عمان– في إطار برنامج مكتبة الأسرة "القراءة للجميع 18"، أعادت وزارة الثقافة طباعة كتاب "مستقبل الثقافة العربية في عالم متغير ما بعد العولمة"، للمؤلف حسن عبد الله الدعجة، أستاذ في العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال.اضافة اعلان
يقول الدعجة في مقدمته للكتاب: إن ما يثير الإنسان في شتى بقاع الأرض هو ما يحدث الآن بفضل المتغيرات الدولية وأدوات هذه المتغيرات: الاقتصادية، الإعلامية، السياسية، التكنولوجية، والثقافية، التي تشكل إطارا للعولمة التي تسعى إلى النفاذ إلى المجتمعات أينما كانت للعمل على تغيير أنماط السلوك وإعادة صياغة منظومة القيم بشكل يتفق مع ما تخطط له القوى المسيطرة على هذه الأدوات.
ويضيف المؤلف، إن الإنسان العربي يتساءل: هل ثمة خطر داهم بسبب هذه المتغيرات الدولية؟ أم أنها لمصلحة البشرية جمعاء؟ وهل خطرها واضح مكشوف أم مخفي لا يُرى؟ فهو حائر تائه أحيانًا، فالبعض مع هذه المتغيرات، والبعض الآخر ضدها، وفريق ثالث يسعى إلى المواءمة بين هذه المتغيرات وما تتضمنه من تغييرات وبين أصالتنا؛ فنأخذ ما ينفعنا ونترك سواه، ولكن هل الأمر كذلك حقًا؟
ويستعرض الدعجة حكاية سجلها المخرج الفرنسي هنري فيرني في فيلم بعنوان "البقرة والسجين" عام 1959، حيث تقمص فيه الممثل الفرنسي دور أحد سجناء الحرب الفرنسيين الذين كانت ألمانيا تقوم بتشغيلهم في المزارع مقابل أجرة يدفعها صاحب المزرعة إلى الجيش الألماني. وفكر هذا السجين في الهروب، حيث لا مهرب يعلن عن نفسه، فهداه تفكيره إلى فكرة قد تبدو مجنونة في ظاهرها، أخذ إحدى بقرات المزرعة، وعلق في رقبتها جرسًا، ثم سار بها عبر المراعي المفتوحة التي لا تحتاج إلى نقاط مراقبة فيها لأدنى جهد حتى ترصد وتشاهد من يعبرها. وكان هذا هو مقصده وطريقه الشاق نحو الأراضي الفرنسية.
ويتابع: لم يشك أي جندي ألماني في أن صاحب البقرة – التي يُعلن عنها الجرس المعلق في رقبتها ويشير إلى تحركاتها ومسيرتها – هو سجين هارب. فقد كان الجنود يرونه مجرد عامل في إحدى المزارع القريبة يرعى بقرته. وإذا كان هذا صحيحًا، فلماذا لم ينزع الجرس من رقبة البقرة حتى لا يفتضح أمر هروبه؟ ولماذا لم يسلك طريقًا بعيدًا عن السهول المكشوفة؟ لكن الجرس والسهول المكشوفة لم تكن في الحقيقة إلا معلومات تعلن عن نفسها، وهذه الطريقة في استعمال المعلومات كانت ذكية، لكنها مظللة لأنها لا تكشف سوى القليل عن الربط بين ما هو معلن وما يراد به.
ويشير المؤلف إلى ان العولمة كذلك قد تنطوي على إجراءات تهدف إلى إحداث تغييرات ملموسة مثل الخصخصة، التعددية السياسية، حقوق الإنسان، والمشاركة في إدارة الشؤون. وأمور البلاد السياسية في مجال السياسة، وفتح السماوات أمام محطات البث والأقمار الصناعية، لتنهال المعلومات في مجال الإعلام. إلا أن ما تقصده هذه الأدوات قد يكون أمرًا مكشوفًا، وإن كان ظاهره كما مر معنا في قصة صاحب البقرة، الذي فعل شيئًا وقصد شيئًا آخر.
ثم يتحدث الدعجة عن المنهجية التي اتبعها في هذا الكتاب، لافتا إلى أهمية النظر إلى عنوان الدراسة بشكل مفصل، حيث يتناول الكتاب مفرداته بشكل علمي، حيث يتم تحديد مصطلحاته ومفاهيمه، والنظريات والمنهجية المستخدمة. والنظر إلى العلاقة بينها نظرة متفحصة لإيجاد أرضية للانطلاق منها نحو رؤية "مستقبل الثقافة العربية في ظل المتغيرات الدولية الراهنة والمتوقعة". في هذا السياق، تُعد الثقافة أحيانًا متغيرًا مستقلاً يؤثر في المتغيرات الأخرى مثل الاقتصادية والإعلامية والسياسية والتكنولوجية. وفي بعض الحالات، يمكن اعتبار الثقافة متغيرا تابعا نظرا لتأثرها بالمتغيرات الدولية.
ويرى المؤلف أن الثقافة تُعد متغيرا مستقلا مؤثرا في حال العمل على تعزيز معانيها ورعايتها، مما ينمي الانتماء الحضاري لدى المجتمعات داخل الأمة العربية. بمعنى آخر، إذا توفرت لها المؤسسات التي تؤمن بتفردها وتميزها، وتسعى لتقوية أواصرها وربط حاضرها بماضيها ومستقبلها. أما في حالة اعتبار الثقافة أمرًا ثانويًا، فإنها تصبح متغيرا تابعا يتأثر بتطورات منظومة القيم الاجتماعية. ومحاولة تقليد الغرب الأعمى، وكذلك تستطيع الثقافة أن تلعب دور المتغير الوسيط، أي بمعنى المتغير الناقل للتطور والنماء الإيجابي على مستوى القيم الاجتماعية والثقافية، مثل تقدير العلم والمعرفة، والتقدم التكنولوجي، واحترام الوقت، وقيم العمل، وغيرها.
ويقول الدعجة إن الثقافة تعد أحد أهم العناصر الجوهرية التي تعبر عن رقي الأمم وتقدمها أو تخلفها. كما يقول "صموئيل هنتنغتون: فإن الثقافة هي السبب الرئيسي لصدام الحضارات في المستقبل"، فهي ليست مجرد مجموعة من العادات والتقاليد، بل هي أساس هوية الأمة وشخصيتها. فالثقافة هي عنوان الأمة، وهي تعكس قدرتها على الحفاظ على مكونات وجودها من خلال مسيرة ثقافية تربوية تهدف إلى تنشئة جيل واعٍ بماضي أمته، منتبه لما يدور حوله من مستجدات ومتغيرات في الأفكار والأساليب والآليات. وهي بذلك تعد الواجهة الدفاعية الأولى للأمة. فإن تم إعداد الثقافة بشكل جيد، كانت النتائج على أفضل وجه، أما إذا تركت للمتغيرات دون تمحيص أو تدبير أو تفكير، فإن النتائج ستكون على وفق الاستعداد أو الإهمال.
ويرى المؤلف أن تأثير ظاهرة العولمة على الثقافة هو عملية تدريجية نابعة من قوة الاتجاهات التي تسعى العولمة من خلالها إلى النفوذ في مجمل البنى السلوكية للبشر، وخصوصًا في البنية التربوية التي تتجاوز الغرف الصفية في المدارس والجامعات. والمنهجية المتبعة في هذه الدراسة تعتمد على المتغيرات المستقلة والوسيطة والتابعة، حيث تعد العولمة المتغير المستقل في هذه الدراسة، في حين تتأثر بها المتغيرات الأخرى- اقتصادية والسياسية والإعلامية- وتعد متغيرا وسيطا وفي هذا المجال فإن الثقافة تعد متغيرا تابعا.
ويقول الدعجة: ما المقصود بالعولمة؟ وما هي؟ وإلى ماذا ترمي؟ وما أهدافها؟ وكيف تصل وتوصل رسائلها إلى المجتمعات والشعوب؟ هذه الأسئلة هي ما سيتناولها هذا الكتاب من خلال هذه الفصول حيث يستعرض الفصل الأول، أهم المفاهيم المتعلقة بالدرس والبحث، مع الإشارة إلى أن الدراسات الإنسانية التي لا تنحصر في أطر محددة متفق عليها بين الباحثين والدارسين، بل تبقى مجالًا للاختلاف وتعدد الآراء. كما يبين الفصل مفاهيم "السيناريوهات"، حيث يوضح الشروط اللازمة لوضع التصورات المستقبلية وطرق دراستها، إضافة إلى كيفية وضعها من خلال مناهج خاصة. كما يتناول المفاهيم الثقافية لعدة مفكرين، ويعرج على مفهوم المستقبل ويستعرض بعضًا من هذه المفاهيم. وبعد ذلك، يناقش مفهوم العولمة، إذ يوضح الآراء المختلفة حول العولمة من وجهة نظر الباحثين والمفكرين.
أما الفصل الثاني فيتناول المتغيرات العالمية من خلال المتغيرات الاقتصادية، التي أسهمت في تبني العالم أجمع للنموذج الرأسمالي في تعاملاته الاقتصادية والعلاقات بين الدول. من خلال الخصخصة، وحرية انتقال السلع ورؤوس الأموال، متجاوزةً الحدود القومية للدول دون حواجز، أما المتغيرات الإعلامية فهي التي أحدثت ثورة في توحيد رؤى المجتمعات والشعوب من خلال السماوات المفتوحة أمام بث الأقمار الصناعية التي يزيد عددها على خمسمائة قمر تدور حول الأرض ترسل إشارة وصورا وكلمات تدعو إلى تنميط الحياة وتوحيدها في إطار نمطي عولمي.
كما يستعرض الفصل الثالث التداخل والعلاقة بين الثقافة والتربية، حيث يوضح الكاتب أثر التطورات والمتغيرات المتسارعة على العملية التربوية. فالتربية تعد من أهم المداخل الرئيسة لتشكيل الثقافة الوطنية للأمة. إلا أنه ومع التدفق الهائل للمعلومات عبر الوسائل الحديثة للاتصال، أصبح ما يتلقاه الطفل في عام واحد يعادل ما يتلقاه الإنسان طوال حياته. وبذلك، أصبحت المدرسة مؤسسة تقليدية تنتمي إلى الماضي. وإذا ما استمرت على هذا النحو، فإنها ستكون مقتلًا للإبداع بدلاً من أن تكون مصنعًا له.
من جانبه يستعرض الفصل الرابع، مستقبل الثقافة عربياً وعالمياً، حيث يناقش مستقبل الثقافة العربية من خلال وجهات نظر المفكرين العرب. أما الشق الآخر، فيتناول مستقبل الثقافة من منظور ثقافي سياسي غربي، حيث يستعرض أربع رؤى (سيناريوهات): "نظام القطبين، نظام تعدد الأقطاب، الكتل الإقليمية وتعدد أنماط الحكم"، إذ تبين هذه الرؤى ما سوف يكون عليه العالم من الأنظمة المختلفة التي قد يسلكها العالم في المستقبل، على عكس ما قدمه "فوكوياما في سيناريو "نهاية التاريخ"، الذي يتصور هيمنة النظام الرأسمالي الليبرالي. أما من الناحية الأخرى، فقد قدم "جوزيف في كوتس وجون ب. ماهفي وأندي هاينس (107)"، افتراضات لصور مستقبلية على شكل سيناريوهات، ومن بينها سيناريو يتحدث عن انتشار واسع لثقافة عامة، حيث تُفرض عناصر هذه الثقافة على الناس من جميع الاتجاهات، سواء أحبّوها أم لا.
ويناقش الفصل الخامس، السيناريوهات المذكورة في الفصل الرابع بطريقة محاكاة للسيناريوهات الغربية، باستخدام منهج يعتمد عرض الأضداد. يعرض الكتاب سيناريوهات مقابلة لتلك التي وضعها المفكرون والباحثون الغربيون مثل "فرانسيس فوكوياما"، في "نهاية التاريخ"، وصموئيل هنتنغتون في "صدام الحضارات"، وجوزيف س. ناي في كتابه "حتمية القيادة/الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية"، وجوزيف ف. كوتس وجون ب. ماهفي وأندي هانس في كتابهم "سيناريوهات الولايات المتحدة والمجتمع العالمي: إعادة التشكيل العالي بالعلوم والتكنولوجيا".
يقول الدعجة في مقدمته للكتاب: إن ما يثير الإنسان في شتى بقاع الأرض هو ما يحدث الآن بفضل المتغيرات الدولية وأدوات هذه المتغيرات: الاقتصادية، الإعلامية، السياسية، التكنولوجية، والثقافية، التي تشكل إطارا للعولمة التي تسعى إلى النفاذ إلى المجتمعات أينما كانت للعمل على تغيير أنماط السلوك وإعادة صياغة منظومة القيم بشكل يتفق مع ما تخطط له القوى المسيطرة على هذه الأدوات.
ويضيف المؤلف، إن الإنسان العربي يتساءل: هل ثمة خطر داهم بسبب هذه المتغيرات الدولية؟ أم أنها لمصلحة البشرية جمعاء؟ وهل خطرها واضح مكشوف أم مخفي لا يُرى؟ فهو حائر تائه أحيانًا، فالبعض مع هذه المتغيرات، والبعض الآخر ضدها، وفريق ثالث يسعى إلى المواءمة بين هذه المتغيرات وما تتضمنه من تغييرات وبين أصالتنا؛ فنأخذ ما ينفعنا ونترك سواه، ولكن هل الأمر كذلك حقًا؟
ويستعرض الدعجة حكاية سجلها المخرج الفرنسي هنري فيرني في فيلم بعنوان "البقرة والسجين" عام 1959، حيث تقمص فيه الممثل الفرنسي دور أحد سجناء الحرب الفرنسيين الذين كانت ألمانيا تقوم بتشغيلهم في المزارع مقابل أجرة يدفعها صاحب المزرعة إلى الجيش الألماني. وفكر هذا السجين في الهروب، حيث لا مهرب يعلن عن نفسه، فهداه تفكيره إلى فكرة قد تبدو مجنونة في ظاهرها، أخذ إحدى بقرات المزرعة، وعلق في رقبتها جرسًا، ثم سار بها عبر المراعي المفتوحة التي لا تحتاج إلى نقاط مراقبة فيها لأدنى جهد حتى ترصد وتشاهد من يعبرها. وكان هذا هو مقصده وطريقه الشاق نحو الأراضي الفرنسية.
ويتابع: لم يشك أي جندي ألماني في أن صاحب البقرة – التي يُعلن عنها الجرس المعلق في رقبتها ويشير إلى تحركاتها ومسيرتها – هو سجين هارب. فقد كان الجنود يرونه مجرد عامل في إحدى المزارع القريبة يرعى بقرته. وإذا كان هذا صحيحًا، فلماذا لم ينزع الجرس من رقبة البقرة حتى لا يفتضح أمر هروبه؟ ولماذا لم يسلك طريقًا بعيدًا عن السهول المكشوفة؟ لكن الجرس والسهول المكشوفة لم تكن في الحقيقة إلا معلومات تعلن عن نفسها، وهذه الطريقة في استعمال المعلومات كانت ذكية، لكنها مظللة لأنها لا تكشف سوى القليل عن الربط بين ما هو معلن وما يراد به.
ويشير المؤلف إلى ان العولمة كذلك قد تنطوي على إجراءات تهدف إلى إحداث تغييرات ملموسة مثل الخصخصة، التعددية السياسية، حقوق الإنسان، والمشاركة في إدارة الشؤون. وأمور البلاد السياسية في مجال السياسة، وفتح السماوات أمام محطات البث والأقمار الصناعية، لتنهال المعلومات في مجال الإعلام. إلا أن ما تقصده هذه الأدوات قد يكون أمرًا مكشوفًا، وإن كان ظاهره كما مر معنا في قصة صاحب البقرة، الذي فعل شيئًا وقصد شيئًا آخر.
ثم يتحدث الدعجة عن المنهجية التي اتبعها في هذا الكتاب، لافتا إلى أهمية النظر إلى عنوان الدراسة بشكل مفصل، حيث يتناول الكتاب مفرداته بشكل علمي، حيث يتم تحديد مصطلحاته ومفاهيمه، والنظريات والمنهجية المستخدمة. والنظر إلى العلاقة بينها نظرة متفحصة لإيجاد أرضية للانطلاق منها نحو رؤية "مستقبل الثقافة العربية في ظل المتغيرات الدولية الراهنة والمتوقعة". في هذا السياق، تُعد الثقافة أحيانًا متغيرًا مستقلاً يؤثر في المتغيرات الأخرى مثل الاقتصادية والإعلامية والسياسية والتكنولوجية. وفي بعض الحالات، يمكن اعتبار الثقافة متغيرا تابعا نظرا لتأثرها بالمتغيرات الدولية.
ويرى المؤلف أن الثقافة تُعد متغيرا مستقلا مؤثرا في حال العمل على تعزيز معانيها ورعايتها، مما ينمي الانتماء الحضاري لدى المجتمعات داخل الأمة العربية. بمعنى آخر، إذا توفرت لها المؤسسات التي تؤمن بتفردها وتميزها، وتسعى لتقوية أواصرها وربط حاضرها بماضيها ومستقبلها. أما في حالة اعتبار الثقافة أمرًا ثانويًا، فإنها تصبح متغيرا تابعا يتأثر بتطورات منظومة القيم الاجتماعية. ومحاولة تقليد الغرب الأعمى، وكذلك تستطيع الثقافة أن تلعب دور المتغير الوسيط، أي بمعنى المتغير الناقل للتطور والنماء الإيجابي على مستوى القيم الاجتماعية والثقافية، مثل تقدير العلم والمعرفة، والتقدم التكنولوجي، واحترام الوقت، وقيم العمل، وغيرها.
ويقول الدعجة إن الثقافة تعد أحد أهم العناصر الجوهرية التي تعبر عن رقي الأمم وتقدمها أو تخلفها. كما يقول "صموئيل هنتنغتون: فإن الثقافة هي السبب الرئيسي لصدام الحضارات في المستقبل"، فهي ليست مجرد مجموعة من العادات والتقاليد، بل هي أساس هوية الأمة وشخصيتها. فالثقافة هي عنوان الأمة، وهي تعكس قدرتها على الحفاظ على مكونات وجودها من خلال مسيرة ثقافية تربوية تهدف إلى تنشئة جيل واعٍ بماضي أمته، منتبه لما يدور حوله من مستجدات ومتغيرات في الأفكار والأساليب والآليات. وهي بذلك تعد الواجهة الدفاعية الأولى للأمة. فإن تم إعداد الثقافة بشكل جيد، كانت النتائج على أفضل وجه، أما إذا تركت للمتغيرات دون تمحيص أو تدبير أو تفكير، فإن النتائج ستكون على وفق الاستعداد أو الإهمال.
ويرى المؤلف أن تأثير ظاهرة العولمة على الثقافة هو عملية تدريجية نابعة من قوة الاتجاهات التي تسعى العولمة من خلالها إلى النفوذ في مجمل البنى السلوكية للبشر، وخصوصًا في البنية التربوية التي تتجاوز الغرف الصفية في المدارس والجامعات. والمنهجية المتبعة في هذه الدراسة تعتمد على المتغيرات المستقلة والوسيطة والتابعة، حيث تعد العولمة المتغير المستقل في هذه الدراسة، في حين تتأثر بها المتغيرات الأخرى- اقتصادية والسياسية والإعلامية- وتعد متغيرا وسيطا وفي هذا المجال فإن الثقافة تعد متغيرا تابعا.
ويقول الدعجة: ما المقصود بالعولمة؟ وما هي؟ وإلى ماذا ترمي؟ وما أهدافها؟ وكيف تصل وتوصل رسائلها إلى المجتمعات والشعوب؟ هذه الأسئلة هي ما سيتناولها هذا الكتاب من خلال هذه الفصول حيث يستعرض الفصل الأول، أهم المفاهيم المتعلقة بالدرس والبحث، مع الإشارة إلى أن الدراسات الإنسانية التي لا تنحصر في أطر محددة متفق عليها بين الباحثين والدارسين، بل تبقى مجالًا للاختلاف وتعدد الآراء. كما يبين الفصل مفاهيم "السيناريوهات"، حيث يوضح الشروط اللازمة لوضع التصورات المستقبلية وطرق دراستها، إضافة إلى كيفية وضعها من خلال مناهج خاصة. كما يتناول المفاهيم الثقافية لعدة مفكرين، ويعرج على مفهوم المستقبل ويستعرض بعضًا من هذه المفاهيم. وبعد ذلك، يناقش مفهوم العولمة، إذ يوضح الآراء المختلفة حول العولمة من وجهة نظر الباحثين والمفكرين.
أما الفصل الثاني فيتناول المتغيرات العالمية من خلال المتغيرات الاقتصادية، التي أسهمت في تبني العالم أجمع للنموذج الرأسمالي في تعاملاته الاقتصادية والعلاقات بين الدول. من خلال الخصخصة، وحرية انتقال السلع ورؤوس الأموال، متجاوزةً الحدود القومية للدول دون حواجز، أما المتغيرات الإعلامية فهي التي أحدثت ثورة في توحيد رؤى المجتمعات والشعوب من خلال السماوات المفتوحة أمام بث الأقمار الصناعية التي يزيد عددها على خمسمائة قمر تدور حول الأرض ترسل إشارة وصورا وكلمات تدعو إلى تنميط الحياة وتوحيدها في إطار نمطي عولمي.
كما يستعرض الفصل الثالث التداخل والعلاقة بين الثقافة والتربية، حيث يوضح الكاتب أثر التطورات والمتغيرات المتسارعة على العملية التربوية. فالتربية تعد من أهم المداخل الرئيسة لتشكيل الثقافة الوطنية للأمة. إلا أنه ومع التدفق الهائل للمعلومات عبر الوسائل الحديثة للاتصال، أصبح ما يتلقاه الطفل في عام واحد يعادل ما يتلقاه الإنسان طوال حياته. وبذلك، أصبحت المدرسة مؤسسة تقليدية تنتمي إلى الماضي. وإذا ما استمرت على هذا النحو، فإنها ستكون مقتلًا للإبداع بدلاً من أن تكون مصنعًا له.
من جانبه يستعرض الفصل الرابع، مستقبل الثقافة عربياً وعالمياً، حيث يناقش مستقبل الثقافة العربية من خلال وجهات نظر المفكرين العرب. أما الشق الآخر، فيتناول مستقبل الثقافة من منظور ثقافي سياسي غربي، حيث يستعرض أربع رؤى (سيناريوهات): "نظام القطبين، نظام تعدد الأقطاب، الكتل الإقليمية وتعدد أنماط الحكم"، إذ تبين هذه الرؤى ما سوف يكون عليه العالم من الأنظمة المختلفة التي قد يسلكها العالم في المستقبل، على عكس ما قدمه "فوكوياما في سيناريو "نهاية التاريخ"، الذي يتصور هيمنة النظام الرأسمالي الليبرالي. أما من الناحية الأخرى، فقد قدم "جوزيف في كوتس وجون ب. ماهفي وأندي هاينس (107)"، افتراضات لصور مستقبلية على شكل سيناريوهات، ومن بينها سيناريو يتحدث عن انتشار واسع لثقافة عامة، حيث تُفرض عناصر هذه الثقافة على الناس من جميع الاتجاهات، سواء أحبّوها أم لا.
ويناقش الفصل الخامس، السيناريوهات المذكورة في الفصل الرابع بطريقة محاكاة للسيناريوهات الغربية، باستخدام منهج يعتمد عرض الأضداد. يعرض الكتاب سيناريوهات مقابلة لتلك التي وضعها المفكرون والباحثون الغربيون مثل "فرانسيس فوكوياما"، في "نهاية التاريخ"، وصموئيل هنتنغتون في "صدام الحضارات"، وجوزيف س. ناي في كتابه "حتمية القيادة/الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية"، وجوزيف ف. كوتس وجون ب. ماهفي وأندي هانس في كتابهم "سيناريوهات الولايات المتحدة والمجتمع العالمي: إعادة التشكيل العالي بالعلوم والتكنولوجيا".
0 تعليق