ضريبة الدخل بين ما يراه أفراد المجتمع وما تخطط له الحكومة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من الصعوبة تحديد تاريخ فرض الضرائب على الأفراد في العصر الحديث، ولكن يمكن القول بأن المملكة المتحدة تعَد أول دولة في العالم فرضت ضريبة على الدخل الفردي والذي كان في عام (1842). في الجانب الآخر فإن فرنسا تأخرت عنها بما يصل إلى خمس وسبعين سنة بسبب إلغائها عدة مرات أو الفشل في المصادقة على فرض الضريبة على مواطنيها، إلا أنه في النهاية تمت المصادقة عليها من البرلمان في عام (1917) تقريبا. هذا قد يعطي مؤشرا بأن قبول أفراد المجتمع للضرائب لم يكن سهلا. عليه فإن توجه الحكومة في سلطنة عُمان، نحو فرض ضريبة الدخل على الأفراد ذوي الدخل المرتفع لم يأت بمحض الصدفة؛ فهناك دراسات استشارية واقتصادية ومالية للتنبؤ بالآثار الإيجابية والسلبية التي قد تنجم عن ذلك. أيضا فرض ضريبة الدخل خُطط لها في برنامج التوازن المالي ليتم تطبيقها في عام (2022)، إلا أن الجهات المالية والاقتصادية بالدولة ارتأت تأجيل تطبيقها لإعطاء المشروع مزيدا من الوقت والدراسة.

بيد أن تحويل قانون الضريبة إلى مجلس عُمان يعطي دلالة بأن المشروع أخذ مساره التشريعي، وبالتالي، تتبقى مسألة المدة الزمنية التي يتم فيها التطبيق، كما أن ما توصل إليه مجلس الشورى والدولة من توصيات حيال مشروع القانون، يتضح بأن مجلس الدولة كان أكثر عمقا وتحليلا للقانون عنه من مجلس الشورى المنتخب من أفراد المجتمع، من حيث الطرح الاقتصادي والنظرة الشمولية للتأثيرات التي قد تنجم من تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد بصفة خاصة، وعلى الاقتصاد الوطني بصفة عامة، الأمر الذي أدى إلى قيام مجلس الدولة التصويت بتأجيل تطبيق مشروع القانون. مع العلم بأن كلا المجلسين سلطتهما التشريعية تتمثل في إبداء الملاحظات والتوصيات.

التخطيط الحكومي لفرض ضريبة الدخل على الأفراد هو محاولة لتنويع الإيرادات العامة وتقليل الاعتماد على النفط والغاز اللذين لا زالا يمثلان أكثر من نصف الإيرادات السنوية بالميزانية العامة للدولة، والنفط والغاز وإن كانا يدران دخلا سنويا فهما معرضان للنضوب بعد مدة من الزمن حيث يعتمد ذلك على كميات الاحتياطيات القابلة للاستخراج. أيضا تأثر أسعار النفط بالتداعيات السياسية خاصة صعوبة التكهن بالمستوى الذي من الممكن أن تصل إليه أسعار النفط بعد فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنصب الرئاسة. كما أن كثيرا من المحللين يرون بأن ضريبة الدخل تعمل على إيجاد نوع من العدالة والإنصاف بين أفراد المجتمع لأنها تفرض على الدخول المرتفعة بينما لا يدفع أصحاب الدخول المتوسطة أو المنخفضة والتي يُقدر دخلها بما لا يزيد على ثلاثين ألف ريال سنويا للضريبة. أيضا فرض ضريبة الدخل يأتي متسقا مع مستهدفات «رؤية عمان 2040» إذ إن المخطط الزمني بأن تكون مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز (90%) بحلول عام (2040).

إلا أن تحديات فرض ضريبة الدخل على الأفراد ليس في مسألة أن التوقيت غير مناسب ولكن للتداعيات التي قد تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني والذي -بالكاد- بدأ يخرج -شيئا فشيئا- من مرحلة التعافي من الأزمات الاقتصادية السابقة الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وأزمة -كوفيد 19- والديون العامة التي ما زالت ترهق فوائدها الميزانية العامة بشكل سنوي، كما أن إعادة هيكلة جهاز الضرائب عن طريق إيجاد مديرية عامة للامتثال الضريبي يوحي بأن مسألة التهرب الضريبي مسألة جوهرية عند فرض الضرائب على الدخول الفردية. حيث إن الأفراد بطبيعتهم السيكولوجية يحاولون البحث عن مخارج قانونية وغير قانونية لتجنب دفع الضريبة وهذا مشاهَد حتى في الدول التي لها خبرة طويلة في تطبيق الأنظمة الضريبية.

أيضا فإن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت تتوافق في أغلب القوانين وخاصة الاقتصادية والمالية كما حدث في ضريبة القيمة المضافة وذلك اتساقا مع التوجهات المستقبلية في إقامة السوق الخليجية المشتركة وبالتالي، قيام دولة معينة بفرض ضريبة على الأفراد قد لا يخدم ذلك التوجه من الناحية الاقتصادية والاستثمارية، كما أن الاستثمار الخارجي ومسألة التنافس في جذب رؤوس الأموال الأجنبية تسير بخطى سريعة على المستوى الإقليمي كما هو مشاهد في دول المجلس. وبالتالي، قد تكون لفرض ضريبة الدخل على الأفراد تأثيرات سلبية في إضعاف الميزة التنافسية التي تتمتع بها سلطنة عمان من الاستقرار السياسي والموقع الجغرافي وبالتالي، فإن الشركات أو المستثمرين قد يوجهون استثماراتهم للدول التي لا تُفرض بها ضريبة الدخل على الأفراد. أيضا الانفتاح والتكامل الاقتصادي والمالي بين دول المجلس الذي يتيح حرية تنقل الأموال بين أسواق دول المجلس بصورة سريعة ودون قيود، قد يؤدي إلى تضرر بيئة الاستثمار المحلي بسبب هروب رأس المال النقدي كنتيجة مباشرة لفرض الضريبة.

عليه نرى بأن التوجه إلى أفراد المجتمع -وإن كانوا من ذوي الدخول المرتفعة- لتغطية برامج الحماية الاجتماعية قد لا يتوافق مع سياسات ترشيد الإنفاق والاستدامة المالية التي أعطت مؤشرات جيدة، وبالتالي، الاستمرار في هذا النهج قد يعوض الإيرادات المتوقعة من ضريبة الدخل على الأفراد. كما أن ضريبة الدخل ليست كضريبة القيمة المضافة التي تدفع -تلقائيا- وقت الحصول على السلعة أو الخدمة، ضريبة الدخل بحاجة إلى أدوات رقابية ولوائح تنظيمية ذات فاعلية، كما تحتاج إلى أنظمة إلكترونية ذات تكاليف مالية وبرامج توعوية لأفراد المجتمع لنشر مفاهيم الأهداف الوطنية من فرض الضريبة ومتابعة الامتثال للخاضعين لها.

الجانب الآخر وحسب ما نشر بوسائل الإعلام عقب جلسات مجلس عُمان من بيانات أولية عن الضريبة، فإن الإيرادات المتوقع تحصيلها تصل إلى (276) مليون ريال سنويا، والذي يعَد أقل بكثير عن ضريبة القيمة المضافة والتي تبلغ إيراداتها السنوية (400) مليون ريال تقريبا، وهذا لأن المخاطبين بدفع الضريبة يمثلون تقريبا (1%) من عدد السكان. هذا العدد من الخاضعين للضريبة يعطي انطباعا بأن غالبية السكان هم من فئة متوسطي أو محدودي الدخل، وبالتالي، التأثير الضريبي يتجه لذوي الدخول المرتفعة.

نختم بالقول إن تصريح معالي وزير المالية أثناء استعراض مؤشرات الميزانية العامة للدولة قد يكون مطمئنا، بأن الضريبة لن تطبق في عام (2025) ومسألة تطبيقها يكون في حال أن الظروف تسمح بذلك، يعكس عمق العلاقة بأن ما تخطط له الحكومة من ضرائب، وبين ما يراه أفراد المجتمع حيال الضريبة هو محل دراسة وعناية، كما أن من أهداف تطبيق مثل هذه الضرائب هو إيجاد نظام ضريبي متكامل يحاول سد الثغرات في مسألة التهرب الضريبي والتي أصبحت تأن منها كثير من الدول، لذا فليهنأ أصحاب الدخول المرتفعة فإن ضريبة الدخل لن تطول أموالهم -على أقل تقدير- هذا العام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق