كشف خبراء فلسطينيون عن حقيقة الأنباء التي ترددت حول وصول مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بين حركة حماس وإسرائيل إلى طريق مسدود في الأيام الأخيرة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور جهاد ملكة، الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني، إنه من المهم التأكيد على أن مفاوضات الصفقة بين إسرائيل وحركة حماس لم تنهار تماما كما يشاع، ولكن ما حدث من توقف هو أمر طبيعي في مفاوضات معقدة خاصة في ظل تعنت حكومة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والتي تسعى لعدم حسم ملف الصفقة قبل وصول ترامب لكرسي البيت الأبيض، وهي في سباق مع الزمن لاستكمال مشروع تهجير شمال قطاع غزة وزيادة الضغط على حماس، لابتزاز أكبر قدر ممكن من التنازلات، وتقليص أثمان الصفقة، ناهيك عن محاولات نتنياهو الجادة بالموافقة على طلب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لاحقًا بابتزازه ببعض المواقف والقرارات وتحديدًا بموضوعي الضفة الغربية وإيران.
وأضاف ملكة في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن نتنياهو يسعى لتعقيد المشهد برمته، لعدم وقف الحرب، وهذا بدوره سيحافظ بقاء تحالفه مستقرًا وبقائه في سدة الحكم، خاصةً في ظل الملاحقة القضائية الجارية حاليًا ومثوله أمام التحقيق في المحاكم الإسرائيلية.
ووأوضح ملكة أن المعضلة التي تواجهها حكومة الاحتلال هي ما يسمى بسناريوهات اليوم التالي للحرب، فمنذ اليوم الأول للحرب أدرك الجميع أن مخططًا وضع مسبقًا يتم تنفيذه من قبل إسرائيل في قطاع غزة وليس مجرد رد فعل على أحداث 7 أكتوبر، وهذا المخطط وضع له ثلاثة أهداف رئيسية وهي الهدف الأول إسقاط حكم حماس بالكامل بلا رجعة، ووضع ترتيبات أمنية تضمن عدم تهديد قطاع غزة لأمن إسرائيل بالمطلق، والهدف الثالث هو ما عبر عنه الوزير آفي دختر في برنامج تلفزيوني عام 2019 عندما سألوه كيف ترى طريقة التعامل مع قطاع غزة فأجاب: "يجب أن ينخفض عدد سكان قطاع غزة للنصف"، وسألت المذيعة بتعجب كيف؟ قال لا أعلم ولكن نصف السكان يجب أن يتبخر، هذه هي الأهداف الواضحة والتي أثبتت مسارات الحرب أن إسرائيل تسير نحو تحقيقها بلا تردد، فليس هناك معنى للقتل والتدمير ومحوا وإبادة المناطق بالكامل سوى جعل غزة منطقة غير قابلة للحياة.
وتابع ملكة: "نتنياهو يؤكد دائما أنه من المستحيل تحقيق خطط اليوم التالي في غزة حتى يتم القضاء على حماس بكل قدراتها، قضية اليوم التالي في غزة تتم مناقشتها بشكل مستمر وغدا ستجمع حكومة نتنياهو لمناقشة القضية، ولأن نتنياهو ليس مستعدا لقبول الواقع الذي فيه حماس لديها نوع من الوجود في غزة، فهذا عامل رئيس يؤدي إلى عدم التوصل لصفقة واستمرار حرب الإبادة على غزة".
واختتم السياسي الفلسطيني تصريحاته قائلا: "أعتقد أنه على حماس الخروج من المشهد السياسي والحكم في غزة وتسليمه للسلطة الفلسطينية التي هي صاحبة الولاية القانونية والسياسية على قطاع غزة وذلك لإزالة الذرائع الإسرائيلية ووقف هذه الحرب المجنونة على غزة وانقاذ ما يمكن انقاذه من أهلها".
فيما أكد المحلل السياسي نزار نزال أن المفاوضات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية لم تنهار تمامًا، لكنها جُمّدت في الوقت الحالي.
وأوضح نزال، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن إسرائيل منذ البداية كانت تخطط لتحقيق أهداف مخفية، أبرزها إعادة احتلال غزة وإخضاع سكانها لسيطرة عسكرية مباشرة ومع ذلك، لم تصرح بهذا الهدف علانية، وبدلًا من ذلك اختبرت قدرة المقاومة الفلسطينية على القتال والصمود.
وأضاف نزال أن إسرائيل تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في استحالة احتلال غزة والبقاء فيها على المدى الطويل، فإسرائيل انسحبت من القطاع عام 2005 بسبب ضربات المقاومة، ومن المرجح أنها ستواجه المصير ذاته في حال أعادت احتلال القطاع، المقاومة الفلسطينية ستواصل استهداف الجيش الإسرائيلي، مما يجعل البقاء في غزة خيارًا مستحيلًا لإسرائيل.
وأشار نزال إلى أن الجهود المصرية تلعب دورًا محوريًا في الضغط لإعادة المفاوضات، متوقعًا التوصل إلى هدنة محكومة بفترة زمنية محددة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية ودخول ترامب المحتمل إلى البيت الأبيض، ولفت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعارض التوقيع على اتفاق شامل لوقف إطلاق النار، مفضلًا استراتيجية الهدن المؤقتة التي تتيح لإسرائيل المناورة عسكريًا ثم العودة للتفاوض.
وأوضح نزال أن نتنياهو يركز بشكل كبير على قضية الأسرى الإسرائيليين في غزة، وهو ملف ثقيل يضغط على حكومته، وإسرائيل تسعى لإطلاق سراحهم دون تقديم تنازلات كبرى قد تُقيّد تحركات الجيش الإسرائيلي على مختلف الجبهات، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان أو سوريا.
كما لفت نزال إلى أن نتنياهو يتجنب التوقيع على أي اتفاق قد يُعتبر هدية سياسية للإدارة الأمريكية الحالية (الديمقراطيين) أو الإدارة المقبلة (الجمهوريين بقيادة ترامب)، واعتبر أن المنطقة تشهد تغييرات جوهرية تتعلق بالعلاقات مع إيران، الوضع في سوريا ولبنان، والحرب مع الحوثيين، متوقعًا أن يكون الصيف المقبل حاسمًا في تحديد مستقبل الشرق الأوسط.
واختتم نزال بأن إسرائيل تسعى لضمان حرية حركة الجيش في مواجهة التهديدات الإقليمية، بينما تعمل المقاومة الفلسطينية على تعزيز موقفها العسكري والسياسي، ما ينذر بصيف متوتر مليء بالتطورات في المنطقة.
0 تعليق