إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة وصفة لكارثة لا توصف

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

آلون بن مئير* - (مدونة آلون بن مئير) 2025/2/7

 

عرفنا ترامب كشخص غير متوازن لا يمكن التنبؤ بأفكاره، وغالبا ما يكون طائشا وغير حساس. ولكن لم يخطر ببال الكثير منا أنه قادر على أخذ جنونه إلى مثل هذه المستويات الجديدة عندما يشرع في رحلة "الفتح".اضافة اعلان
حتى بعد أن أعلن ترامب أنه يريد استعادة قناة بنما والاستيلاء على غرينلاند بالقوة إذا لزم الأمر، وإعادة تسمية خليج المكسيك إلى خليج أميركا، لم أستطع، مثل العديد من الآخرين، أن أتخيل أن جنونه يمكن أن يصل إلى هذا المستوى الذي لا يمكن تصوره. في مؤتمره الصحفي في الرابع من شباط (فبراير)، بينما يقف رئيس الوزراء نتنياهو بجانبه وعلى وجهه ابتسامة شريرة، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستستولي على غزة، وتبني "ريفييرا" ساحرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتجلب السلام والازدهار إلى المنطقة بأكملها. "إنها خطة رائعة وذات رؤية بعيدة لم يكن أحد ليتصورها سواه".
يفتقر خطاب ترامب إلى أي تفاصيل. وهو يريد أن يقدم عرضا للشجاعة والممارسة الفظة للسلطة، وإلى الجحيم بعواقب خطته الوقحة التي من شأنها أن تشعل المنطقة بشكل يصعب تصوره. ورغم أن أي عاقل لا يعتقد أن ترامب قادر على تنفيذ مثل هذا العمل الخطير، فإن مجرد ذكره أثار الرعب في قلب كل فلسطيني.
كانت الرسالة الموجهة إليهم بسيطة: انسوا قيام دولة فلسطينية مستقلة. هذه الأرض هي أرض أجداد الشعب اليهودي ويجب إعادتها إلى أصحابها الشرعيين. أوه، أيها الفلسطينيون، استعدوا الآن للنكبة الثانية، ولكن هذه المرة لا تقلقوا؛ سوف يتم تنظيم نزوحكم بشكل جيد.
لكن ما لا يدركه ترامب -وهو شيء غير مفاجئ- هو أنه على الرغم من أن الكثير من غزة في حالة خراب، وسوف تتطلب إعادة بنائها سنوات ومليارات الدولارات، فإن هذه أرضهم. يمكنهم إعادة بناء منازلهم واستعادة البنية التحتية والعناية بمزارعهم وإعادة هيكلة أعمالهم، لكنهم لا يستطيعون استبدال أرضهم. الأرض التي لا يمكنهم ارتباطهم بها من التخلي عنها أو استبدالها أو تعويضها. هذا هو المكان الذي ينتمون إليه حيث عاش أسلافهم وماتوا؛ حيث يوجد تراثهم الثقافي؛ وحيث ما يزالون يحلمون بمستقبل أفضل وأكثر إشراقًا، والعيش بالكرامة التي لا يستطيع حتى رئيس الولايات المتحدة انتزاعها.
سوف تتجاوز تداعيات خطة ترامب الوقحة والوحشية لتطهير غزة أي كابوس يمكن أن يتخيله ترامب أو نتنياهو. من شأن نزوح الفلسطينيين أن يؤدي على الفور وبشكل مشؤوم إلى زعزعة استقرار المنطقة. وتنظر مصر إلى "الفكرة المبتكرة" لترامب على أنها سخيفة. وعلى الرغم من المساعدات الأميركية لمصر، رفض الرئيس السيسي بشدة خطة ترامب لأنها ستخلف عواقب إقليمية وخيمة لن تنجو منها مصر، وقد تؤدي إلى تمزيق السلام الإسرائيلي - المصري.
إن تحالف ترامب ونتنياهو في هذا الصدد خادع للغاية. فبدلاً من بناء هيكل جديد للسلام الإقليمي، سوف يغرق ترامب المنطقة في عنف وحروب واسعة النطاق ويحرم الإسرائيليين والفلسطينيين من يوم واحد من السلام. وبدلاً من توسيع اتفاقيات إبراهيم، فإنه قد يقوم بتفكيكها، مما يجعل احتمالات السلام العربي - الإسرائيلي الشامل حلمًا بعيد المنال في حين يمنح محور المقاومة الإيراني فرصة جديدة للحياة. ومن المؤكد أن خطة ترامب غير مفهومة استراتيجيًا وتنذر بالسوء بشكل مروع.
من الصعب المبالغة في تقدير التأثير الذي قد يخلفه تنفيذ خطة ترامب على الفلسطينيين. سوف يكون تهجير الفلسطينيين كارثيًا على العديد من الجبهات، وهو ما لم يخطر بباله على الأرجح. إن اقتلاع أكثر من 2.2 مليون فلسطيني من وطنهم هو أمر قاس ومثير للخوف وسوف يخلق أزمة إنسانية غير مسبوقة. وسوف يعيد إلى الأذهان التهجير الجماعي للفلسطينيين في العام 1948، حيث ما تزال ذكرى تلك الأيام المظلمة تطارد الفلسطينيين حتى يومنا هذا. إن العديد من سكان غزة الحاليين هم من نسل هؤلاء اللاجئين الأصليين. ومن شأن خطة ترامب أن تدمر روابطهم الأسرية، وتمحو هويتهم الثقافية، وتخضعهم لرعب إعادة التوطين في أراض غير مرحب بهم فيها.
سوف تشتد حدة التطرف الفلسطيني، مما سيجعل الصراع العنيف الحالي يبدو وكأنه تمرين. وقد تجاهل ترامب تمامًا حماس التي ما تزال قوة قوية في غزة، وسوف يزيد من صحة روايتها بأن الإسرائيليين أعداء لا يمكن إصلاحهم يسعون إلى القضاء على جميع الفلسطينيين، وأن المقاومة العنيفة فقط هي الجواب على شهوة إسرائيل التي لا تشبع لمزيد من الأراضي الفلسطينية. وسيتم تسميم جيل آخر من الفلسطينيين الذين لن تكون مهمتهم في الحياة سوى الانتقام والقصاص لما حل بشعبهم.
وبالنسبة لنتنياهو وحكومته الفاشية، كانت فكرة ترامب حول التطهير العرقي في غزة لجميع الفلسطينيين بمثابة حلم تحقق -إلى جانب الضم التدريجي، إن لم يكن الصارخ والصريح للضفة الغربية الذي من شأنه أن يحقق أخيرًا حلمهم في "إسرائيل الكبرى" كحق إلهي. وجاء ترامب، المسيح المنتظر، لتحقيق ما وعد به الله اليهود حسب نص سفر التكوين 17: 8 (في الطبعة العالمية الجديدة للتوراة) "كل أرض كنعان (إسرائيل)، حيث تقيم الآن كأجنبي، سأعطيها لك ولنسلك من بعدك ملكا أبديا؛ وسأكون إلههم".
يتعين على الجميع، وخاصة ترامب ونتنياهو، أن يتذكروا هذا: من شأن تهجير الفلسطينيين من غزة أن يلغي أي احتمال لحل الدولتين، حيث لم يأت أحد حتى الآن بأي فكرة جديدة قابلة للتطبيق من شأنها أن تنهي الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني سلميًا غير هذا الحل. والبديل هو إراقة الدماء إلى الأبد لإرضاء حكومة نتنياهو الفاسدة التي لا يمكن إشباع تعطشها للدماء الفلسطينية.
يبدو بعد 77 عامًا من وجود إسرائيل أن نتنياهو وعصابته من المتطرفين اليمينيين لم يتعلموا شيئا. إن لإسرائيل كل الحق في الوجود في سلام وأمن، لكنها لا تستطيع بناء نفسها على رماد الفلسطينيين. سوف يقاوم الفلسطينيون لأجيال إذا اضطروا إلى ذلك ولن يتخلوا أبدًا عن حقهم الأصيل في الدولة الذي كرسه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 181، وهو القرار نفسه الذي منح اليهود في فلسطين الحق نفسه.
يعتقد ترامب أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء. وأحد الأمور التي سيتعلمها بالطريقة الصعبة هو أنه ليس حاكم العالم؛ أنه لا يستطيع أن يأخذ أو يوزع الأراضي التي ليست له؛ وأنه لا يملك أي سلطة قضائية؛ وأن هذا يتعارض مع القانون الدولي ويتحدى المنطق ويفتقر إلى أي مبدأ أخلاقي.
لقد تحمل الفلسطينيون الاحتلال والحصار والتشريد والطرد ونزع الإنسانية عنهم وعانوا من الألم والحزن المروعين على مدى عقود من الزمان، لكنهم صمدوا، وظلوا صامدين وحازمين لأن تعطشهم للحرية مطلق. ولا يمكن لأي رئيس أميركي، بما في ذلك ترامب، أن يكسر إرادتهم.

*‏د. ألون بن مئير About Alon Ben-Meir: أستاذ متقاعد في العلاقات الدولية من مركز الشؤون الدولية بجامعة نيويورك، وزميل أول في معهد السياسة العالمية. وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط وغرب البلقان والمفاوضات الدولية وحل النزاعات. مؤلف سبعة كتب تتعلق بالشرق الأوسط ويعمل حاليا على كتابين جديدين عن سورية وتركيا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق