يناير 5, 2025 3:25 م
كاتب المقال : عاطف الجولاني
أربعة تحديات تواجه المقاومة الفلسطينية في العام الجديد 2025، أوّلها التعامل مع تداعيات معركة طوفان الأقصى، وسواء تم التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة أم استمرت المواجهة لفترة قادمة. وثانيها قرار السلطة الفلسطينية التجاوب مع الضغوط الإسرائيلية، وانتقالها من سقف التنسيق الأمني مع الاحتلال إلى الانخراط الكامل في مشروع اجتثاث المقاومة وإنهاء وجودها في الضفة الغربية.
ثالث تلك التحديات انحياز إدارة ترمب لتوجهات اليمين الإسرائيلي، بخاصة ما يتعلق بمخطط ضم مساحات واسعة من الضفة للسيادة الإسرائيلية، ودعمها لبرنامج إضعاف المقاومة الفلسطينية والمقاومات العربية في المنطقة. أما التحدي الرابع فيتمثل في الصعوبات التي تواجه محور المقاومة بتأثير الاستهداف الشرس خلال العام 2024، حيث غادرت المقاومة اللبنانية مضطرة دور الإسناد لغزة لتدخل مرحلة التعافي وترميم القدرات ومواجهة الاستحقاقات اللبنانية الداخلية. كما هدأت الجبهة العراقية وتوقفت فصائلها هي الأخرى عن دور الإسناد بتأثير الضغوط الداخلية والخارجية. يضاف إلى ذلك التغيير السياسي الذي شهدته سوريا، والذي قد تكون له مفاعيل إيجابية على المديين المتوسط والبعيد، لكن تأثيراته الآنية قد تذهب باتجاه آخر، حيث يُرجّح أن تكون له تداعيات ضاغطة على فرص إمداد حزب الله والمقاومة في الضفة بحاجاتها ومستلزماتها خلال الفترة القادمة.
تحديات أربعة تستدعي من المقاومة اجتراح مقاربات دقيقة لإدارة المرحلة القادمة، وهي تمتلك بالفعل عناصر قوة ذاتية مهمة، وعوامل قوة تتيحها معطيات البيئة السياسية.
فعلى صعيد عناصر القوة الذاتية، يشكل صمود المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان والتوحّش الإسرائيلي المتواصل منذ 15 شهرًا عنصر قوة مهم، حيث نجحت في فرض نفسها كأمر واقع وقوة أساسية يصعب تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية للوضع الفلسطيني. وليس أدلّ على ذلك من اضطرار القوى الإقليمية والدولية للتعامل مع المقاومة، مباشرة أو عبر وسطاء، لإبرام صفقة تهدئة ووقف لإطلاق النار، رغم أن المخططات الإسرائيلية والدولية استهدفت القضاء على المقاومة في قطاع غزة وشطبها من معادلة الصراع خلال الأسابيع الأولى من معركة طوفان الأقصى .
ثاني عناصر قوة المقاومة الفلسطينية، مرونتها العالية في التكيّف مع المتغيرات والمعطيات الصعبة، وقدرتها على التعافي والتعويض وتعزيز القدرات خلال فترات قصيرة نسبيًا. وهو ما أثبتته المواجهات السابقة مع الاحتلال، وما أكدته التقارير الإسرائيلية والغربية التي صدرت مؤخرأ وأكدت نجاح المقاومة بتعزيز قدراتها في قطاع غزة حتى في ظل الاستهداف المتواصل.
وثالث عناصر القوة، التأييد الواسع لمشروع المقاومة في الشارع الفلسطيني والعربي، وانحسار التأييد للسلطة الفلسطينية التي استنزفت ما تبقى من رصيد شعبي عبر انخراطها الصريح والمباشر في برنامج اجتثاث المقاومة في الضفة. وكما نجحت حالة الاحتضان الشعبي للمقاومة في قطاع غزة بتوفير شبكة أمان عززت قدرتها على الصمود في مواجهة العدوان، يُرجح أن تسهم حالة الاحتضان الشعبي للمقاومة فلسطينيًا وعربيًا في تكريس شرعيتها ومنحها قوة دفع وزخم مهمة.
أما على صعيد العوامل المساعدة في البيئة السياسية، فتبرز رغبة إدارة ترمب بتهدئة بؤر التوتر الملتهبة في المنطقة، وفي المقدمة منها المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، ورغبتها كذلك بتوفير زخم لعملة التطبيع العربي الإسرائيلي، وهو ما قد يسهم في لجم اندفاعات اليمين الإسرائيلي لخوض المواجهات العسكرية وتأجيج الأوضاع في المنطقة.
كما أن توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف لضم مساحات واسعة من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية وحسم السيطرة على المسجد الأقصى، بتأييد من إدارة ترمب التي يُرجّح أن تسعى لتنفيذ مشروع صفقة القرن، من شأنه أن يشكل استفزازًا للشعب الفلسطيني وشعوب الأمة، وأن يوفّر مبررات إضافية للغضب الشعب ولتأييد مشروع المقاومة.
يضاف إلى ذلك، أن الضربات التي تعرضت لها إيران خلال العام 2024 وشكّلت تحديًا لتأثيرها وحضورها الإقليمي، تزيد من حاجتها لتعزيز العلاقة مع المقاومة الفلسطينية التي أثبتت بصمودها وأدائها المميز أنها رقم صعب في المعادلة الإقليمية. كما أن جماعة انصار الله اليمنية تواصل ممارسة دورها في إسناد المقاومة الفلسطينية وفي الضغط على الأطراف الدولية الداعمة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
إذًا، فالعام 2025 بمعطياته وتحدياته الضاغطة قد لا يوفر مساحة هي الأفضل لتحقيق مشروع المقاومة إنجازات نوعية على المدى القصير، لكنه يوفّر فرصة مهمة للصمود والتعافي وتجاوز المعوقات، انتقالًا لحالة من التقدم والصعود على طريق تحقيق الأهداف.
لقد راهن بعض المتعجلين فيما مضى على عدم قدرة مشروع المقاومة على تجاوز تحديات كأداء واجهته، لكن التجربة العملية أسقطت تلك الرهانات المتسرّعة. ومشروع المقاومة يملك اليوم عناصر قوة مهمة، وتجربة ثريّة متراكمة، ورموز وأيقونات ملهمة، ويحظى بشرعية متزايدة، وتأييد شعبي واسع. وهو في العام الجديد أمام مهمات ملحّة:
الأولى: تقييم استراتيجية وحدة الساحات والجبهات، وتهديفها وتفعيلها بما يخدم تحقيق الأهداف ويراعي المتغيّرات والمعطيات.
والثانية: إدارة فعالة ومتوازنة لمنظومة العلاقات العربية والإقليمية، توائم بين أهمية العلاقة مع أطراف محور المقاومة التي انفردت بدعم المقاومة الفلسطينية ميدانيًا خلال معركة طوفان الأقصى ودفعت أثمانًا باهظة لهذا الإسناد، وبين تعميق العلاقة مع بقية العمق العربي والإسلامي الذي يُرجّح أن تزداد أهميته خلال المرحلة القادمة بعد التغيّرات التي شهدتها سوريا في الآونة الأخيرة، وفي ضوء الاستفزازات المتوقعة نتيجة سياسات ترمب واليمين الصهيوني المتطرّف.
والثالثة: اعتماد سياسة مناسبة لإدارة العلاقات الفلسطينية الداخلية في ظل حسم السلطة خيارها بالانحياز لبرنامج اجتثاث المقاومة في الضفة وتقديم أوراق اعتماد دورها في قطاع غزة.
والرابعة: بلورة إطار وصيغة وطنية لحماية مشروع المقاومة وتوفير غطاء سياسي لها وللحفاظ على ثوابت الشعب الفلسطيني.
هي مهمات، تدرك المقاومة دون شك أهمية التصدي لها وضرورة عدم التلكؤ في مواجهة استحقاقاتها.
0 تعليق