الذكاء الاصطناعي في الأردن: بين التحديات والفرص وآفاق المستقبل

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كتب: المهندس إبراهيم طوالبه (خبير ذكاء اصطناعي وتخطيط استراتيجي)

 

بينما كنت أتأمل التحولات العميقة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، أدركت أن الأردن، هذا البلد الذي يمتلك طاقات وطموحات كبيرة  وقيادة حكيمة رغم موارده المحدودة، يقف اليوم أمام فرصة تاريخية. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية؛ إنه محرك للتغيير قادر على إحداث تحول جذري في شتى المجالات. برأيي، هناك ستة مجالات رئيسية ستحدد علاقتنا بهذه التكنولوجيا: التعليم، الصناعة، الإعلام، الصحة، الأمن السيبراني، والقطاع المصرفي والمالي.اضافة اعلان


التعليم يمثل الركيزة الأساسية لأي تقدم. في الأردن، أعتقد أن نظامنا التعليمي يعاني من فجوة واضحة بين متطلبات سوق العمل والمناهج التقليدية. رغم شغف الشباب الأردني بالتعلم، فإن نقص الموارد العملية والبنية التحتية الحديثة يشكل عائقًا أمام تحقيق تطلعاتهم. أرى أن الاستثمار في مختبرات الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات، وتحديث المناهج المدرسية والجامعية لتشمل أدوات مثل التعلم العميق والبيانات الضخمة، يمكن أن يحدث نقلة نوعية تضع الأردن في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال.

في الصناعة، تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة تحديات جمة. معظم هذه الشركات تفتقر إلى الخبرة والموارد المالية التي تتيح لها تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي. أتذكر حديثي مع إحدى رواد الأعمال في قطاع التصنيع، التي أعربت عن رغبتها في تحسين كفاءة إنتاجها باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها تفتقر إلى الأدوات اللازمة للبدء. أعتقد أن الحل يكمن في تقديم دعم حكومي وتوفير حوافز لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال.

الإعلام، بطبيعته الديناميكية، يواجه تحديًا مزدوجًا. من جهة، يتيح الذكاء الاصطناعي فرصًا مذهلة لتحليل البيانات وفهم الجمهور، ومن جهة أخرى، يفتح الباب أمام انتشار الأخبار الزائفة والمحتوى المضلل. في الأردن، يجب تطوير تقنيات محلية لمكافحة هذا النوع من المحتوى، مع تعزيز تدريب الإعلاميين على استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن الأطر الحديثة ومعايير المسؤولية والأخلاق.

أما الصحة، فهي أحد المجالات التي يمكن أن تستفيد بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن فجوة مقلقة بين القطاعين العام والخاص في الأردن. بينما تسير بعض المستشفيات الخاصة بخطى سريعة نحو التحول الرقمي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين التشخيص والرعاية الصحية، يعاني القطاع العام من تأخر واضح في تبني هذه التقنيات. هذا الفرق الشاسع يثير قلقي؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى تفاوت كبير في جودة الرعاية الصحية بين المواطنين. أرى أن توحيد الجهود وتطوير بنية تحتية تقنية شاملة للقطاع الصحي بأكمله أمر لا بد منه لتحقيق العدالة في الخدمات الطبية.

في الأمن السيبراني، أشعر بمزيج من الفخر والقلق. لا أنكر إعجابي الكبير بأداء المركز الوطني للأمن السيبراني، الذي أثبت قدرته على حماية البنية الرقمية الوطنية. لكنني، مثل العالم بأسره، لا أخفي تخوفي من استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية المتطورة. هذه الهجمات تتميز بقدرتها على التكيف واختراق الأنظمة بطرق غير مسبوقة. فنياً هذا الأمر يشكّل مُعضلة محيّرة للمتخصصين. أرى أن الأردن بحاجة إلى فرق متخصصة تجمع بين خبرات الأمن السيبراني ومعرفة فنية عميقة في الذكاء الاصطناعي، لتطوير حلول مبتكرة قادرة على مواجهة هذا التحدي الضخم.

أما القطاع المصرفي والمالي، فهو مثال واضح على كيفية تبني الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة وتعزيز الابتكار. البنوك الأردنية بدأت في استخدام التحليل التنبؤي، أتمتة العمليات، وأنظمة مكافحة الاحتيال. ومع ذلك، يواجه هذا القطاع تحديات في حماية البيانات، التوافق مع التشريعات، وتطوير الكفاءات المحلية. أرى أن تعزيز الشراكات بين البنوك والمؤسسات التقنية يمكن أن يعزز من تنافسية هذا القطاع ويوفر خدمات مبتكرة للعملاء.

في ظل هذه التحديات والفرص، أعتقد أن الأردن بحاجة إلى رؤية استراتيجية واسعة، مترابطة وموحدة تجمع كل أصحاب المصلحة والمعنيين على مستوى الوطن. من وجهة نظري، إنشاء مركز وطني للذكاء الاصطناعي ضرورة لا يمكن تأجيلها. هذا المركز يمكن أن يكون منصة وطنية لتنسيق الجهود، دعم البحث العلمي، وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. كما يمكنه المساهمة في تدريب الكفاءات المحلية ووضع سياسات وطنية تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وأخلاقي.

إن إنشاء هذا المركز ليس رفاهية، بل استثمار استراتيجي لمستقبل الأردن. سيكون بمثابة حاضنة للإبداع والابتكار، ومنصة لدعم الشركات الناشئة وتعزيز الأمن السيبراني. في رأيي، الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة لإعادة تعريف اقتصادنا، وتحقيق نقلة نوعية في مختلف القطاعات، مع ضمان العدالة في الوصول إلى فوائده لجميع فئات المجتمع الأردني. الأردن يمتلك العقول والطاقات، وخلفها قيادة صلبة شابة ذات رؤية وطنية واضحة تركز على المواطن ورفاهيته ومستقبله. لنعمل معاً لتحقيق هذا المستقبل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق