ألكسندر كوكبيرن، جيفري سانت كلير* - (كاونتربنش) 2025/1/1
من بين الرؤساء الأميركيين الأربعة الذين حصلوا على جائزة نوبل للسلام -تيدي روزفلت؛ وودرو ويلسون؛ وجيمي كارتر؛ وباراك أوباما- كان الرئيس الذي كشف عن أنظف عقبين من سرعة الركض عندما يتعلق الأمر بالهروب من ثرثرات العالم الساخرة من عبثية الجائزة هو جيمي كارتر، الذي أصدر في اليوم الثاني لتنصيبه عفوًا عن مناهضي حرب فيتنام والمتهربين من التجنيد.اضافة اعلان
فاز وودرو ويلسون، الإمبريالي الليبرالي، الذي حمل له أوباما بعضًا من أوجه الشبه الملحوظة، بجائزة نوبل للسلام في العام 1919، بعد أن أدخل أميركا في مذبحة الحرب العالمية الأولى. وكان الأساس المنطقي لمنحه الجائزة هو جهود ويلسون لإنشاء "عصبة الأمم"، لكن إنجازه الجوهري كان صقل لغة نظرية التدخلية الليبرالية. وبين تيدي روزفلت وودرو ويلسون، من الصعب تحديد من منهما كان العنصري الأكثر حماسة.
ربما كان ويلسون. فبصفته حاكما لولاية نيوجيرسي، كان مؤيدًا متعصبًا لحبس وتعقيم "الحمقى"، في ما كان حملة صليبية لتحسين النسل بلغت ذروتها في "قانون الهجرة الأميركي" للعام 1924، الذي منع اليهود والصينيين وغيرهم من ذوي المواد الجينية الوراثية المشتبه بها من دخول الولايات المتحدة.
وفي ما كان ضد إرادتهم إلى حد كبير، شق العديد من أولئك اليهود المستبعدين طريقهم إلى فلسطين، وبقي آخرون قسرًا في روسيا وأوروبا الشرقية وقُتلوا على يد النازيين. قبل كل شيء، كان ويلسون في فرساي راعيًا للقومية العرقية، القوة الدافعة لـ"الحل النهائي". ويقولون إن الجائزة التي مُنحت لأوباما أساءت إلى سمعة جائزة السلام!
كان الرئيس الحائز على جائزة السلام الذي سبقه هو تيدي روزفلت، الذي حصل على الجائزة في العام 1906، ظاهريًا لدوره في إنهاء الحرب الروسية - اليابانية، ولكن في الحقيقة كمكافأة على رعايته الحرب الإسبانية - الأميركية وسفك الدماء المتحمس في الفلبين.
وربما كان تنديد السناتور جورج هوار الشهير بروزفلت في قاعة مجلس الشيوخ الأميركي في أيار (مايو) من العام 1902 هو ما نبه لجنة نوبل إلى أهلية روزفلت لجائزة السلام:
"لقد ضحيت بما يقرب من عشرة آلاف حياة أميركية -هم زهرة شبابنا. لقد دمرت مقاطعات بأكملها. لقد قتلت الآلاف من الذين تزعم أنك تسعى إلى مساعدتهم.
لقد أنشأت معسكرات لإعادة التجميع. جنرالاتك يعودون من حصادهم، حاملين معهم آلاف الآخرين من المرضى والجرحى والمجانين الذين يعيشون حياة بائسة، محطمين جسدًا وعقلًا. إنك تجعل العلم الأميركي في أعين عدد كبير من الناس رمزًا لتدنيس الكنائس المسيحية، وحرق المنازل البشرية، ورعب التعذيب بالماء".
من جانبه، حصل تيدي روزفلت على جائزة السلام بعد فترة وجيزة من إظهار تعاطفه اللامحدود مع الإنسانية من خلال رعاية معرض "الرجال القرود" الفلبينيين في معرض سانت لويس العالمي في العام 1904 باعتبارهم "الحلقة المفقودة" في تطور الإنسان من قرد إلى آري، وهم بالتالي في حاجة ماسة إلى الاستيعاب، قسرا إذا لزم الأمر، إلى الطريقة الأميركية.
وعند استلام الجائزة، أرسل روزفلت على الفور "الأسطول الأبيض العظيم" (ست عشرة سفينة من البحرية الأميركية تابعة لـ"أسطول الأطلسي"، بما في ذلك أربع بوارج) في جولة عالمية لعرض أوراق الاعتماد الإمبريالية للعم سام، مستشرفًا بمدى نادر يزيد عن قرن، جائزة أوباما، بينما يهيئ لفرض "باكس أميركانا" على هندو كوش وأجزاء من باكستان.
بهذه الجوائز، كان ما تقوله لجنة النرويجيين الجديرة حقًا هو أنه عندما يتعلق الأمر بمنح رئيس أميركي جائزة السلام، فإنه ينبغي خفض المعيار إلى حد مريع.
حصل كارتر على جائزة نوبل في العام 2002 كمكافأة على أعماله الجيدة الواضحة. ولكن، هناك كانت، مرة أخرى، رسالة لجنة نوبل: تقبُّل المُرّ مع الحلو. وكما كان الحال مع أوباما، كان انتخاب كارتر في العام 1977 رئيسًا للولايات المتحدة أيضًا موسمًا للأمل في أن حقبة جديدة تشرع في البزوغ، بخاصة في مجال السياسة الخارجية و"الحرب الباردة".
خلال حملته الناجحة للفوز بالرئاسة، أخبر حاكم جورجيا ومزارع الفول السوداني مجموعة من الديمقراطيين أنه "يمكننا، من دون تعريض الدفاع الوطني لأمتنا أو التزاماتنا تجاه حلفائنا للخطر، خفض نفقات الدفاع الحالية بنحو خمسة إلى سبعة مليارات دولار سنويًا. إن الأسلحة الغريبة التي لا تخدم أي وظيفة لا تساهم في الدفاع الوطني لهذا البلد. كما أن بيروقراطية البنتاغون منتفخة ومجلبة للهدر".
وقال هاملتون جوردان، مدير حملة كارتر، متحدثًا إلى الصحافة: "إذا وجدتم، بعد التنصيب، سي فانس وزيرًا للخارجية وزبيغنيو بريجنسكي رئيسًا للأمن القومي، فسوف أقول إننا فشلنا. وسوف أستقيل".
ثم، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، سرعان ما أفسح هذا الحديث الصارم لكارتر مكانه لسلوك أكثر تجردًا. قام كارتر بتعيين هارولد براون -الذي شغل سابقًا منصب وزير سلاح الجو في إدارة ليندون جونسون وعمل ذات مرة كعالم حكومي في تطوير الأسلحة النووية، ليكون وزير دفاعه.
وأراد كارتر تعيين جورج بول وزيرًا للخارجية، ولكن في مناورات ما وراء الكواليس لعملية الانتخاب الحقيقي،(2) استخدم اللوبي الإسرائيلي حق النقض ضد بول. وتم إجبار كارتر على اختيار فانس وزيرًا للخارجية، ومتعصب الحرب الباردة، بريجنسكي، مستشارًا للأمن القومي. ولم ينفذ جوردان وعده بالاستقالة. عادة ما تكون هذه اللا-استقالات مهمة رمزيًا لأنها تشير ضمنيًا إلى أن عملية الانتخاب الحقيقي تحظى بالاعتراف والقبول المخلص من الجميع.
بعد ذلك، سرعان ما استشهد كارتر بجميع التهديدات الخطيرة المعتادة التي يشكلها الاتحاد السوفياتي للأمن القومي للولايات المتحدة. بالنسبة لسنة 1978، وهي السنة المالية الأولى تحت إشرافه على الميزانية، طلب 118 مليار دولار للإنفاق الدفاعي.
وهو مبلغ زهيد وفقًا لمعايير اليوم، لكنه كان أكثر بنسبة 25 في المائة من المبلغ الذي تعهد كارتر بتخصيصه للدفاع كمرشح. وبحلول كانون الأول (ديسمبر) من العام 1978، كان كارتر يتباهى على الملأ بأنه تحت قيادته، "ارتفع الإنفاق الدفاعي بالدولارات الحقيقية. لقد عوضنا عن معدل التضخم ثم أضفنا إليه".
لقد ابتلع كارتر، العالم النووي السابق، وجميع وسائل الإعلام الرئيسية تقريبًا الفكرة المجنونة عن "الضعف" النووي الأميركي أمام ضربة استباقية يوجهها الاتحاد السوفياتي.
في أوائل العام 1978، كانت مجلة "تايم" تسأل: "هل تستطيع الولايات المتحدة الدفاع عن نفسها"؟ وذكرت المجلة أن خبراء الدفاع البارزين في البلاد كانوا متفقين على نطاق واسع على عدد من المسائل الرئيسية: أن "الحشد العسكري النووي والتقليدي السوفياتي المستمر ينذر بالسوء باطراد، وقد يعرض للخطر ميزان القوى الدقيق الذي ردع الحرب النووية... قد لا تكون مفاوضات نزع السلاح مثل ’محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية‘ (SALT) قادرة، في حد ذاتها، على الحفاظ على التوازن بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي".
وانهار كارتر، وانتصر صاروخ "إم. إكس"،(2) الابن المدلل لهارولد براون.
بحلول وقت انطلاق الحملة الرئاسية للعام 1980، كان كارتر وريغان يتنافسان مع بعضهما بعضا على مَن هو الذي يمكنه الوعد بأكبر قدر من السخاء الفيدرالي للجيش، تمامًا مثل الجحافل الرومانية القديمة التي كانت تبيع العرش لمن يدفع أعلى سعر. في الواقع، كانت تعهدات كارتر بالإنفاق على الأسلحة في المستقبل أكبر مما اقترحه ريغان وفاز به في طفرة الأسلحة المستمرة في الثمانينيات.
كان كارتر، بعد كل شيء، هو الذي عزز "الحرب الباردة" الجديدة، وجعل الجلاوزة الأرجنتينيين يدربون عصابات "الكونترا"، وقبل كل شيء، جر الولايات المتحدة إلى مستنقع أفغانستان.
في العام 1978، استولت حكومة علمانية تقدمية على السلطة في أفغانستان وأصدرت مرسومًا يقضي بالتعليم الشامل للنساء وحظر زواج الأطفال. وبحلول أوائل العام 1979، كان كارتر يضع خططًا مع باكستان وعرب أغنياء متشددين والصين لتسليح المجاهدين وأمراء الحرب القبليين في أفغانستان للإطاحة بالحكومة ومحاولة جذب الاتحاد السوفياتي إلى حومة القتال.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 1979، بعد طلبات متكررة من الحكومة الأفغانية الجديد، أرسل الاتحاد السوفياتي قوات لمحاربة تمرد الأصوليين. وبذلك أطلقت وكالة المخابرات المركزية أكثر عملية في تاريخها تكلفة لتدريب وتجهيز هؤلاء الأصوليين وأمراء الحرب.
(كان نيكسون يشرب الخمر بشراهة، وكذلك فعل فورد. أما جيمي كارتر، الأخلاقي المتعالي، فأدخل رياضة الجري إلى عالم السياسة الدولية. في الأيام الخوالي، كان العظماء يقفون في الولائم أمام الموائد ويرتشفون كؤوسًا من الخمور الملتهبة. أما اليوم، فإنهم يركضون بملابسهم الداخلية. من يقول إن هناك تقدمًا في شؤون البشرية)؟
يتعجب الناس من حماقة جوائز نوبل هذه، لكنّ هناك أسلوبًا في هذا الجنون، لأنها في النهاية تدرب الناس على القبول بالعبثية والغرابة من دون إزعاج أو احتجاج باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الحالة الإنسانية، والتي يجب أن يقبلوها على أنها تمثل الرأي المدروس لأناس عقلانيين، وإن كانوا نرويجيين. إنها تطوُّر لـ"أسطورة ألغر"، التي تلهم ألشباب: يمكنك أيضًا أن تقتل الفلبينيين، أو الفلسطينيين، أو الفيتناميين أو الأفغان، ومع ذلك تفوز بجائزة السلام. هذه هي جرأة الأمل في أقصى تجلياتها.
بطبيعة الحال، لا ينبغي لأحد أن يأخذ هذه الجوائز بجدية كبيرة. إن الجوائز الممنوحة لشخصيات ليبرالية، مثل كارتر وأوباما، هي هدايا من معاقل الرأسمالية، تهدف إلى طمأنة المشككين إلى أن الإمبراطورية في زوج من الأيدي الأمينة.
*جيفري سانت كلير Jeffrey St. Clair: صحفي ومؤلف وناشط بيئي أميركي اشتهر بعمله كمحرر مشارك لمجلة "كاونتربنش"، وهي منصة رائدة في مجال الصحافة الاستقصائية المستقلة. يركز في أعماله الصحفية على القضايا البيئية والسياسة الخارجية الأميركية والفساد السياسي، وغالبًا ما ينتقد كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة. شارك في تأليف العديد من الكتب مع ألكسندر كوكبيرن.
*ألكسندر كلود كوكبيرن Alexander Claud Cockburn: صحفي سياسي أميركي. نشأ في أيرلندا لكنه عاش وعمل في الولايات المتحدة منذ العام 1972. قام، إلى جنب جيفري سانت كلير، بتحرير النشرة الإخبارية السياسية "كانتربنش". وكتب للعديد من الصحف والمجلات الأميركية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Jimmy Carter and the Uses of the Nobel Peace Prize
هوامش المترجم:
(1) في سياق التعيينات الحكومية الأميركية، تعني عبارة "the real election" أن عملية اختيار أعضاء الإدارة التنفيذية، مثل الوزراء والمسؤولين الرئيسيين، تعد في الواقع الاختبار الحقيقي للاتجاه السياسي للإدارة الجديدة. يشير المصطلح إلى أن هذه التعيينات تحدد بشكل كبير السياسات والأولويات المستقبلية للإدارة، حيث تؤثر بشكل أعمق من مجرد التصريحات العامة للحملة الانتخابية أو الخطابات السياسية.
(2) صاروخ MX (أو مينيتمان إكس): صاروخ باليستي للقارات، قامت بتطويره الولايات المتحدة خلال فترة الحرب الباردة. وكان الصاروخ "إم. إكس" جزءًا من برامج الدفاع الأميركية في تلك الفترة، ويعد من أحد الأسلحة النووية الاستراتيجية التي تم نشرها في قواعد تحت الأرض، وتم تصميمه ليكون قادرًا على حمل رؤوس نووية وضرب أهداف بعيدة، بما في ذلك داخل الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت.
(3) تشير "أسطورة ألغر" Alger myth إلى السرد الثقافي والأيديولوجي المستوحى من أعمال هوراشيو ألغر الابن، وهو كاتب أميركي في القرن التاسع عشر اشتهر بقصصه التي تصور الانتقال "من الفقر إلى الثراء". غالبًا ما تضمنت روايات ألغر شخصيات شابة تنتقل من الفقر إلى النجاح والغنى من خلال العمل الجاد، والعزيمة، والنزاهة الأخلاقية. تكمن "الأسطورة" في التبسيط المفرط لهذا السرد وتجميله بحيث يوحي بأن أي شخص في أميركا يمكنه تحقيق التقدم الاجتماعي والازدهار بغض النظر عن نقطة البداية، شريطة أن يتحلى بالفضائل الشخصية اللازمة.
اقرأ المزيد في ترجمات:
فرصة لهزيمة الرؤية الإيرانية للمنطقة - وتعزيز الرؤية الأميركية
0 تعليق