يناير 7, 2025 6:02 م
- وثقنا الروايات الشفوية والصور والوثائق لإعادة تشكيل ذاكرة العائلة الفلسطينية كجزء من الهوية الوطنية
- صنفنا وبوبنا آلاف الوثائق الفلسطينية من العائلات أو الأرشيفات والمكتبات فنشرنا 26,000 وثيقة
- أخذنا على عاتقنا إحياء الذاكرة الفلسطينية عبر محور العائلة الذي استهدفه العدو لتشويه جذوره وهويته
- نخطط لإطلاق منصة جديدة متخصصة بنشر آلاف الوثائق الفلسطينية وفق تصنيف علمي دقيق
- نسعى لتوسيع النطاق الجغرافي للعمل الميداني ليشمل البلدان التي يتواجد فيها الشتات الفلسطيني
- سنركز على توثيق عائلات قطاع غزة خاصة تلك المتعرضة لإبادة ومسح من السجل المدني بفعل العدوان
السبيل – حاوره: أحمد الحاج علي
14 عاماً على إطلاق مشروع “هوية” التي خاضت صراعاً على الذاكرة، وإحياء زوايا مهمة من هذه الذاكرة، ولعبت دوراً من خلال جمع الوثائق التي كادت تندثر. “السبيل” التقت المشروع الوطني “هوية”، وكان الحوار التالي:
- كيف نشأت فكرة “هوية”؟
جاءت فكرة تأسيس مشروع “هوية” عندما قام أحد الأصدقاء بجمع شجرة عائلته الفلسطينية، وعند إنجازها أشار إلى إمكانية توظيف فكرة شجرة العائلة الفلسطينية لتتجاوز البعد العائلي والاجتماعي إلى بعد وطني أوسع. كان لهذا الطرح وقع كبير، فأدركنا أن شجرة العائلة يمكن أن تكون مفتاحًا لإعادة سرد رواية الشعب الفلسطيني بطريقة تعزز الذاكرة الوطنية.
بدأنا البحث بجدية في المكتبات وعلى شبكة الإنترنت عن هذا العنوان، فاكتشفنا اهتمامًا كبيرًا به بين الفلسطينيين. وجدنا العديد من الجهود الفردية؛ لكن هذه الجهود كانت متفرقة ولا تخدم مشروعًا وطنيًا موحدًا.
من هنا بدأت تتبلور فكرتنا: لماذا لا يتحول هذا العمل الفردي إلى مشروع وطني شامل يربط كل عائلة فلسطينية بتاريخها، ويروي قصتها من جذورها في فلسطين، مرورًا بما عانته من تشريد، وصولًا إلى حاضرها؟ تحولت الفكرة إلى مشروع وطني وبدا نشاطه عام 2011، ولم يقتصر العمل على جمع شجرة العائلة فقط، بل توسع لتوثيق الروايات الشفوية، الصور، الوثائق التاريخية، وكل ما يمكن أن يعيد تشكيل ذاكرة العائلة الفلسطينية كجزء من الهوية الوطنية.
- للبداية صعوبات، ما أهم هذه الصعوبات في البدايات؟
مع انطلاقة المشروع واجهنا العديد من الصعوبات والتحديات التي تطلّبت جهودًا استثنائية للتغلب عليها. أولاً، كنا نتعامل مع عدد ضخم جدًا من العائلات الموزعة بين فلسطين ودول الشتات، ما جعل عملية التواصل والإنجاز تتسم بالتعقيد.
من أبرز التحديات التي واجهناها أيضًا، كان إقناع الناس بالتجاوب مع المشروع؛ فاللاجئون الفلسطينيون يحملون عادةً تخوفات طبيعية تجاه مشاركة وثائقهم أو بياناتهم الشخصية، نظرًا لكثرة المشاريع التي تستهدف اللجوء الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، لاحظنا أن الشريحة العمرية التي عايشت نكبة عام 1948 وما زالت تحمل وعيًا حقيقيًا بخلفيات تلك الأحداث بدأت بالتناقص مع مرور الزمن، مما زاد من صعوبة توثيق الروايات والشهادات التاريخية.
لتجاوز هذه التحديات، لجأنا إلى حلول مبتكرة كان أبرزها الاعتماد على العمل الإلكتروني، فأطلقنا موقع “هوية” الإلكتروني كبوابة للتواصل مع العائلات داخل فلسطين وخارجها، مما سهّل علينا تجاوز الحواجز الجغرافية والزمنية. كما ساعدتنا الوسائل التقنية الحديثة على إجراء مقابلات مع شهود النكبة عن بُعد، بدلًا من التنقل بين المناطق، مما وفّر الوقت والجهد.
أما فيما يتعلق بالتعامل مع العدد الكبير من العائلات، فقد أدركنا منذ البداية استحالة إدارة هذا الكم الضخم كفريق صغير. لذلك، ابتكرنا برنامجاً لتدريب الشباب والشابات على مهارات التوثيق للعائلة. وبهذا الأسلوب، تمكنا من بناء شبكة واسعة من المتطوعين المدربين، الذين ساهموا بفعالية في تحقيق أهداف المشروع وتجاوز الكثير من الصعوبات اللوجستية.
- ما هي أهم المنجزات؟
يمكننا القول إننا حققنا إنجازات كبيرة في مجال توثيق العائلة الفلسطينية خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، من خلال برامج عمل واضحة ومحددة.
في برنامج الذاكرة الشفوية، وثّقنا شهادات أكثر من 1200 شخصية من شهود النكبة، رجالاً ونساءً، من عشرات المدن والقرى الفلسطينية. أما في مجال شجرات العائلة، فقد جمعنا ما يزيد على 6300 شجرة عائلة.
وفي جمع الصور، وثّقنا حوالي 6,000 صورة لبلدات فلسطينية، وأكثر من 32,000 صورة لعائلات فلسطينية، من بينها ما يزيد على 5,000 صورة لشهود النكبة ضمن مشروع “بنك صور شهود النكبة”.
أما في جمع الوثائق الفلسطينية، فقد عملنا على تصنيف وتبويب آلاف الوثائق التي جمعناها من العائلات أو من الأرشيفات والمكتبات، ونشرنا أكثر من 26,000 وثيقة على موقعنا الإلكتروني.
إلى جانب التوثيق، قمنا بتنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات، مثل “يوم القرية الفلسطينية”، وإطلاق برامج إعلامية تستند إلى الوثائق التاريخية.
- الصراع على الذاكرة صراع محتدم، هل استطاع “هوية” أن يكون عنصراً فاعلاً في هذا الصراع؟
منذ انطلاقة مشروع “هوية”، تعاملنا مع الصراع مع العدو الصهيوني كصراع على الهوية والذاكرة الفلسطينية، في مواجهة محاولاته المستمرة لطمس معالم التاريخ والرهان على نسيان الأجيال الجديدة. أخذنا على عاتقنا إحياء الذاكرة الفلسطينية من خلال محور العائلة، الذي استهدفه العدو لتشويه جذوره وهويته.
عملنا بمنهجية واضحة على توثيق تاريخ العائلات الفلسطينية، وجمع الشهادات والصور والوثائق، مما شكّل عملاً مضادًا لجهود العدو في طمس الهوية. وبعد سنوات من العمل، تمكنّا من حجز مكانة متقدمة في هذا الميدان، وأصبح مشروع “هوية” مرجعًا رئيسيًا – بل ربما الوحيد – الذي ركّز على توثيق العائلة الفلسطينية بشكل منهجي ومنظم، ما ساهم في تقديم رواية متكاملة مدعومة بالشواهد والوثائق لعدد كبير من العائلات، في مواجهة الرواية الصهيونية المزيفة.
- لعبتم دوراً مهماً في تفعيل العلاقة مع الشعوب المجاورة لفلسطين، حبذا لو تحدثنا عن هذا الدور؟
استطاعت “هوية” من خلال عملها في مجال التوثيق أن تعزز الروابط مع الشعوب المجاورة لفلسطين، مستندة إلى العلاقات التاريخية التي جمعت فلسطين بأبناء سوريا ولبنان والأردن وغيرها. فقد كانت فلسطين موطناً احتضن الكثير من العائلات العربية التي قدمت إليها للعمل والإقامة.
عبر توثيق الوثائق التاريخية وسجلات النفوس العثمانية، قدمت “هوية” خدمات لعائلات من البلدان المجاورة ساعدتهم على بناء شجرات عائلاتهم، حيث وُجدت بياناتهم محفوظة ضمن سجلات النفوس العثمانية. كما استخرجت “هوية” وثائق مهمة مثل بطاقات الهوية الفلسطينية، رخص العمل، وشهادات الجنسية الفلسطينية لعائلات لبنانية وسورية كانت مقيمة في فلسطين قبل النكبة.
إعادة تسليم هذه الوثائق للعائلات في زيارات مباشرة عززت مشاعر الانتماء لفلسطين، وأحيت الروابط التاريخية بين هذه الشعوب وفلسطين كجزء من الهوية العربية المشتركة.
- جمعكم لعائلات فرقتها النكبة كان لافتاً، كيف استطعتم تحقيق ذلك؟
تمكنت “هوية” من خلال برامجها المتنوعة، مثل شجرة العائلة والذاكرة الشفوية وجمع الصور، من إعادة وصل عائلات فلسطينية فرّقها الاحتلال والنكبة. فقد ساهمت المنصة الإلكترونية في جمع أفراد من نفس العائلة يعيشون في بلدان متفرقة، من خلال الاشتراك في بناء شجرة عائلتهم.
كما تمكن تمكّن أفراد من عائلة الخليل في الناصرة من التعرف على جدتهم التي هجّرت إلى لبنان عام 1948، بعد مشاهدة فيلم وثائقي عبر موقع “هوية”. وكذلك استعادت عائلة زعطوط من طيرة حيفا التواصل بين فرعها في لبنان والفرع الذي بقي في حيفا، بفضل نشر شجرة عائلة أحد شهود النكبة.
وفي بعض الحالات، كانت صورة واحدة كفيلة بإعادة التواصل بين عائلتين فرق بينهما الاحتلال لعقود. هذه نماذج عن إنجازات لم تكن مجرد أعمال توثيقية، بل محطات إنسانية أعادت وصل الروابط العائلية، وأكدت أن الذاكرة والعمل التوثيقي قادران على تجاوز حدود الزمن والمسافات.
- لديكم أرشيف من الوثائق المعروضة، ما هو حجمها، وكيف تحافظون عليها، وهل يمكن الولوج إلى هذا الأرشيف؟
عملت “هوية” خلال السنوات الماضية على جمع كمٍ هائل من الوثائق التاريخية الفلسطينية، من خلال التواصل المباشر مع العائلات التي احتفظت بوثائقها لعقود، والاستفادة من أرشيفات دولية ومكتبات كبرى. تمكنّا من جمع عشرات الآلاف من الوثائق، وأعدنا تصنيفها وتبويبها، ونشرنا أكثر من 26,000 وثيقة على الموقع الإلكتروني ضمن نافذة “مركز الوثائق الفلسطيني – وثيقة”، ويمكن لكل المهتمين والباحثين الوصل إليها والاستفادة منها بسهولة.
كما خصصنا برنامجًا إعلاميًا بعنوان “البلد بلدنا”، يسلط الضوء على قضايا فلسطينية متنوعة بالاستناد إلى هذه الوثائق. هذا العمل المستمر يهدف إلى حماية الهوية الوطنية وترسيخها، مع توسيع قاعدة المعرفة التاريخية لفلسطين.. ولا يزال بين أيدينا الآلاف بين الوثائق التي يتم فرزها وتصنيفعا ونشرها على المنصات أولاً بأول.
- ما هي أبرز المشاريع المستقبلية؟
الطموحات كبيرة، ونسعى دائماً أن تكون هذه الذاكرة الوطنية دافعاً للأجيال للتمسك بهويتها وحقها في موطنها، ونجتهد في المستقبل القريب على إنجاز عدد من الخطوات العملية،منها:
1. إطلاق منصة جديدة “مركز الوثائق الفلسطيني – وثيقة”، متخصصة بنشر آلاف الوثائق الفلسطينية وفق تصنيف علمي دقيق.
2. توسيع النطاق الجغرافي للعمل الميداني ليشمل جميع البلدان التي يتواجد فيها الشتات الفلسطيني.
3. التركيز على توثيق عائلات قطاع غزة، خاصة تلك التي تتعرض لعمليات إبادة ومسح من السجل المدني بفعل العدوان الإسرائيلي منذ أكثر من 15 شهراً.
0 تعليق