تعد ظاهرة الاحتيال الرقمي من القضايا التي تشهد تزايدًا ملحوظًا في سلطنة عمان، مما يفرض الحاجة إلى التصدي لها بفعالية. وفي هذا السياق، حاورت «عمان» محمد بن سعيد الربيعي مهندس البرمجيات والمحاضر التوعوي في قضايا النصب والاحتيال، الذي تحدث عن الأساليب الحديثة التي يستخدمها المحتالون، بالإضافة إلى الطرق المثلى للحماية منها.
أكد المهندس محمد الربيعي، أن الاحتيال الرقمي يعد من أبرز التحديات التي تواجه المستخدمين في سلطنة عمان في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة قد انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
وفيما يتعلق بمفهوم الاحتيال الرقمي وفقاً للقوانين العمانية، أوضح الربيعي أن الاحتيال الرقمي يتمثل في استخدام وسائل إلكترونية أو رقمية مثل الإنترنت والهواتف الذكية بهدف الحصول على أموال أو معلومات من الضحايا بشكل غير قانوني. وأضاف أن هذا النوع من الجرائم يعد ضمن الجرائم الإلكترونية وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في سلطنة عمان. كما أشار إلى أن الفرق بين الاحتيال الرقمي والجرائم المالية الأخرى يكمن في أن الاحتيال الرقمي يعتمد بشكل أساسي على وسائل تكنولوجيا المعلومات، بينما قد تتم الجرائم المالية الأخرى باستخدام أساليب تقليدية مثل الاختلاس أو التزوير في الشركات.
الأنواع الشائعة
وعن الأنواع الشائعة للاحتيال الرقمي، ذكر المهندس محمد أن أبرز الأنواع تتضمن الرسائل الاحتيالية التي تدعي الفوز بجوائز، وروابط التصيّد، الاحتيال عبر الإعلانات الوهمية على وسائل التواصل، بالإضافة إلى الاحتيال المصرفي وانتحال شخصية موظف بنك. وأوضح الربيعي أن الفئات الأكثر عرضة لهذه الجرائم تشمل كبار السن، والمستخدمين الجدد للتقنية، وأحياناً الشباب الباحثين عن فرص عمل أو استثمار، مرجعاً السبب إلى قلة المعرفة بالأمن الرقمي.
الأساليب الحديثة
وتطرق المهندس الربيعي إلى الأساليب الحديثة التي يستخدمها المحتالون في الاحتيال الرقمي، حيث ذكر أن التقنيات المستخدمة تشمل التصيّد الاحتيالي "Phishing"، والهندسة الاجتماعية، والبرمجيات الضارة، بالإضافة إلى استغلال الثغرات الأمنية في الأجهزة والتطبيقات. وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت إحدى الأدوات الرئيسية للمحتالين، حيث يتم استخدامها للإعلانات الزائفة لمنتجات أو وظائف، وإنشاء حسابات تنتحل شخصية مؤثرين أو جهات رسمية. وأوضح الربيعي أن المكالمات الهاتفية لا تزال فعالة في الاحتيال الرقمي، مشيرًا إلى أن المحتالين يستخدمون تقنيات «إظهار رقم مزيف» ليظهر المتصل كأنه من جهة رسمية مثل البنك أو الشرطة. كما تحدث عن دور الهندسة الاجتماعية والذكاء الاصطناعي في إقناع الضحية، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي أصبح يُستخدم لإنشاء رسائل مزيفة أو مقاطع صوتية بصوت أشخاص معروفين. وأكد أن تعقيد الاحتيال الرقمي قد زاد بشكل كبير، حيث يستخدم المحتالون تقنيات متطورة جدًا تجعل الضحية لا يشك في مصداقيتهم.
خطوات الحماية
وتحدث الربيعي عن خطوات الحماية التي يمكن أن يتخذها الأفراد للحماية من الاحتيال الرقمي، مشيرًا إلى أهمية تفعيل التحقق الثنائي والحذر من الروابط الغريبة، بالإضافة إلى تحديث أنظمة التشغيل والتطبيقات بشكل مستمر مع ضرورة عدم مشاركة البيانات البنكية أو الشخصية. كما أكد على أن المؤسسات يجب أن تعتمد على حلول أمان متقدمة مثل الجدران النارية وأنظمة كشف التسلل، بالإضافة إلى تدريب الموظفين على الأمن السيبراني. وذكر الربيعي أن أدوات الكشف مثل برامج مكافحة الفيروسات وأدوات مكافحة التصيّد مثل Google Safe Browsing تلعب دورًا مهمًا في حماية الأفراد والمؤسسات من الاحتيال الرقمي. وأوضح الربيعي أن الإجراءات القانونية المتبعة في حال وقوع ضحية للاحتيال الرقمي تشمل تقديم بلاغ فوري إلى شرطة عمان السلطانية - إدارة الجرائم الإلكترونية، تجميد الحسابات المتضررة، ومتابعة القضية قانونيًا لاسترداد الحقوق. وأضاف: إنه من الضروري التحقق من العروض الاستثمارية من خلال التأكد من ترخيص الجهة المعلنة، وعدم الوثوق في الوعود بعوائد مرتفعة بسرعة، والبحث عن تقييمات وآراء موثوقة.
وأكد المهندس الربيعي أن القانون العماني صارم تجاه الجرائم الإلكترونية وينص على عقوبات مشددة. لكنه أشار إلى الحاجة المستمرة لتحديث هذه القوانين لمواكبة تطورات التكنولوجيا. وبالنسبة للجهات المختصة، أضاف المهندس الربيعي أن شرطة عمان السلطانية تقوم بجهود كبيرة لمكافحة الاحتيال الرقمي، ولكن هناك تحديًا في سرعة الوصول إلى المحتالين، خاصة إذا كانوا خارج السلطنة. وأوضح أن هناك تعاونًا بين الجهات الحكومية والبنوك وشركات الاتصالات لتعزيز التوعية ومشاركة البيانات حول الاحتيال. وأضاف أن آلية الإبلاغ تتم من خلال مركز الاتصال بشرطة عمان السلطانية أو عبر موقعهم الإلكتروني، حيث يتم فتح تحقيق وتتبع الجناة بالتنسيق مع الجهات المختصة.
وفيما يخص التوعية والتثقيف، أشار محمد الربيعي إلى أن التوعية الرقمية تعد خط الدفاع الأول ضد الاحتيال الرقمي. وأكد أن المؤسسات التعليمية والإعلامية تلعب دورًا كبيرًا في نشر التوعية من خلال المناهج والدورات التدريبية، بالإضافة إلى نشر محتوى توعوي عبر وسائل الإعلام التقليدية والرقمية. ولفت إلى أن حملات التوعية الحكومية، مثل حملة «بلغ وسرك في بير»، بدأت تُظهر تأثيرًا تدريجيًا من خلال زيادة عدد البلاغات، مما يدل على زيادة الوعي لدى الناس.
التحديات المستقبلية
أما فيما يتعلق بالتحديات المستقبلية، أكد المهندس الربيعي أن أبرز التحديات هي تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي وتقنيات التزييف العميق (Deepfake)، مشيرًا إلى أن هذه التقنيات ستزيد من تعقيد الاحتيال الرقمي. وأوضح أنه بلا شك، سيصبح الاحتيال أكثر واقعية ويصعب تمييزه بدون أدوات متقدمة وتحليل سلوك المستخدم. وأكد المهندس الربيعي على أهمية الاستمرار في التعلم واستخدام أدوات أمان قوية لحماية المستخدمين من هذه التهديدات المتزايدة.
وكشف المهندس محمد أن المؤشرات تدل على خسائر بملايين الريالات سنويًا بسبب الاحتيال الرقمي، خصوصًا في قضايا الاستثمار الوهمي، رغم أنه لا توجد أرقام دقيقة منشورة. وأكد أن الخوف من الاحتيال ينعكس على تردد البعض في استخدام الخدمات الرقمية، مما قد يعيق التحول الرقمي. كما أشار إلى أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن الفئات الأقل تعليمًا والأكثر اعتمادًا على الإنترنت دون وعي أمني هم الأكثر عرضة لهذه الجرائم.
كما أكد الربيعي أن البنوك تقوم باتخاذ إجراءات للحد من الاحتيال الرقمي، مثل تنبيه الزبائن بعدم مشاركة البيانات، وتنفيذ أنظمة تحقق ثنائي، وتجميد التحويلات المشبوهة بشكل تلقائي. وأشار إلى أن بعض البنوك تعتمد على خوارزميات تراقب العمليات المشبوهة وتنبه العملاء. كما أضاف أن هناك تعاونًا دوليًا مع الإنتربول وجهات دولية لتتبع المحتالين، خاصة في الجرائم العابرة للحدود.
دروس من الواقع
وأشار الربيعي إلى العديد من الحالات الواقعية التي وقع فيها الضحايا في فخ «استثمارات العملات الرقمية» الوهمية أو الروابط التي تطلب تحديث بيانات البنك. كما أضاف أنه تم فتح تحقيق وتتبع الأموال، وفي بعض الحالات تم استرجاعها إذا لم تكن قد غادرت السلطنة. وفي النهاية، نصح المهندس الربيعي بعدم الثقة في أي جهة تطلب بيانات شخصية دون تحقق، وأهمية التحقق دائمًا من صحة الموقع أو العرض، والتبليغ فورًا عند الشك.
وفي ختام حديثه، أكد المهندس محمد بن سعيد الربيعي إلى أن الاحتيال الرقمي لا يزال يشكل تهديدًا متزايدًا، لكن مع اتباع إجراءات الوقاية، وتحديث التشريعات، والتعاون بين الجهات المختلفة، يمكن الحد من تأثيراته السلبية على الأفراد والمؤسسات.
0 تعليق