إضافة إلى ما ذكرته فـي الحلقة السابقة من هذا المبحث، فإننا نجد تصويرا (representation) للشيخ بصفته شخصية أيديولوجية وسياسية لئيمة فـي حسابات السياسة الدولية أيضا. ولا تتوانى هذه الشخصية المتقلبة المنقلبة عن المسارعة بأن تكون نصيرا مقيتا للروس بعد سنوات قليلة من انتصار الثورة البلشفـية فـي روسيا فـي عام 1917، والتي شكلت تهديدا حقيقيا للغرب الرأسمالي بأكمله، وذلك كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «مغامرات طرزان» [The Adventures of Tarzan] (من إخراج روبرت هل Robert Hill، 1921). لكن «الشيخ» لا يلبث أن يعود إلى جذره الشرقي/ الاستشراقي الأصل فـيظهر، فـي تارة سينمائية أخرى، حكيما ومتفلسفا قادما من إقليم النبوءات والرسالات كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «رمال حارقة» [Burning Sands] (من إخراج جورج ملفورد Georg Melford، 1922). ولعل هذا الفـيلم بالذات يسجل ما يمكن تسميته «عودة البدايات إلى بدايات أخرى» (خاصة وانه من توقيع نفس مخرج «الشيخ»؛ أي جورج ملفورد). غير أن «الشيخ» ليس سعيد الحظ والتوق على الدوام، إن من الناحية الأيروسية أو السياسية؛ فثمة فـيلم ترفضه فـيه بصورة مذلة ومهينة امرأة ريفـية مفضلة عليه رجلا غربيا (هو فرنسي فـي هذه الحالة) بعد أن كان مراد الغواية الجنسية الحلمية للنساء الغربيات، وذلك كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «أغنية الحب» [The Song of Love] (من إخراج فرانسس ماريون،Frances Marion، 1923). وفـي تصرف غريب أرعن، أو قد يكون تصرفا متوقعا بالنسبة للبعض، يتخلى «الشيخ» عن زوجاته ومحظياته البالغ عددهن مائتين، ويختطف عروسا أمريكية حسناء وذلك كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «عذراء فـي المغرب» [Maid in Morocco] (من إخراج تشارلز لامونت Charles Lamont، 1924) (1). لكننا نرى «الشيخ» أيضا وقد أصبح فجأة موضوعا للهجاء اللاذع والسخرية المريرة من كونه الأيقونة الجنسية الأثيرة لدى النساء الغربيات كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «إذا فهذه باريس» [So This Is Paris] (من إخراج أرنست لوبتش Ernest Lubitsch، 1926). ونقابل «الشيخ» تارة أخرى وهو يعذب النساء الغربيات بقسوة سادية مفرطة كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «مرتدون عن القانون» [Renegades] (من إخراج فكتر فلمنغ Victor Fleming، 1930)، ونرى «الشيخ» فـي مرة أخرى وهو ساذج وكوميدي كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «عمل ومتعة» [Business and Pleasure] (من إخراج ديفد بتلر David Butler، 1932). ونصادف «الشيخ» فـي طور آخر وهو بدائي من أهل الغابة كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «طرزان الذي لا يخاف» [Tarzan the Fearless] (من إخراج روبرت إف هل Robert F. Hill، 1933). وينبثق «الشيخ» لنا فـي مناسبة غيرها وهو تاجر رقيق أفارقة وحشي الخصال كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «المدينة المفقودة» [The Lost City] (من إخراج هاري جي ريفـير Harry J. Revier، 1935). ولا يضن علينا «الشيخ» فـي تنويع جديد على ظهوره بأن يكون لطيفا، وفكها، وودودا، وسريع البديهة والخاطر إلى حد ما كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم عنوانه ذو دلالة: «الشرق يقابل الغرب» [East Meets West] (من إخراج هربرت ميسن Herbert Mason، 1936). ثم يتجلى «شيخنا» ذو الوجوه التي لا تكف عن التعدد والتغاير خبيثا وفظ القلب كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «الرجل الأسد» [The Lion Man] (من إخراج جي بي مكارثي J. P. McCarthy، 1937). ويحضر «الشيخ، تارة أخرى، بوصفه إرهابيا بصورة لا لبس فـيها كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «فـيلق الرجال المفقودين» [The Legion of Missing Men] (من إخراج هاملتون مكفادن Hamilton McFadden، 1937). و«الشيخ»، علاوة على ما ذكر أعلاه، شخص ثري تلقى تعليمه فـي جامعة أكسفرد العريقة، ولكنه حيواني فـي تعاملاته الإنسانية على الرغم من ذلك كما، على سبيل المثال لا الحصر، فـي فـيلم «انتقام طرزان» [Tarzan’s Revenge] (من إخراج ديفد روس لدرمن David Ross Lederman، 1938).
---------------------------------------
(1): جدير بالذكر هنا أن فحولة «الشيخ» العربي التي يضرب بها المثل بصورة تنميطية لا تزال لغاية اليوم ثابتا ثيماتيا فـي أفلام الصناعة البورنوغرافـية الأمريكية. والحقيقة انه مع الأحداث الضخمة التي غيرت حاضر العالم مثل الهجوم الجوي على برجي التجارة الدوليين فـي مدينة نيويورك وأحد أجنحة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) فـي واشنطن بتاريخ 11 سبتمبر 2001، ظهر فـيلم بورنوغرافـي أمريكي تلعب فـيه شخصية تقوم بدور أسامة بن لادن دور «الشيخ»، وهو فـيلم «مهرجو المؤخرات –3» من كتابة، وإنتاج، وإخراج تومس زوبكو Thomas Zupko (الولايات المتحدة الأمريكية، 2002). يستحضر الفـيلم الواقي الذكري فـي العلامة التجارية «واقيات الشيخ الذكرية» (Sheik Condoms) التي صنعتها شركة Julius Schmid Inc. الأمريكية وراجت خصوصا فـي ثلاثينيات القرن الماضي [انظر إعلانا تجاريا لـ«واقيات الشيخ الذكرية»، على سبيل المثال، فـي Penthouse: International Magazine for Men (September, 1980): 150] وذلك استلهاما من الصور الحسية، والخيالات والفنتازيات الأيروسية، التي راجت فـي الثقافة الشعبية الأمريكية (خصوصا) والغربية (عموما) فـي إثر نشر الرواية الرومانسية الأفضل مبيعا فـي العام 1919 بعنوان «الشيخ» لهل Hull، والتي أصبحت فـي 1921 الفـيلم الأسطوري الذي أخرجه ملفرد Milford بذات العنوان، والذي سبقت الإشارة إليه فـي هذه الدراسة.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
0 تعليق