لماذا يجب إبقاء "هيئة تحرير الشام" على قائمة الإرهاب في الوقت الحالي

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
ماثيو ليفيت* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 17/12/2024

على الرغم من أنه يجب إصدار بعض الإعفاءات قصيرة الأجل للمساعدة في تفكيك الشبكة المعقدة من التصنيفات على قوائم الإرهاب الأميركية وتسهيل تسليم المساعدات الإنسانية، إلا أن أي رفع أوسع نطاقاً لـ"هيئة تحرير الشام" والجولاني وغيرهما من قائمة التصنيفات يجب أن يُكتسب، لا أن يُمنح كهدية.اضافة اعلان
*   *   *
في أعقاب سيطرة تحالف الفصائل المتمردة بقيادة "هيئة تحرير الشام" على معظم المناطق في سورية، هناك "اندفاع هائل" لتحديد ما إذا كان ينبغي رفع اسم الجماعة وكبار مسؤوليها من قوائم الإرهاب الأميركية والدولية، وكيف يتم ذلك. بموجب القانون الأميركي، يُسمح للمسؤولين الأميركيين بالتواصل مع الجماعة، على الرغم من تصنيفها في قائمة الإرهاب. لكن الكثيرين يسعون إلى الوضوح بشأن الشبكة المعقدة من التصنيفات السابقة المحيطة بها. وفي 15 كانون الأول (ديسمبر)، دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسن، إلى "إنهاء سريع للعقوبات"، على الرغم من أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان تعليقه يشمل العقوبات المحددة المتعلقة بـ"هيئة تحرير الشام". وفي وقت سابق، صرح المبعوث الخاص بأن الجماعة لا يمكنها حكم سورية بالطريقة التي أدارت بها معقلها السابق في إدلب، بينما أشار إلى أن "هناك بعض الأمور المطمئنة على الساحة".
بينما ينظر المسؤولون في خياراتهم، ينبغي عليهم النظر إلى التصنيف المعقد للجماعة على قوائم الإرهاب المختلفة، ولماذا ظهرت على الكثير منها في المقام الأول. وفي الواقع، لم تُصنف "هيئة تحرير الشام" نفسها قط على قوائم الإرهاب، وإنما الجماعة هي النسخة الأحدث من كيانات سبق تصنيفها في القائمة بسبب صلاتها بتنظيمي "القاعدة" و"داعش".
من "القاعدة في العراق
" إلى "جبهة النصرة"
بدأ دور "هيئة تحرير الشام"، الذي أدى في النهاية إلى سقوط الأسد، في تموز (يوليو) 2011، عندما قام أبو بكر البغدادي -الذي كان حينها زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية في سورية والعراق"، المعروف سابقاً باسم "تنظيم القاعدة في العراق"- بإرسال أبو محمد الجولاني لقيادة دخول جماعته إلى سورية. وكان هذا هو الجولاني نفسه الذي أصبح لاحقاً قائد "هيئة تحرير الشام"، وقاد الهجوم الذي أطاح بالأسد، وتبنى اسم أحمد الشرع، وبالتالي نصب نفسه زعيماً جديداً لسورية ووضع نفسه في صدارة المحادثات الحالية لشطب الأسماء من القائمة.
ولكن في العام 2011، كان تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" قد دُمّر تقريباً، ورأى البغدادي في اندلاع الحرب الأهلية في الجوار فرصة لإعادة بناء التنظيم. وقد عُيِّن الجولاني قائداً للفرع السوري الجديد لتنظيم "الدولة الإسلامية"، أي "جبهة النصرة"، التي أعلنت رسمياً عن وجودها في كانون الثاني (يناير) 2012. (أشارت العديد من الوثائق الأميركية والدولية أيضاً إلى الجماعة باسم "جبهة النصرة"). وبحلول كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام، أضافت وزارة الخارجية الأميركية "جبهة النصرة" (تحت أسماء مستعارة مختلفة) إلى التصنيف الإرهابي القائم لـ"تنظيم القاعدة في العراق"، مؤكدة بذلك دور "جبهة النصرة" كذراع سوري للجماعة العراقية. ووفقاً للتصنيف المُحدَّث، فقد "ادعت ’جبهة النصرة‘ مسؤوليتها عن شن نحو 600 هجوم" في سورية خلال عامها الأول من العمليات، "بدءاً من أكثر من 40 هجوماً انتحارياً، ذهاباً إلى عمليات باستخدام الأسلحة الصغيرة والعبوات الناسفة". وبقيامها بذلك، "سعت إلى تصوير نفسها كجزء من المعارضة السورية الشرعية" على الرغم من كونها "محاولة من "تنظيم القاعدة في العراق" لاختطاف نضال الشعب السوري لأغراضه الخبيثة الخاصة".
مع تزايد شراكة "جبهة النصرة" مع الجماعات الجهادية السورية المحلية (مثل "أحرار الشام")، بدأ يُنظر إليها بصورة أقل كجماعة خارجية، وبصورة أكثر كجزء لا يتجزأ من النظام البيئي الثوري. وقد أدى هذا التحول إلى قلق قادة تنظيم "الدولة الإسلامية" من أن يصبح فرعهم السوري جماعة مستقلة لا تكون تحت قيادتهم بالكامل.
تنظيم "الدولة" والحرب الأهلية الجهادية
في 8 نيسان (أبريل) 2013، أصدر البغدادي بياناً صوتياً أعاد فيه التأكيد على أن "جبهة النصرة" هي جزء من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، وأعلن أن الكيانين سوف يُعرفان من الآن فصاعداً باسم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ("داعش"). ومع ذلك، وفي غضون أيام، رفض الجولاني هذه الخطوة وتعهد بمواصلة الولاء لزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري. وهكذا بدأت معركة داخلية ضارية على الهيمنة بين الجماعات الجهادية السنية في سورية. 
ثم، في شباط (فبراير) 2014، تبرأ تنظيم "القاعدة" رسمياً من "داعش". وبعد بضعة أشهر فقط، اقتحم تنظيم "داعش" مدينة الموصل، وأعلن البغدادي استعادة الخلافة الإسلامية المزعومة تحت قيادته. 
تسلط التغييرات المتكررة للأسماء الضوء على المسارات المعقدة والمتشابكة لكل من "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، مما زاد من الارتباك بسبب تطورهما معاً من "تنظيم القاعدة في العراق" قبل أن ينفصلا ويصبحا عدوين شرسين. ومما زاد الأمر تعقيداً أن الجهاديين الأفراد المرتبطين بكلتا الجماعتين تجاهلوا أحياناً خلافاتهم وتعاونوا في شن هجمات إرهابية في الخارج.
"هيئة تحرير الشام" تغير اسمها مع التركيز على الحوكمة
في كانون الثاني (يناير) 2017، تبنت "جبهة النصرة" الاسم الجديد "هيئة تحرير الشام" "كوسيلة لتعزيز موقفها في التمرد السوري ودفع أهدافها الخاصة بصفتها فرع تنظيم "القاعدة" في سورية" -وهو وصف مناسب أُدرج في تصنيف الأمم المتحدة للجماعة (على قائمة الإرهاب). ودمجت "هيئة تحرير الشام" عناصر من جماعات سورية عدة، لكنها كانت بقيادة واضحة من الجولاني و"جبهة النصرة"، التي "واصلت الهيمنة والعمل من خلال" التنظيم الجديد.
مع ذلك، وعلى عكس معظم التنظيمات الجهادية الأخرى، تمتلك "هيئة تحرير الشام" سجلاً (مختلطاً) من الحكم في المناطق التي تسيطر عليها لسنوات عدة، حيث لم تدعُ خلالها إلى شن هجمات في الخارج أو تنفذها. كما توقفت عن استخدام التكتيكات الإرهابية الشائعة (على سبيل المثال، التفجيرات الانتحارية) ضد النظام السوري. وخاضت بشكل دوري قتالاً ضد كل من "داعش" والفرع المحلي لتنظيم القاعدة، "حراس الدين". وفي الوقت نفسه، ما يزال عدد كبير من المقاتلين الأجانب في سورية مرتبطين بـ"هيئة تحرير الشام"، ويبدو أن بعض أعضائها أكثر ميلاً نحو التطرف الجهادي من غيرهم.
التصنيفات الأميركية 
ومعضلة الشطب من القائمة
في الأساس، تم تصنيف الجماعة التي تُعرف الآن بـ"هيئة تحرير الشام" لأول مرة ككيان إرهابي في تشرين الأول (أكتوبر) 2004، عندما صَنفت وزارة الخارجية الأميركية "جماعة التوحيد والجهاد" (سلف تنظيم "القاعدة في العراق") كمنظمة إرهابية أجنبية وككيان إرهابي عالمي مُصنف بشكل خاص. وفي الشهر نفسه، أضافت الأمم المتحدة "تنظيم القاعدة في العراق" (جماعة التوحيد والجهاد) إلى قائمتها الموحدة للمنظمات الإرهابية. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2012، أضافت الحكومة الأميركية رسمياً "جبهة النصرة"، كاسم مستعار لـ"تنظيم القاعدة في العراق"، حيث قامت وزارة الخارجية الأميركية بتعديل تصنيف قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية ذات الصلة، في حين عدلت وزارة الخزانة الأميركية قائمة المنظمات الإرهابية العالمية المصنفة بشكل خاص.
في الوقت نفسه، صنفت وزارة الخارجية الأميركية الجولاني (الذي غالباً ما يُكتب اسمه "جولاني" في الوثائق الأميركية) كإرهابي عالمي مصنف بشكل خاص في أيار (مايو) 2013. ومن خلال برنامجها المسمى "مكافآت من أجل العدالة"، عرضت الوزارة ما يصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات عنه، مشيرة إلى أنه "ما يزال زعيم ("جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم القاعدة)، التي تشكل جوهر ’هيئة تحرير الشام‘". 
وفي الشهر نفسه الذي صدر فيه تصنيف الجولاني في الولايات المتحدة، أضافت الأمم المتحدة "جبهة النصرة" كاسم مستعار إلى تصنيفها لـ"تنظيم القاعدة في العراق". وعلاوة على ذلك، في الصفحة المخصصة لتصنيف "هيئة تحرير الشام" (آخر تحديث في آذار/ مارس 2022)، أكدت الأمم المتحدة على الروابط التأسيسية للجماعة مع تنظيم "القاعدة". وفي العام 2021، أضافت وزارة الخارجية الأميركية "هيئة تحرير الشام" إلى قائمتها لـ"الكيانات المثيرة للقلق بشكل خاص" بموجب "قانون الحرية الدينية الدولية للعام 1998"، و"قانون فرانك ر. وولف للحرية الدينية الدولية للعام 2016"، متهمة إياها "بارتكاب انتهاكات خطيرة بشكل خاص للحرية الدينية".
وليست هذه القائمة الطويلة من الجرائم استثناءً في سورية، التي تعد من أكثر دول العالم خضوعاً للعقوبات، حيث أُدرج نظامها السابق ضمن قائمة "الدول الراعية للإرهاب". واليوم، ما تزال "هيئة تحرير الشام" مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، من بين دول ومنظمات أخرى، في حين ما يزال الجولاني مدرجاً على قائمة الإرهاب وخاضعاً لمكافأة قدرها 10 ملايين دولار من الناحية الفنية.
في الولايات المتحدة، يظل شطب جماعة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية أمراً سهلاً نسبياً، كما هو موضح في الصفحة الرئيسية لوزارة الخارجية الأميركية على شبكة الإنترنت المتعلقة ببرنامج المنظمات الإرهابية الأجنبية. فمنذ إنشاء القائمة، تم شطب عشرين جماعة، بما في ذلك جماعات عدة انتقلت نحو الحوكمة (على سبيل المثال، "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) في كولومبيا). ويمكن شطب جماعة إذا قرر وزير الخارجية الأميركي أن (1) الظروف الأصلية التي أدت إلى التصنيف تغيرت بما يكفي لتبرير إلغائها؛ أو (2) أن مصالح الأمن القومي الأميركي تبرر إلغاءها. وببساطة أكبر، يتمتع الوزير بسلطة "إلغاء التصنيف في أي وقت". كما يمكن إلغاء التصنيفات الخاصة بالإرهاب العالمي التي صدرت بموجب "الأمر التنفيذي رقم 13224".
يجادل بعض المراقبين بأن إلغاء هذه العقوبات أمر أساسي لمنح القيادة السورية ما بعد الأسد فرصة لبناء نوع مختلف من الحكومة والبلد. ولا يمكن لأحد أن يعارض بشكل معقول بعض الإعفاءات قصيرة الأجل والتدابير المماثلة التي تسمح بتقديم المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، يجب أن يتم كسب أي شطب أوسع للتصنيف -سواء على مستوى الدولة أو الجماعة أو الأفراد- عن طريق الاستحقاق، وليس عن طريق الهبة. إن نهاية نظام الأسد هي أخبار سارة للغاية، وخاصة بالنسبة للشعب السوري، وكذلك في ما يتعلق بتقويض ركيزة رئيسية من "محور المقاومة" الإيراني. لكن الحكومة الناشئة بقيادة "هيئة تحرير الشام" لديها الكثير لتثبته للمواطنين السوريين، ولجيران سورية، وللمجتمع الدولي.

*د. ماثيو ليفيت: زميل أقدم في برنامج الزمالة "فرومر وويكسلر" ومدير "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في "معهد واشنطن".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق