايكروسوفت»، التي تخطط لإنفاق 80 مليار دولار على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في السنة المالية الحالية، من أنها لا تزال تعاني من نقص في العرض، وهو ما يعكس تعليقات شركة «ألفابت».
وأضافت: «كنا نأمل في تحقيق التوازن (في سعة السحابة) بحلول نهاية الربع الرابع. لقد شهدنا بعض الزيادة في الطلب، كما رأيتم خلال الربع، لذلك سنواجه نقصاً طفيفاً وضيقاً مع نهاية العام، لكننا نشعر بالتفاؤل حيال ذلك».
0 تعليق