أكد أطباء شاركوا مشاعرهم وفرحتهم حول نجاح أول عملية زراعة قلب في سلطنة عمان، نُفذت على يد فريق طبي وطني في المركز الوطني لطب وجراحة القلب بالمستشفى السلطاني، ليكون الإنجاز تجسيدًا لتطور الرعاية الصحية في سلطنة عمان. وهذا الإنجاز لا يقتصر كونه خطوة طبية فحسب، بل يفتح آمالًا جديدة للمرضى وأسرهم، ما يعكس قدرة الكفاءات الوطنية على تحقيق المعجزات الطبية وفتح آفاق جديدة في الرعاية الصحية والتوسع في البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء.
الدكتور نجيب بن زهران الرواحي، مدير المركز الوطني لطب وجراحة القلب بالمستشفى السلطاني، يقول: بصفتي مديرًا للمركز الوطني، فإن نجاح أول عملية لزراعة قلب في سلطنة عُمان، يُعد إنجازًا وطنيًا ولحظات من الفخر والاعتزاز، ويحمل آثارًا عميقة ومتعددة الجوانب.
ويشير الدكتور إلى أن هذا النجاح يمثل نقلة نوعية تاريخية في مسار الرعاية الصحية، ويوضح قائلًا: قفزة نوعية مهمة لمنظومة الرعاية الصحية، وتتويج لسنوات من العمل الدؤوب والتخطيط الاستراتيجي، مُظهرًا القدرات والخبرات المتقدمة للكفاءات الطبية الوطنية، ما يعلن عن عهد جديد من تقديم الرعاية القلبية المتقدمة ومعالجة الحالات القلبية المستعصية داخل السلطنة.
وأكد الدكتور على دور الإنجاز في بناء الثقة في الرعاية الصحية الوطنية، حيث إن الإنجاز الناجح لمثل هذا الإجراء الطبي المعقد بواسطة فريق عُماني بالكامل، يُسهم في تعزيز ثقة المجتمع في جودة الرعاية الطبية المتوفرة داخل سلطنة عمان، ويُقلل من حاجة المرضى إلى الاعتماد على العلاج القلبي المتقدم في الخارج.
ويمثل الإنجاز مصدر فخر وطني وإلهام، يؤكد التزام الحكومة بتطوير العلوم الطبية وتوفير أفضل رعاية ممكنة لمواطنيها، ويمكن أن يُلهم الأجيال القادمة من المهنيين الطبيين.
ويُضيف الرواحي: "إن إجراء أول عملية لزراعة قلب يستلزم وجود فريق طبي متعدد التخصصات عالي الكفاءة، وبنية أساسية متطورة، وبروتوكولات عمل راسخة، ويُعد الإنجاز الوطني شهادة واضحة على جاهزية الموارد والخبرات التي تم تطويرها ودمجها بنجاح داخل المركز الوطني لأمراض القلب."
ويأمل الدكتور أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء، وقال: نجاح العملية الأولى لزراعة القلب يمهد الطريق لتعزيز البرنامج الوطني الشامل للتبرع بالأعضاء وزراعتها، مما يمنح الأمل في نفوس العديد من المرضى الذين يعانون من فشل الأعضاء في مراحله النهائية وينتظرون فرصة للحياة.
-الاستثمار في الكفاءات الوطنية
أما على مستوى المركز الوطني لأمراض القلب، يرى الرواحي أن الإنجاز يعزز من مكانته كمؤسسة رائدة في مجال طب ورعاية القلب على الصعيدين الوطني والدولي. كما يعزز مكانة المركز كبؤرة للخبرات، جاذبًا الكفاءات الطبية الموهوبة والباحثين. كما سيرفع من ثقافة الابتكار والبحث العلمي داخل المركز، مشجعًا على تحقيق المزيد من التقدم في رعاية القلب وزراعته.
وأكد أن الطبيعة المعقدة لعملية زراعة القلب تتطلب تعاونًا قويًا بين مختلف التخصصات الطبية، مما يعزز العمل الجماعي والتواصل داخل المركز.
وعن الأثر الإيجابي على المستوى الشخصي لهذا الإنجاز، يختتم الدكتور حديثه: "هي لحظة فخر مهني، حيث إن مشاهدة تتويج سنوات من العمل الجاد والتخطيط والاستثمار في الكفاءات الوطنية بالنجاح في إجراء أول عملية لزراعة قلب، ستكون لحظة اعتزاز لا تُنسى، ما يؤكد على مواصلة التخطيط الاستراتيجي الناجح وبذل الجهد لتطوير قدرة وكفاءة الكوادر الوطنية وقدرة المركز الوطني للقلب.
يحمل هذا النجاح مسؤولية متزايدة لضمان استدامة وتنمية برنامج زراعة الأعضاء، ومعالجة الاعتبارات الأخلاقية، والتغلب على التحديات المستقبلية في التبرع بالأعضاء وزراعتها، كما أن قيادة الفريق الذي أجرى أول عملية لزراعة قلب يرسخ إرثًا في تاريخ الطب العُماني نعتز به ونورثه للأجيال القادمة."
- النبضة الأولى
أما الدكتور قاسم بن صالح العبري، استشاري جراحة القلب، فقد حقق حلمه بالانضمام إلى الفريق الطبي الذي أجرى أول عملية زراعة قلب في سلطنة عمان. وعن تلك اللحظة المفصلية، يقول: "حين اتُّخذ القرار، لم نتردد. قطعنا رحلة العمل في الولايات المتحدة واستقللنا الطائرة على عجل، بناءً على توجيهات معالي وزير الصحة. لم تكن رحلة عادية، ولم أحمل معي حقيبة سفر فقط، بل حملت شعورًا بالمسؤولية، ونبضًا من الأمل، ودعاءً صامتًا بأن أصل في الوقت المناسب."
ويُضيف: "امتدت الرحلة لما يقارب العشرين ساعة، عبر قارات وساعات متبدلة. كانت طويلة ومرهقة، مليئة بالتفكير والتأمل فيما ينتظرني هناك. لكن كل التعب تلاشى في اللحظة التي دخلت فيها غرفة العمليات، وسمعت النبضة الأولى لقلب جديد. لم تكن مجرد نبضة، بل إعلان عن حياة أُعيدت، وبداية مرحلة جديدة في تاريخ زراعة القلب، وفصل جديد في رعاية أمراض القلب في سلطنة عمان.
في تلك اللحظة، شعرنا وكأن الزمن توقف. أدركت أن كل ميل قطعته في تلك الرحلة للوصول إلى هنا اكتسب معنى مختلفًا. لم تكن العملية مجرد تدخل طبي وزراعة قلب، بل لحظة إنسانية خالصة، التقت فيها المعرفة والعلوم الطبية مع الروح، وبدأت فيها الحياة من جديد."
وعبّر العبري قائلًا: "هذا هو الدافع الذي يجعلنا نختار هذا الطريق، ونتدرب بلا كلل، ونتحدى الظروف والصعاب من أجل لحظات كهذه، حين تصبح النبضة الأولى عنوانًا لحياة كاملة.
في تلك النبضة الأولى، نسيت كل مشقة السفر... وتذكّرت لماذا اخترت أن أكون جراح قلب."
- قلبٌ لعُمان
وفي السياق ذاته، وصف الدكتور عارف البلوشي، استشاري أمراض قصور عضلة القلب وزراعة القلب، تفاصيل القصة الوطنية التي أطلق عليها "قلبٌ لعُمان... قصة أحمد والنَبضة التي لا تُنسى"، فيقول: في ليلة من ليالي أبريل، وبين جدران المستشفى السلطاني، كانت الحياة تُعاد صياغتها، لا فقط بمشرط الجراح، بل بقلوب صادقة، ودموع خوف ورجاء.
وأضاف: الشاب أحمد، لم يكن مجرد مريض يعاني من فشل القلب، بل كان يحمل قصة وطن، ووجع أسرة، بعد فقدان اثنين من إخوته. كانت الحياة قاسية، والوقت يمر بثقلٍ على أنفاس الجميع.
وتابع في حديثه: "منذ أن استقبلناه في سبتمبر ٢٠٢٤، كنتُ وزميلتي الدكتورة آمنة البوسعيدي نرافق أحمد في هذه الرحلة الطويلة الشاقة والمؤثرة. لم تكن آمنة زميلة فقط، بل شريكة في كل لحظة خوف وقرار صعب، نسعى لإعادة الثقة داخل قلب أحمد وعائلته.
كان هذا الملف مختلفًا. فالمخاوف كانت حقيقية، والقرار مصيري. أن تكون أول عملية زراعة قلب في سلطنة عُمان يعني أنك أمام مسؤولية تاريخية لا مجال فيها للتردد أو الخطأ.
وعائلة أحمد كانت ممزقة بين الحيرة والخوف، بين أملٍ ضعيف، وخوفٍ لا يُحتمل من المجهول. وأحمد كان صامتًا، متألمًا، لا يدري إن كان عليه المخاطرة أم انتظار الصبر.
ثم جاءت الفرصة، قلب سليم، مطابق، جاهز... وبدأنا، أنا وآمنة وبقية الفريق الطبي، العمل ليلًا ونهارًا، ليس فقط في الشرح والإقناع، بل في بناء جسر من الثقة. كنا نأتي ونغادر في ساعات متأخرة، ونُستدعى في أي لحظة.
- إعداد استثنائي
ويسرد الدكتور تفاصيل القصة: "في مساء ١٣ أبريل، بينما كنتُ في طريقي إلى المنزل، رنّ هاتفي. شقيق أحمد قالها بصوتٍ مرتجف: توكلنا على الله، دكتور. لم أتمالك نفسي، وتلك اللحظة ستبقى محفورة في ذاكرتي.
ما حدث بعد ذلك كان يُشبه المعجزة، لكنه كان نتيجة إعداد استثنائي وإيمان عظيم. وزير الصحة كان حاضرًا بروحه وقراراته منذ البداية، يتابع كل تفصيلة، ويشرف بنفسه، وأمضى الليالي داعمًا وموجهًا، لأنه لم يرَ في العملية مجرد إجراء طبي، بل اعتبرها قفزة وطنية يجب أن تنجح.
ولأن النجاح يحتاج إلى أبطال، تم استدعاء الدكتور قاسم العبري، والدكتور وليد البادي من تكساس، والدكتور كميت اللواتيا من ألمانيا، ليصلوا قبل ساعات من دخول أحمد غرفة العمليات، فوصلوا إلى أرض المطار في تمام الساعة الثانية صباحًا... قبل ساعات فقط من دخول أحمد إلى غرفة العمليات.
في صباح ١٤ أبريل، اجتمعنا جميعا: أطباء، ممرضون، تقنيون، إداريون، وقلوبنا ترتجف بالدعاء. كانت غرفة العمليات مسرحًا لصمت مهيب، كأن أرواح الجميع كانت متصلة بقلب أحمد الجديد، تنتظر أول نبضة.
عندما دقّ القلب الجديد داخل صدره، تغير كل شيء. دمعة على خد والدته، تنهيدة ارتياح من والده، وابتسامة مترددة من الفريق الطبي الذي لم يُظهر ضعفًا طوال الطريق، لكنه سمح لنفسه في تلك اللحظة بلحظة بشرية من الفرح الصادق.
وأكد الدكتور أن نجاح العملية لم يكن نهاية، بل بداية. بداية لثقة وطن بأبنائه. بداية لأملٍ جديد لكل مريض ينتظر. بداية لحكاية تُروى وتُخلّد، عن شابٍ اسمه أحمد، وعن وطنٍ لا يعرف المستحيل.
هذه القصة ليست عن طب، بل عن قلوب قررت أن تُقاتل لتُبقي قلبًا واحدًا نابضًا بالحياة. واليوم، قلب أحمد لا ينبض فقط بالحياة، بل ينبض باسم عُمان."
0 تعليق