الأثر النفسي للتسويف.. حينما تصبح التفاصيل الصغيرة أعباء ثقيلة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان– تأجيل القرارات، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، عادة شائعة في حياة كثير من الأشخاص، منهم من لا يوليها الاهتمام رغم أهميتها وتأثيرها على مسار الحياة.
أحيانا ما تكون هذه القرارات البسيطة كإرسال رسالة اعتذار، أو إعادة ترتيب الأولويات في العمل، أو حتى اتخاذ خطوة نحو وظيفة جديدة، لكن ما يحدث غالبا هو أن هذه القرارات المؤجلة تتراكم ببطء، فتتحول من مجرد تفاصيل صغيرة إلى عبء نفسي يثقل الكاهل ويؤثر على الحياة والعلاقات بشكل غير متوقع.اضافة اعلان
يعيش التسويف الثلاثيني محمد بني عيسى، إذ يحلم منذ زمن طويل بتغيير وظيفته الحالية والبحث عن عمل يناسب شغفه في التصميم الجرافيكي. ويقول إنه كلما فكر في الخطوة، يجد نفسه يؤجلها مرة بسبب الخوف من المجهول، ومرة أخرى بسبب انشغاله بتفاصيل يومية، إذ يشعر بأنه عالق في مكان لا ينتمي إليه، لكن فكرة البدء من جديد تبدو مرهقة للغاية، حتى أصبح التأجيل أسهل حل، رغم معرفته بأنه يخدع نفسه.
أما ليلى وهي أم لطفلين، فتقول إنها تؤجل القرارات المتعلقة بصحتها النفسية والجسدية، فكانت تقول لنفسها دائما سأبدأ برياضة منتظمة الأسبوع القادم، لكن هذا الأسبوع لا يأتي أبدا، مع الوقت بدأت تشعر أنها تفقد السيطرة على حياتها، وأن قراراتها الصغيرة المؤجلة تستهلكها تدريجيا.
المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني توضح أن هذا النوع من التأجيل مرتبط بمزيج من الخوف من الفشل والرغبة في تجنب المواجهة. وتقول "عندما نؤجل القرارات الصغيرة، فإننا في الحقيقة نحاول الهروب من الضغط النفسي الناتج عن التفكير فيها"، لكن المفارقة أن التأجيل نفسه يصبح مصدرا أكبر للقلق والتوتر، لأن العقل يحتفظ بهذه المهام كأعباء غير منتهية.
 وتبين أن التأجيل لا يقتصر تأثيره على الفرد فقط، بل يمكن أن ينعكس على علاقاته الاجتماعية والمهنية، وتؤكد أن تأجيل القرارات البسيطة في العلاقات، مثل الاعتذار عن خطأ أو التعبير عن المشاعر، يؤدي إلى تراكم الخلافات الصغيرة التي قد تتحول إلى مشاكل كبيرة.
 وتضيف الكيلاني أن العلاقات بحاجة إلى قرارات شجاعة يومية للحفاظ عليها، والتأجيل يزيد الفجوة بين الأفراد، وقد يفسر البعض هذا التأجيل على أنه إهمال أو عدم اهتمام.
ومن الناحية التربوية يؤكد التربوي الدكتور محمد أبو السعود أن الأطفال والشباب الذين يكبرون في بيئة يكون فيها التأجيل عادة شائعة قد يتبنون هذا النمط في حياتهم المستقبلية.
ويقول بأن الأهل الذين يؤجلون قراراتهم يظهرون لأطفالهم أن الهروب من المواجهة هو الحل الأسهل، وهذا قد يؤدي إلى جيل يعاني من قلة الحسم وصعوبة اتخاذ القرارات.
ويؤكد من الممكن التغلب على هذه العادة الملتصقة عند الكثيرين من جراء ضغوط حياتية أو فكرية أو زحمة المسؤوليات من خلال الاعتراف بالمشكلة أساسا.
ويلفت إلى أن الكثير من الناس لا يدركون أن تأجيل القرارات الصغيرة هو سبب الشعور بالإرهاق العقلي أو التوتر المزمن، وعند إدراك ذلك يمكن البدء في التعامل معها بطريقة عملية.
ويشرح أن استبدال التأجيل بالخطوات الصغيرة التدريجية هو حل أساسي بدلا من التفكير في النتيجة النهائية أو حجم القرار، ويمكن البدء بخطوة بسيطة مثل كتابة خطة صغيرة، أو تخصيص وقت محدد يوميا للتعامل مع مهمة مؤجلة واحدة.
ووفق أبو السعود فإن البدء باتخاذ قرارات صغيرة، يشعرنا بأننا نستعيد السيطرة على حياتنا، وهذا الشعور يعزز ثقتنا بأنفسنا ويحفزنا للمضي قدما.
وفي حالة أخرى يتحدث محمد الخطيب عن الأثر الإيجابي لتجاوز عادة التأجيل ليمتد ويشمل جميع جوانب الحياة، فيقول انه بدأ مؤخرا في البحث عن وظائف في مجال التصميم "أشعر ببعض التحرر حتى وإن لم أحصل بعد على الوظيفة التي أريدها، فمجرد البدء بالخطوة جعلني أشعر أنني لم أعد عالقا، وأصبحت أقل توترا وأكثر تفاؤلا".
اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة يؤكد أن التخلص من عادة تأجيل القرارات ليس أمرا سهلا، لكنه خطوة حاسمة نحو حياة أكثر اتزانا وراحة.
ويشدد إلى أن من يسوف الأعمال والقرارات لديه أفكار متراكمة في رأسه أو واجبات اجتماعية أو خوفا من نتائج هذا القرار.
وينوه مطارنة إلى أن مواجهة النفس بشجاعة والتعامل مع المهام التي كان يخشى مواجهتها، يعني منح الذات فرصة للنمو والتحرر من الأعباء النفسية التي تثقل الكاهل، والقرارات الصغيرة ليست مجرد تفاصيل، بل هي الأساس الذي تشكل الحياة، وكلما تم مواجهتها بشجاعة، كلما كان الانسان أقرب لتحقيق السلام الداخلي والنجاح الذي يطمح إليه.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق