حزب الله يكافح لحفظ مكانته في لبنان

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بقلم: تسفي برئيل

"نحن نضبط أنفسنا، لكن ذلك لا يعني أننا سنضبط أنفسنا خلال الستين يوما (وقف إطلاق النار). ربما أن الصبر سينفد قبل انتهاء الستين يوما وربما سيستمر"، هذا ما أعلنه السبت الماضي الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم. أول من أمس رد عليه وزير الدفاع إسرائيل كاتس بتهديد وقال: "الشرط الرئيسي لتنفيذ الاتفاق هو الآنسحاب الكامل لحزب الله إلى شمال نهر الليطاني ونزع سلاحه وازالة البنى التحتية للمقاومة من قبل الجيش اللبناني. هذا الأمر لم يحدث حتى الآن". وأوضح كاتس بأنه إذا لم ينسحب حزب الله فإنه "لن يكون اتفاق". وقد انضم إلى تبادل التهديدات هذا تقارير حول نية إسرائيل البقاء في الأراضي اللبنانية بعد الستين يوما، في حين أنهم في حزب الله يوضحون "بأن الحزب قام باستعادة قدرته وهو مستعد لمواجهة أي مس بأراضي لبنان".اضافة اعلان
المفهوم الأساسي في هذا الحوار هو "الخروقات" التي يتمسك كل طرف بها لإثبات براءته، ولكنها يمكن أن تدهور الاتفاق إلى درجة الآنهيار. لبنان قدم في الأسبوع الماضي قائمة تشمل 800 حالة، التي حسب رأيه ينطبق عليها تعريف خرق الاتفاق، من بينها هجمات لإسرائيل على مواقع في قرى جنوب لبنان، استمرار تواجد إسرائيل في 60 قرية في جنوب لبنان، منع عودة 160 ألف شخص إلى بيوتهم والمس ببرج مراقبة الجيش اللبناني ومنشآت تابعة لقوة اليونفيل.
إسرائيل من ناحيتها اوضحت بأن مهاجمة أهداف في لبنان هي في إطار مبدأ "الدفاع عن النفس"، الذي تقرر في الاتفاق، والذي بحسبه هي مخولة بالعمل في أراضي لبنان كلما ظهر تهديد على أمنها وطالما أن الجيش اللبناني لا يستطيع مواجهة هذا التهديد. ولكن حسب ادعاء مصادر لبنانية فان الجيش اللبناني غير قادر على العمل في المناطق التي يوجد فيها الجيش الإسرائيلي، والنتيجة هي عملية خطيرة فيها إسرائيل بمجرد تواجدها تمنع انتشار الجيش اللبناني وتوفر لنفسها مبررا ثابتا للاستمرار في العمل في لبنان، وهكذا فهي تعيق تنفيذ الاتفاق.
مصدر عسكري إسرائيلي شرح أمس للصحيفة بأن "قدرة الجيش اللبناني محدودة. وهو لم يجند بعد آلاف الجنود الذين يمكنهم استكمال الآنتشار في جنوب لبنان. ولكن بالأساس نحن لا نشاهد أي استعداد جدي لتفكيك البنى التحتية لحزب الله أو جمع سلاحه". على سؤال هل الهدف هو جمع كل بندقية وكل باغة رصاص موجودة في جنوب لبنان، وما الذي سيعتبر إثبات جدية لبنان لنزع سلاح حزب الله، أجاب المصدر الإسرائيلي: "في هذه الاثناء لا يوجد أي قرار يحدد إلى أي مستوى النزول في جمع السلاح أو تفكيك البنى التحتية. جنوب لبنان، ولبنان بشكل عام، هو مخزن كبير للسلاح، وليس فقط لحزب الله. يوجد سلاح أيضا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ولدى المواطنين العاديين يوجد "سلاح شخصي". نحن ندرك أن قرار جمع قطع السلاح يعني بأنه يجب على الجيش الإسرائيلي التواجد في لبنان لأشهر كثيرة اذا لم يكن لسنوات. لذلك، نحن نركز على السلاح الثقيل، الرساسات ومخازن سلاح حزب الله والعثور على الآنفاق، وبالأساس نتطلع إلى رؤية نشاطات اكثر تصميما وكثافة من قبل الجيش اللبناني".
عمليا، غياب تحديد اهداف دقيقة، أو استخدام المفهوم الغامض "تدمير البنى التحتية"، تعطي إسرائيل مجال مرونة واسع للعمل، على الاقل حتى انتهاء الستين يوما الأولى من وقف إطلاق النار. هذا من خلال الاستنتاد إلى افتراض أنه طالما أن إسرائيل لا تهاجم اهداف لحزب الله في عمق الدولة فان الحزب لن يرغب في شن جولة جديدة.
حرية العمل هذه يمكن أن تعمل على تآكل شرعية الاتفاق في الجانب اللبناني، حيث حزب الله، الذي صادق على الاتفاق، يظهر الصبر وضبط النفس الذي يعطيه حكومة لبنان. لكنه يقول ايضا، كما اوضح قاسم، بأنه يجب على الحكومة اللبنانية المطالبة بحقوقها التي توجد في الاتفاق والعمل على وقف خروقات إسرائيل. أي أنه اذا لم تنجح الحكومة اللبنانية في فرض على إسرائيل تطبيق الاتفاق، فان حزب الله سيضطر هو نفسه إلى الدفاع عن الدولة، هذه المرة ليس من اجل أهداف خارجية مثل الحرب في غزة أو كخدمة لإيران، بل كعملية وطنية.
 حسب رؤية حزب الله فان عجز الحكومة اللبنانية أمام تهديد إسرائيل سيثبت مرة اخرى ضرورة احتفاظ الحزب بسلاحه، ويؤكد على أن المطالبة بنزع سلاحه ليس فقط في جنوب لبنان، بل في كل أرجاء لبنان كما ينص القرار 1701، تعرض أمن الدولة للخطر. وللتأكيد على ادعائه فان حزب الله يقول للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني بأنهم بدأوا السنة الجديدة باستعراض تنافسي يعرضون فيه الخضوع للرعاية الأميركية وشروط إسرائيل ويقدمون وثائق الاعتماد لواشنطن"، حسب ما كتب في مقال ابراهيم الأمين، محرر صحيفة "الاخبار" المقربة من حزب الله.
الأمين تطرق إلى الحادثة مساء يوم الخميس الماضي في مطار بيروت، التي فيها رجال أمن المطار قاموا بتفتيش دقيق لطائرة وصلت من إيران، للاشتباه بأنه يتم تهريب فيها أموال لحزب الله. وقد كان في الطائرة دبلوماسي إيراني، رفض في البداية السماح بتفتيش حقائبه. ولكن في نهاية المطاف تبين أنه لم يكن فيها أي شيء مشكوك فيه. في الحقيقة هذه ليست المرة الاولى التي فيها رجال أمن المطار يقومون بتفتيش طائرة إيرانية. فقد كانت حادثة مشابهة في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) عندما وصل إلى بيروت مستشار علي خامنئي، لكن في حينه أرسل حزب الله مئات المتظاهرين إلى المطار للاحتجاج على التفتيش. يبدو أن هذه حادثة هامشية بعيدة عن المواجهات الدموية في 2008، حيث في حينه قررت الحكومة حل شبكة الاتصال المستقلة لحزب الله وإقالة رئيس قسم الأمن في المطار بسبب علاقته مع الحزب والاشتباه بأنه قام بتركيب كاميرات مراقبة لمتابعة مدرج اقلاع. حتى الآن استعراض القوة هذا يمكن أن يشير إلى نية حزب الله إدارة صراع على أي محاولة للمس بموارده المدنية والعسكرية. ناهيك عن المطالبة بنزع سلاحه في كل ارجاء الدولة، والتأكيد على شرعية سلاحه.
هذا لا يعد فقط نضالا للحفاظ على قوته العسكرية. فهو يتعلق بترميم مكانته السياسية وفي اوساط الجمهور، التي تآكلت بشكل كبير نتيجة الحرب. اختبار القوة السياسية الأكثر أهمية، يتوقع أن يحدث يوم الخميس القادم عندما سيعقد رئيس البرلمان نبيه بري جلسة لانتخاب رئيس الدولة، التي منذ تشرين الأول (نوفمبر) 2022 ليس لها رئيس يتولى منصبه. لا يوجد أي يقين بأن البرلمان، إذا تم عقده حقا، سينجح في انتخاب مرشح متفق عليه من بين المرشحين الستة. هذا المرشح بحاجة إلى ثلثي أصوات اعضاء البرلمان في التصويت الاول، واذا فشل فسيكون بحاجة إلى أغلبية مطلقة تقدر بـ65 صوتا. لا يمكن المبالغة في أهمية انتخاب الرئيس الذي من صلاحيته تعيين رئيس حكومة ثابت، وهي العملية الحيوية للبدء في عملية إعادة اعمار لبنان وانقاذه من الازمة الاقتصادية الشديدة المستمرة منذ خمس سنوات.
حزب الله أيد حتى الآن مقربه ومؤيده سليمان فرنجية. خصومه طرحوا عدة مرشحين من بينهم قائد الجيش جوزيف عون. ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي يطالب بنزع سلاح حزب الله، رشح نفسه. يوجد لعون غطاء دعم خارجي واسع يشمل، ضمن آخرين، الولايات المتحدة، السعودية وفرنسا، الذي يعتبر وعدا كبيرا لتنفيذ القرار 1701 واعادة اعمار الدولة.
المفاجأة هي أنه في نهاية الأسبوع الماضي أعلن حزب الله بأنه لن يستخدم الفيتو ضد ترشح عون خلافا لموقفه السابق. هذا الإعلان لا يضمن حتى الآن انتخابه، حيث يوجد عائق قانوني بحاجة إلى التعديل اذا تم انتخابه، لأنه ما زال قائدا للجيش. ولكن في الإعلان حزب الله قدم نفسه كمن يعمل من اجل مصالح لبنان، وأنه لن يشكل أي عائق أمام عملية انتخاب الرئيس. وإذا لم يتم انتخاب رئيس فإن ذلك لن يكون ذنبه. في المقابل، إذا تم انتخاب عون فإن حزب الله يمكنه تحقيق لنفسه مكاسب سياسية على اعتبار أنه ساعد على انتخابه، وسيستخدمه لتعزيز مكانته في الحكومة الدائمة التي سيتم تشكيلها. وبالتالي، يمكن لحزب الله مواصلة التأثير بشكل جوهري في سياسة لبنان، بما في ذلك تطبيق القرار 1701 وفي أي اتفاقيات مستقبلية أخرى مثل ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق