إن تطبيق الحوكمة الفاعلة يساعد على المساءلة، وتعزيز جودة اتخاذ القرار، ونزاهة العمل، والمصداقية، والشفافية. كما تعزز الحوكمة من آليه المشاركة المجتمعية وثقافة الولاء والتمكين والرقابة بما يضمن اتخاذ القرارات غير المتحيزة. صناعة القرار التنموي عملية معقدة؛ لأنها تخضع لمجموعة من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
في الواقع لا يمكن "الحكم" على جودة الخطط والقرارات التنموية، لأننا نعتقد أنها صحيحة، فالوصول إلى حوكمة فاعلة يقتضي دمج مبادئ المساءلة والاستجابة لاحتياجات المجتمع، وضغوط وسائل الإعلام الناقدة. الحوكمة الفاعلة يفترض أن تترجم احتياجات جميع فئات المجتمع، بما فيها الفئات المستضعفة في إطار الاستدامة. بعبارة أخرى، تؤكد القرارات التنموية على التوفيق بين المصالح المتضاربة وصولا لتحقيق "المصلحة العامة".
إن وجود إطار حوكمة فاعل أمر بالغ الأهمية لضمان الالتزام بالمعايير والتشريعات العمرانية دون تغليب مصالح السوق أو التجار وأصحاب النفوذ على حساب المجتمع.
ساعد إطار الحوكمة على رصد المخالفات التي يمكن أن تؤدي إلى إهدار المال العام أو استنزاف الموارد في مشاريع عمرانية لا جدوى منها. إن وجود نظام المساءلة والمراقبة والحكم من خارج المؤسسة يساعد على ضبط عملية صناعة القرار التنموي، ويمنع أي استغلال سلبي يخدم المصالح الذاتية على حساب "المصلحة العامة".
أحيانا يتطلع المسؤول إلى ردود إيجابية من المجتمع تعكس حجم الجهد المبذول في الوزارة أو المؤسسة التي يديرها. ومع ذلك يمكن أن تعطينا هذه الردود حتى لو كانت نقدية مدخلات مستنيرة حول مستوى التقدم والمخرجات المتحققة ومدى مواءمتها مع الأهداف المرسومة في الخطة.
الردود المجتمعية أو النقد أو ضغوط الصحافة والإعلام قد تكون محبطة للمسؤول، وترسم صورة ذهنية تعكس مزاجا عاما يغلب عليه الشعور بالإحباط. يأتي هذا الإحباط نتيجة عدم شعور المجتمع بأي عوائد نفعية من الخطة العمرانية أو البرنامج التنموي أو المشروع العمراني. على سبيل المثال، المشاريع السياحية يمكن أن تحقق الرضا المجتمعي إذا ساهمت في خلق فرص وظيفية للمجتمع المحلي، وزيادة إيرادات المدن نتيجة ضخ الاستثمارات والأنشطة السياحية. ومن هنا لا بد من العمل أولا على تحسين المزاج الجمعي قبل المضي قدما في إجراء إصلاحات فعلية قد تأخذ وقتا طويلا لتنعكس على المجتمع.
إن عمل ورش وجلسات استماع للمجتمع المحلي هي ليست المشاركة المجتمعية التي نتحدث عنها دوما في التخطيط العمراني. هذه مجرد مشاهد تمثيلية زائفة لن تتحول إلى مشاهد حقيقية؛ إلا إذا كان ذلك مقرونا بإلزامية التأثير على مسار الخطة ومخرجاتها.
إن المستويات الحقيقية للمشاركة المجتمعية لا تعني الاستئناس بآراء الناس؛ بل حوكمة القرارات والتأثير عليها واستيعاب مكامن القوة والضعف في الخطة العمرانية دون الميل لفئة على حساب فئة أخرى. الممارسات الشكلية يمكن أن تجمل المشهد العام للعملية التخطيطية، ولكنها تزيد من درجة إحباط المجتمع؛ لا بد أن يشعر المجتمع أن المدخلات التي يضيفها تساهم بالفعل في تقويم الخطة العمرانية وتنعكس إيجابا عليهم.
باختصار، إن تحسين المزاج الجمعي يقتضي العمل على تعزيز الشعور بانتماء المجتمع للمكان والشراكة في صناعة القرار، وصولا لتحقيق العوائد النفعية اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا.
0 تعليق