كيف تحولت الأساطير إلى وثيقة تاريخية في حارة الهواشم؟!

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بين أزقة وجدران حارة «الهواشم» بولاية أدم، تتنفس الحجارة قصصا غامضة ترويها للأجيال، كأنما الزمن توقف هنا ليحفظ ذاكرة مكان شهد قرونا من الحضارة والتحدي، هذه الحارة التي تتوشح ببهاء العمارة التقليدية وتتزين بأساطير الأجداد ما زالت تقف بشموخ كشاهد حي على عراقة تختزل مجد الإنسان والمكان معا.

يعتبر برج حارة الهواشم الشرقي «القلعة» الذي يتكون من طابقين أبرز معالم الحارة الدفاعية، وهو مبني بالحجارة والصاروج، وبه مزاغل وشرفات، ويبلغ ارتفاع البرج خمسة أمتار وقطره أربعة أمتار، وقد بني في قطر البرج لاحقا منزل ما زالت مرافقه واضحة.

أما برج حارة حصن الهواشم الغربي فقد تهدم، ووفق رواية الأهالي فإن موقعه في الجهة الشمالية الغربية من الحارة، حيث توجد أطلال قاعدته، وتشير الروايات إلى أن أحد مداخل الحارة الرئيسية كان يوجد فيه مسجد «الصبارة» التابع للحارة سابقا، والذي يتميز بعمارته ومحرابه الجصي الرائع، وعن مدرسة تعليم القرآن الكريم فهي محاذية لمسجد الحارة الذي أعيد بناؤه بالمواد الحديثة، ويكتنف بوابة الحارة الرئيسية «صباح» كانت له عقوده المدببة مسقوفة بجذوع وسعف النخيل. ويفتح المدخل على سكة تحيط بالحارة وتتفرع منها أزقة فرعية صغيرة، من خلال بعض المقاطع التي تكونت بفعل انهيار الغرف العلوية نلاحظ أن جدرانها متعددة الأرفف، كما أن أسقف الغرف مزخرفة بزخارف هندسية وكتابية.

بالرغم من تأثر الحارة بعوامل المناخ المختلفة وكذلك بعض أعمال التخريب المتمثلة في نزع الأبواب والنوافذ، بالإضافة إلى البناء بمواد حديثة، إلا أنها محتفظة بمحيطها العام ومرافقها المختلفة وهي بعيدة عن تأثير الزحف العمراني، وتعكس بعمارتها المميزة وشكلها المستدير نمط بناء حارات الواحات.

ويضيف راشد بن محمد الهاشمي من سكان الحارة عن عمر الحارة بقوله: «يبلغ عمر الحارة المميزة باستدارتها أكثر من 300 عام، وربما تصل إلى عهد الخلافة العباسية، وبدأت بالاندثار من الجوانب خاصة من جهة الشرق والشمال بعض من أجزاء الحارة وهي بحاجة للترميم بطريقة عاجلة».

تحكي الأساطير الشعبية عن «حارة حصن الهواشم» قصصًا غريبة ومثيرة يتناقلها الأهالي جيلًا بعد جيل، ومن أشهرها كما جاء على لسان المواطن حمود بن علي الهاشمي قصة المسافر الذي قدم إلى الحارة ليلا على ظهر راحلته، وفي طريقه ظهرت له عجوز وطلبت منه أن يركبها خلفه، فوافق وسار بها متبادلا معها الأحاديث دون أن يدرك حقيقتها في البداية، لكن مع طول الحديث وكثرة أسئلتها الغريبة؛ تنبه إلى أنها ليست بشريّة، بل جنية متقمّصة هيئة عجوز. ولما اقترب من بوابة الحارة، أشار إلى الحارس إشارة اعتادوا على فهمها بأنها تعني أن الراكب غير مرغوب فيه؛ فتح الحارس الباب بسرعة، وفي اللحظة الحاسمة وكز المسافر الجنية بكوعه بقوة، فتطايرت الجنية بعيدًا وسقطت، بينما دخل هو بالراحلة وأُغلق الباب خلفه بإحكام. اشتاطت الجنية غضبًا وضربت الباب بيدها، فترك ذلك أثرًا على الخشب ظلّ محفورًا، كما علق خاتمها في الباب، شاهدا على تلك الليلة الغريبة التي لا تزال تُروى حتى اليوم كواحدة من أغرب حكايات الحارة.

يحدثنا الوالد عبدالله بن علي الهاشمي، من سكان الحارة القدامى عن ملامح الحياة قديما وداخلها، حيث قال: «تتضمن الحارة 120 منزلا قائما و12 بئرا و4 مساجد: مسجد الحويرة والصبارة، والدروازة وكذلك مسجد محمد النعشي، وتوجد أماكن مخصصة لرعي الماشية في الطوية، وكذلك برج «الطوية» الذي تقام فيه الفنون الشعبية والمناسبات عند بوابة الصباح، كذلك يجلس أفراد القرية عند البوابة لعرض منتجاتهم المحلية ومشغولاتهم اليدوية وتبرز هناك مظاهر البيع والشراء بكثافة، وفي المساء تقفل الحارة ولا يسمح لأحد بالدخول إليها، وتفتح أبوابها صباحا، ومن مظاهر التكافل الاجتماعي بين سكان الحارة الترابط في الأفراح والأتراح وتعاون الأهالي بينهم في حال تهدم منزل أحدهم بإقامته بدون مقابل، أما في الأعياد فتقام كل الاحتفالات والفنون الشعبية على مدار اليوم رجالا ونساء بعد إقامة صلاة العيد ولقاء الأهالي ببعضهم والسلام بينهم، أما البوابة الخلفية فيجتمع فيها الأهالي عند حدوث أي مشكلة لحلها.

ويروي الوالد عبدالله قصة التبادل بين قبيلتي آل براشد في ولاية سناو وبني هاشم في ولاية أدم، بحدوث نزاعات بين قبائل المنطقتين وتمت المقايضة بينهم، وتبادل الغرفة بالغرفة، والمنزل بالمنزل، وحتى النخيل وأثر الفلج بينهم، بانتقال آل براشد إلى ولاية سناو، وبني هاشم إلى الحارة في ولاية أدم، وبقيت بعض الممتلكات العامة ملكا للبراشدة وتمت كتابتها وقفا لمسجد الصبارة، أما ممتلكات الهواشم في ولاية سناو فتمت كتابتها أيضا وقفا للمسجد، ويعتبر هذا الحدث الكبير نقطة تحول في تاريخ الحارة، بتغيير كامل في نمط حياة القبيلتين.

وصرح المواطن محمد عيد الهاشمي من سكان المنطقة ومهتم بشؤون الحارة، عن ترميم الحارة بقوله: «بعد مطالبات طويلة منذ سنوات بترميم حصن الهواشم، تم الحصول على الموافقة في عام 2024م من وزارة التراث والسياحة بترميم «الصباح» والباب والبرزة والمدرسة بالطراز المعماري القديم للمحافظة على هُوية وتراث الحارة، وبدأ بحمد من الله وتوفيقه بجهود القائمين من الأهالي والشباب مرحلة تلو الأخرى، وكذلك الدعم المقدم من الوزارة بتوفير مواد البناء وتقديم الاستشارات الهندسية والفنية، أما القائمون على الحارة فمهمتهم الإشراف وتوفير الأيدي العاملة ومتابعة الأعمال، وسيتم تطوير الحارة لتعطي الطابع الجمالي والممزوج بالطابع الاجتماعي والاقتصادي، وبعض البيوت التي لم تتأثر أبدا سيتم تنظيفها وترميمها واستغلالها اقتصاديا كنزل أو مقهى، ومن أفكار تطوير الحارة إنشاء مكتبة عريقة داخل الحارة، بحيث تكون صالونا للقراء لاسترجاع بعض ملامح الحارة بإذن الله تعالى، ولا ننسى الدعم والجهد من حكومتنا بقيادة السلطان هيثم المعظم - حفظه الله ورعاه - والدعم المقدم من وزارة التراث والسياحة، كذلك تم إرسال بعثات استكشافية للحارة، فحضر فريق من جامعة أكسفورد لدراسة تاريخ الحارة، وكيف بنيت بهذا الشكل الدائري المتفرد على مستوى السلطنة، وعلى هيكلها الحالي لا يوجد حصن أو حارة تحتفظ بمثل هذه الهيئة الجمالية إلى الآن.

ويضمن مخطط صيانة الحارة عدة بنود، من أبرزها: مشروع صيانة بوابة الحصن وبعض المرافق كمرحلة أولى، تليه صيانة مسجد حصن الهواشم وبناء مرافق تخدم الموقع وزوار الحارة، أيضا مشروع رصف الطريق المؤدي إلى الحصن، وإنشاء بوابة ذات طابع تراثي، وبناء الجدار السائد لتوسعة الساحة الأمامية للحصن، كذلك صيانة البرج، وتطوير جدران المزارع.

وعن موقع وتاريخ هذه الحارة العريقة، سنقتطف معلومات قيمة من كتاب «أدم عبر التاريخ»؛ الذي يروي عن حارات ولاية أدم وتاريخ أدم العريق عبر الأزمان، الذي يصدره المنتدى الأدبي، حيث ذكر الكتاب أن «حارة الهواشم» تقع بولاية أدم في جنوب شرق مركز ولاية أدم وغرب حارة بني شيبان، الحارة تأخذ شكلا شبه دائري ولها بوابتان: الأولى تقع جنوب شرق الحارة في منطقة «الحويرة»، أما الثانية -والتي تعتبر البوابة الرئيسية للحارة والمدخل الوحيد- فقد بنيت من الحجر والصاروج، أما الباب الخشبي وبالرغم من تآكل بعض أجزائه؛ إلا أن مصراعيه تبدو عليهما الرصانة والقوة، تعرض المدخل إلى التخريب وتهدمت بعض أجزائه، ومن خلال التاريخ المروي يتبين لنا وجود مدخل رئيسي آخر جهة الغرب أي الجهة المطلة على مسجد الصبارة، ولكن المدخل ألغي بعد انتقال قبيلة الهواشم إلى الحارة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق