كيف تغيّر مشاهد تسليم الأسرى في غزة معادلة الصراع؟

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

السبيل – كشفت مشاهد تسليم الأسرى لدى المقاومة في غزة عن أبعاد تتجاوز كونه مجرد إجراء ميداني، إذ حمل رسائل سياسية وإنسانية عميقة تعكس قوة المقاومة وتحكمها في مفاتيح التفاوض.

وبينما يحاول الاحتلال ترسيخ صورته كقوة لا تُقهر، جاء هذا المشهد ليؤكد عجزه عن فرض إرادته في أحد أكثر الملفات حساسية.

رسائل عميقة

في ذات السياق، أكد رئيس رابطة شباب لأجل القدس العالمية (فريق تطوعي مقره الكويت) طارق الشايع، أن “مشهد تسليم الأسرى في غزة يحمل دلالات عميقة تعكس طبيعة الصراع وميزان القوى، فضلًا عن البعد الإنساني والأخلاقي للمقاومة الفلسطينية”.

وأوضح أن “أبرز ما يستخلص من هذا المشهد هو أن المقاومة الفلسطينية هي صاحبة القرار في إدارة ملف الأسرى، مما يشكل إنجازًا سياسيًا وميدانيًا يؤكد قوتها وتأثيرها في المعادلة”.

وأضاف أن “الاحتلال لم يكن ليسمح بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين لولا نجاح المقاومة في فرض شروطها عبر عملياتها العسكرية وقدرتها على الاحتفاظ بأسرى الاحتلال كورقة تفاوضية”.

وأشار الشايع إلى أن “تسليم الأسرى بكرامة واحترام يبعث برسالة واضحة مفادها أن المقاومة ليست جماعة انتقامية، بل تتصرف وفق ما يمليه عليها دينها الإسلامي، حتى مع أسراها، على عكس الاحتلال الذي يمارس التنكيل والتعذيب بحق الأسرى الفلسطينيين”.

وأكّد أن “مشهد تقبيل الأسرى لرؤوس المقاومين يعكس مدى الاحترام العميق والتقدير الذي يكنّه المحررون للمقاومة، وأن الشعب الفلسطيني يرى فيها الدرع الحامي لحقوقه وكرامته”.

ولفت إلى أن “الاحتلال لطالما حاول إظهار نفسه كصاحب اليد العليا والقوة المطلقة، إلا أن هذا المشهد يعيد تأكيد حقيقة أثبتتها المقاومة مرارًا، وهي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قابل للهزيمة، ولا يستطيع فرض إرادته في كل الملفات، خاصة في قضايا الأسرى”.

وأوضح أن “كل عملية تبادل ناجحة تعزز ثقة الجماهير الفلسطينية بمقاومتها، وتبعث برسالة واضحة، أبرزها تضحيات الشعب الفلسطيني لا تذهب سدى، والمقاومة قادرة على انتزاع الحقوق رغم اختلال موازين القوى”.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن “إحضار أسرى غير مشمولين بالتسليم يحمل رسالة تفاوضية قوية، تؤكد سيطرة المقاومة الكاملة على زمام المبادرة، وقدرتها على اتخاذ قرارات مفاجئة تربك الاحتلال، وتكشف امتلاكها مزيدًا من الأوراق التي لم تُستخدم بعد”.

وأضاف أن “الاحتلال يسعى دائمًا لتصوير المقاومة على أنها تحتجز الأسرى كـ(رهائن) بلا قيمة، لكن مشهد التسليم الإنساني والمدروس ينسف هذه الدعاية، ويظهر للعالم أن المقاومة تتحرك وفق القيم الأخلاقية، بينما من يمارس القتل والتعذيب بحق الأسرى هو الاحتلال نفسه”.

إستراتيجية إنسانية متوازنة

من جاتبه، قال الخبير الاستراتيجي محمد تهامي إن “مشهد تسليم الأسرى في غزة لم يكن مجرد إجراء عسكري، بل لحظة إنسانية فارقة تعكس معاني الانتصار، القوة، الرحمة، والكرامة”.

وأضاف تهامي أن ” المشهد، حيث وقف الأسرى في صفوف متقابلة تنعكس على وجوههم آثار الزمن والانتظار، بلغ ذروته عندما اقترب أحد جنود الاحتلال من مقاتلي (القسام) وقام بتقبيل رأس أحدهم، في مشهد جسّد قيمة إنسانية تتجاوز حدود المعركة”.

وأكد تهامي أن هذه اللحظة “لم تكن عابرة، بل شكلت محطة فارقة في معركة الإرادة، حيث لم تكن مجرد تسوية على الأرض، بل تجسيدًا لمفهوم (الاستراتيجية الإنسانية المتوازنة)، التي تجمع بين القوة والرحمة في إدارة الصراعات، وتوفر إطارًا يمكّن الدول والجماعات من الحفاظ على سموها الأخلاقي، بجعل البعد الإنساني جزءًا أساسيًا من استراتيجيات النجاح”.

وأوضح أن “قضية الأسرى لطالما كانت محورية في النزاعات عبر التاريخ، حيث لا تقتصر على عمليات التبادل، بل تمثل اختبارًا لقدرة الأطراف على الموازنة بين القوة والتفاوض”.

ولفت إلى أن “معاهدة وستفاليا عام 1648، التي أنهت حرب الثلاثين عامًا في أوروبا، أدرجت الإفراج عن الأسرى ضمن أهدافها الكبرى، مما أسهم في إرساء دعائم الدبلوماسية الحديثة، وهو ما تكرر خلال الحرب الباردة، حينما شهد العالم عمليات تبادل للأسرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مثل صفقة (جسر الجواسيس) عام 1962، التي لم تكن مجرد تبادل للأفراد، بل رسالة تعكس تعقيد العلاقات الدولية وأهمية القيم الإنسانية حتى في أوقات التوتر”.

وأشار إلى أن “الاستراتيجية الإنسانية المتوازنة ترتكز على ثلاثة عناصر رئيسية: التفاوض من موقع القوة دون المساس بالقيم الإنسانية، استثمار اللحظة لإعادة تعريف معادلة الصراع، وإدارة الحدث كأداة لتعزيز الرؤية الاستراتيجية”.

وتابع “فالتفاوض من موقع القوة يعني فرض الشروط دون التخلي عن المبادئ، بينما يؤدي تعزيز القيم الإنسانية خلال اللحظات الحرجة إلى إعادة صياغة الخطاب السياسي والعسكري، ويمنح الأطراف قوة إضافية في الساحة الدولية”.

وأضاف أن “إدارة الحدث بتوازن بين الصرامة والرحمة تعزز من ثقة المقاتلين، مما يجعلهم يدركون أنهم ليسوا مجرد أدوات في معركة، بل يحملون مشروعًا حضاريًا يعبر عن قيم إنسانية راسخة، وهو ما يسهم في بناء تحالفات أوسع ودعم شعبي أقوى في الأوقات العصيبة”.

وأوضح أن “تسليم الأسرى في غزة لم يكن مجرد تنفيذ لاتفاق، بل لحظة تاريخية تحمل دلالات أعمق، حيث لم يُنظر إلى الأسرى كأوراق ضغط فحسب، بل كجزء من منظومة تواصل إنسانية تتجاوز الصراع العسكري”.

وأكد تهامي أن “المشهد الذي شهد تقبيل جندي لرأس مقاتل قسامي يعكس رسالة قوية بأن الهيمنة لا تأتي فقط من القوة، بل من الاحترام المتبادل”.

واستشهد “بموقف عمر بن الخطاب عندما أسر المسلمون قائد الفرس رستم في معركة القادسية، حيث تم التعامل معه بكرامة رغم كونه خصمًا، ما يؤكد أن النصر لا يُقاس فقط بنتائج المعركة، بل بما يتركه من أثر في الذاكرة الجماعية للأمة”.

وأضاف أن “مثل هذه المشاهد تعيد رسم مسارات الصراع، إذ لا ينتصر الأقوى بالسلاح فقط، بل من يستطيع تحويل اللحظات المعقدة إلى فرص لترسيخ رؤية إنسانية متوازنة”.

وختم بالقول: إن “الأحداث أثبتت أن القوة وحدها ليست كافية، وأن الصراع لا يقتصر على المواجهات العسكرية، بل هو اختبار للقدرة على تحقيق التوازن بين المبادئ والمصالح، وبين التكتيك والقيم العليا”. قدس برس

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق