رأي.. بشار جرار يكتب عن جولة ترامب الخليجية: بين قبضتي رئيسين - الأول نيوز

cnn 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

القبضة الأولى للرئيس الأمريكي السابق قبل ثلاث سنوات، فيما القبضة الثانية للرئيس الناجي من محاولتي اغتيال. صورة حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على توكيدها من المحطة الأولى التي يستهل بها للمرة الثانية ولاية رئاسية. القبضة الأولى وسلام الـ"فِسْتْ بَمْبْ" كانت لربما استجابة لدواع وقائية صحية جراء كورونا، لكنها اشتهرت كمؤشر على العلاقة بين الرئيس جو بايدن والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي

أما القبضة الثانية، فكانت لترامب والتي اشتهر بها بداية خلال محاكماته المتكررة أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، ومن ثم إثر نجاته من محاولة الاغتيال الأولى على الهواء مباشرة في مهرجان انتخابي في باتلر، بولاية بنسلفانيا "المتأرجحة" والتي كسبها جميعا، الولايات المتأرجحة السبعة، ضد نائب الرئيس السابق كامالا هاريس.

القبضة الثانية، ارتبطت بالروح القتالية التي اتخذها الرئيس شعارا حتى بعد عودته إلى البيت الأبيض وخلال جولته التي شملت إلى جانب السعودية، الإمارات وقطر.

لعل رسالة التحدي التي وجهها ترامب هذه المرة من الرياض، كانت لأسلافه من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، حيث تسبب باعتقاده المحافظون الجدد "نيو كونز" والليبراليون والمنظمات غير الرسمية المرتبطة بأجندات إسقاط النظم وبناء الأمم- تسببوا بدمار كابول وبغداد.

لم يقتصر احترامه للثقافة الوطنية بمظاهر احتفى به من سبقوه من الرؤساء كرقصة السيوف ولوحات التراث الشعبي في الدول الثلاث، بل أكد إعجابه إلى حد الانبهار بالنهضة العمرانية التي تحققت بطريقة عربية "ذِ إربيان واي" كما قال في المنتدى السعودي الأمريكي للاستثمار

خرجت أصوات نشاز وإن علا صوتها وراجت في مواقف مشابهة، لتحاول النيل من صورة الشراكة الأمريكية الخليجية بأبعادها العربية والشرق أوسطية والإسلامية. تعبيرات عدائية "كحلب الأموال وفرض الجزية" ليست فقط نابية وكاذبة، بل تكشف عن مشاعر وأيدولوجيات لفظتها الشعوب. تلك شراكات واستثمارات تخلق الوظائف للجانبين وتعمل على نقل وتوطين التكنولوجيا لأول مرة في تاريخ العلاقات مع دول متقدمة سيما فيما يخص الصناعات الدفاعية وتلك الخاصة بالمعلوماتية والذكاء الاصطناعي والشرائح الإلكترونية التي حظرها بايدن خوفا من وصول الصين إليها!

صحيح أن الجولة التريليونية غير مسبوقة عالميا وليس فقط أمريكيا وخليجيا، لكن الأهم قيمتها الاستراتيجية في ولاية رئاسية بدأت بحرب التعرفات الجمركية، وتستعد لإعادة تشكيل النظام العالمي وفق حسابات وأدوات مغايرة، لا تعتمد على استخدام القوة العسكرية التقليدية، وإنما توظف أدوات لا تقل حسما كالتجارة والتقنية. تباهى ترامب بإيقافه الاشتباك بين باكستان والهند إثر عملية إرهابية في كشمير الهندية باستخدام "الورقة التجارية" وكذلك بالجهد المتضافر والمتزامن للدبلوماسية السعودية والأمريكية لدى الجانبين المتحاربين. وبانتظار ما سيتمخض عن محادثة هاتفية قد تسرع بانعقاد لقاء قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين (الذي يحظى بثقة قيادتي السعودية والإمارات)، فإن ترامب ينوي توظيف الدبلوماسية الشخصية لما هو أشمل من مجرد وقف حرب أوكرانيا. كالعلاقة مع حلفاء أمريكا وشركائها الاقتصاديين سيما المجموعتين الأوروبية والأطلسية، حيث جدد وزير الخارجية ماركو روبيو ضرورة التزام الناتو بدفع ما نسبته 5% من الناتج القومي وإلا اتخذ ترامب قرارا فيما يخص الحماية وربما مستقبل الحلف برمته، فضلا عن أثر توثيق تحالفه مع الشرق الأوسط كوريث لأوروبا ضعيفة، مترددة أو غير مجدية لواشنطن. بحسب ترامب ووزير الخزانة سكوت باسنت والتجارة هاورد لاتنك، نحو 150 اتفاقا تجاريا صار أكثر إنصافا لأمريكا التي أرست قواعد التجارة العالمية الحرة.

وعلى ضوء ما تحقق وما هو قيد الإنجاز في أقل من أربعة أشهر، يرى ترامب ومؤيدوه داخل أمريكا وخارجها، أنه تمكن من الحيلولة دون خسارة بلاده للحلفاء الاستراتيجيين والشركاء الاقتصاديين، سواء لصالح روسيا أو الصين

بطبيعة الحال، لم تكن الهدنة مع الحوثيين بعد تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر نهاية المطاف، حيث بقي الدعم الأمريكي لإسرائيل بالسلاح والعتاد على وتيرته، وكذلك الموقف فيما يخص تحرير جميع الرهائن وتفكيك حماس. لا قطيعة ولا حتى جفاء بين ترامب و"بيبي"، بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل. وقد تزامن الرد الإسرائيلي على صواريخ الحوثي البالستية الفرط صوتية مع اختتام جولة ترامب الخليجية، وكذلك مع الإعلان عن استهداف محمد وزكريا وهما شقيقا يحيى السنوار الذي تسبب بكارثة السابع من أكتوبر 2023. ما ظنه البعض إدارة ظهر ترامب لبيبي، ما كان سوى تباين في أولويات الجانبين ومقتضيات ظرفية تتعلق بإدارة مفاوضات متعددة الجبهات وهي بالنسبة لترامب ليست دائما ثنائية وتلك مسألة فيها سابقة في ولاية ترامب الأولى عند انسحاب نتنياهو في اللحظات الأخيرة من ترتيبات مشتركة لتصفية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. تعذر نتنياهو يومها بأولويات ومخاطر تتعلق بالأمن القومي لإسرائيل وقد تفهم ترامب ذلك "الخذلان" دون أن ينساه على ما يبدو.

على أي حال ولحين عودة الأمور إلى طبيعتها، تبدو "عربات جدعون" بداية لعملية عسكرية لن تنتهي إلا بالنجاح التام لوفد إسرائيل في الدوحة التي تشكل القناة الوحيدة والفرصة الأخيرة لآخر عرض تقدمه واشنطن لطهران، تفاديا للخيار العسكري

"التخصيب المسموح به هو صفر"، بحسب المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مؤكدا بذلك تساؤل ترامب عن حاجة إيران من أساسه إلى طاقة نووية "سلمية"، أو لغايات "صحية وتنموية"، وهي التي تملك كميات "هائلة" من النفط والغاز!

هو الأمن والاقتصاد الذي أعاده إلى البيت الأبيض. لم يعد شعار الرئيس الراحل والجمهوري الأيقوني رونالد ريغان "السلام من خلال القوة" هو الشعار الأثير، حيث أضاف إليه ترامب مفهوم القوة الاقتصادية والتقنية والقوى الناعمة أيضا خاصة الإعلام، حيث اتضح أن قدراته كمفاوض وكمقاول لا تضاهى.

لكن جولة ترامب الترليونية -على ما حظيت به من تقدير- شابتها حملات انتقاد وتشكيك، طالت على نحو خاص ملفي غزة وسوريا التي رفع عنها العقوبات إكراما لولي العهد السعودي الذي أعلن ترامب أنه سيلتقيه مرارا، ربما في إشارة إلى حل في الأفق قيل إنه سيتبلور في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل، مما يعني أربعة أشهر حافلة ميدانيا على نحو تتضح فيه معالم "اليوم التالي" في غزة والشرق الأوسط. رؤية الدولتين وتوسعة اتفاقات إبراهيم، قد لا يشمل سوريا الجديدة فقط بل وإيران أيضا! من يدري؟ الأمر يتوقف على اختيار نظام ملالي طهران البقاء وجعل "إيران عظيمة مجددا" كما تندّر ترامب في أواخر ولايته الأولى، أو الزوال، إسقاطا أو سقوطا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق