تصدير الأزمات.. والديون والمعونات

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل بضعة أيام، وأثناء مشاركته في لقاء في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن، خرج زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لبيد بفكرة او عرض تجاري على طريقة الرئيس ترامب أسماه «الحل المصري». وفحواه أن تتولى مصر الوصاية على غزة وإدارة شؤونها لفترة تتراوح بين 8 سنوات الى 15 سنة، وتكون مصر مسؤولة عن كافة التفاصيل في غزة مقابل مساعدات وشطب ديون مصر الخارجية والتي تتعدى 161 مليار دولار. وقد أطلق لبيد على خطته اسم الحل المصري لتأكيد تهرب إسرائيل من المسؤولية عن جرائمها ضد الإنسانية وحرب الإبادة والتدمير الذي تشنه على غزة. وهو يريد للمجتمع الدولي والدول الاقليمية (بعبارة اخرى الدول العربية النفطية) ان تتحمل سداد الديون المصرية مقابل قيادة مصر لقوة حفظ سلام اقليمية وبذلك يجيب الحل المصري حسب ادعائه على 3 أسئلة الأول من يدير غزة، والثاني تذليل العقبات امام التطبيع بين السعودية واسرائيل، والثالث الحفاظ على استقرار مصر وأمن اسرائيل باعتبار مصر شريكا امنيا واستراتيجي. ولكن وزارة الخارجية المصرية سرعان ما أعلنت رفضها القاطع واستنكارها لهذه الفكرة، وأكدت التزام مصر الكامل بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال ووحدة الاراضي الفلسطينية.اضافة اعلان
ويحاول لبيد هنا إعادة النماذج التي يخترعها ترامب، باستخدام المال طريقا لكل شيء بما في ذلك المسائل الوطنية.
 لقد تفاجأ السيد ترامب حين رفضت الأردن ومصر بشدة فكرة التهجير وشرائه لغزة، واتبع التعبير عن المفاجأة بأنه لن يضغط على مصر والأردن على الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية تقدم لهما الكثير من المعونات والقروض. واللافت في اقتراحات لبيد انها إعادة إنتاج لطريقة التفكير الاسرائيلية منذ وعد بلفور حتى اليوم والمتمثلة في «محاولة إسرائيل الشراء وتصدير ازماتها الى الدول العربية المجاورة»، وكلا الجناحين من التفكير الاسرائيلي أي الشراء وتصدير الازمات تعفي إسرائيل من أزماتها وتعمل في الوقت ذاته على اثارة الخلافات العربية العربية والفلسطينية  وتتفشى المخاوف والشكوك بين العرب انفسهم، في حين ان الجهة المصدرة اسرائيل هي منبع الشر.
وهنا لا بد من التأكيد على عدد من المسائل التي تستحق الاهتمام والعمل الجاد على كل المستويات:
أولاً: ان على الفصائل الفلسطينية ان تخرج من حالة الانقسام، التي لعبت اسرائيل وما تزال دوراً كبيراً في تنميتها وتعميقها، الى حالة حاسمة من التوافق على المسائل الاساسية وفي مقدمتها ادارة غزة واصلاح السلطة الفلسطينية والانفكاك من القيود الإسرائيلية.
ثانياً: على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ان تخرج من عباءة الوصاية الاجنبية غير العربية ماليا وسياسيا وإداريا، وتدرك أن لا حليف للسلطة ولا قوة لها إلا من خلال الشعب الفلسطيني أولا وثانيا وعاشرا، ولا سد امام الجشع الاسرائيلي للتوسع وابتلاع الاراضي الفلسطينية إلا الصمود الوطني والدعم العربي. 
ثالثاً: على الجانب العربي وخاصة الدول الأكثر التصاقاً واهتماما بالقضية الفلسطينية (الأردن ومصر والسعودية وسورية ولبنان) ان تتنبه بأن المعونات والمساعدات والقروض سوف تستخدمها اسرائيل من خلال الولايات المتحدة الأميركية كأدوات ضغط وآليات مساومة لفرض السياسات والحلول التي قد يخرج بها ترامب اليوم او غدا او يخرج بها زعيم صهيوني يضعها في أذن الرئيس  الأميركي أيا كان.
 رابعاً: هذه الدول العربية والتي يتطلع إليها الجميع بأمل وتفاؤل يمكن ان تعتمد على شعوبها في تمويل كافة مشاريعها واحتياجاتها. صحيح ان التمويل الوطني سيحمل معه الكثير من المشقة والصعوبات، ولكنه يمثل الضمانة الاساسية بل الوحيدة لإفشال اي محاولات للابتزاز الصهيوأميركي من خلال الديون والمساعدات.
 خامساً: ان التحول  نحو التمويل الوطني له آثاره الاقتصادية الجيدة الواضحة من جهة، واثارة السياسية الايجابية من حهة اخرى، فالفوائد السنوية عندما ترتفع المديونية، كما في مصر(12 مليار دولار فوائد سنوية) والأردن وسورية ولبنان، تتحول الى عبء كبير على الخزينة وعلى الاقتصاد، اذ تستنزف كل المخصصات التي كان يفترض ذهابها للمشاريع الجديدة وخاصة الإنتاجية منها.
 سادساً: إن الآثار السياسية لاعتماد التمويل الوطني المتنوع (حكومي، خاص، اهلي، تعاوني، مجتمعي) تتمثل في التحرر من الضغوط الخارجية المباشرة وغير المباشرة، وبتصاعد الاهتمام بالمساءلة ومكافحة الفساد المالي والاداري.
وكما يتضح من منهاج الادارة الاميركية الحالية، فإن الرهان على السياسة بعيداً عن المنعة الاقتصادية، سيكون رهاناً ضعيفا أو خاسراً، ولن تتوقف اميركا ولاسرائيل عن الأساليب التي كان يمثلها شيلوك في مسرحية تاجر البندقية، طالما ان العربي والفلسطيني  بقيا على حاله.
يتطلع الجميع لأن يكون مؤتمر القمة القادم في القاهرة مختلفا عما سبقه من مؤتمرات، وأن يكون بداية لانطلاقة عربية وفلسطينية جديدة، تساعد الفلسطينيين الذين يتحملون الوحشية الاسرائيلية في القطاع وفي الضفة بصبر وجلد وايمان بحقهم، وتساعدهم للوصول الى املهم المنشود بالدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق