من يدير سردية الحرب؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
نحن أمام معركة سياسية تتبدى فصولها في مواقع عدة، من بينها وسائل التواصل الاجتماعي، وعشرات آلاف الفيديوهات، والتعليقات، التي تتسم بالتناقض والندية والحدة معا.اضافة اعلان
هذه المعركة بدأت بشكل متدرج خلال الأشهر القليلة الماضية، وسوف تشتد اكثر اذا توقفت حرب غزة، وهي تدور بين اتجاهين، ولكل اتجاه دوافعه او رؤيته او يقينه السياسي، والتصادم بين الاتجاهين ملموس، ويعبر عن اختلافات في المنطق، والتقييم، وبالتأكيد المرجعيات.
الاتجاه الاول يقول لك ان حركة حماس حركة مقاومة وهجومها على اسرائيل في السابع من اكتوبر كان خطوة بطولية، وان اسرائيل تستهدف القطاع في كل الاحوال، وانها لم تخطئ بالهجوم، وان كلف الدم متوقعة، مهما بلغت الخسائر، لأن هذا هو قدر الفلسطينيين، اي ان يضحوا بأرواحهم، وان كلف الاقتصاد والعقارات والزراعة وغير ذلك، كلف لا تقدر بمال اصلا، لان الاصل هو محاربة اسرائيل وليس التباكي على عمارة، او دكان، ويرى اصحاب هذا الاتجاه وهم كثر، ان المقاومة لها كلفتها، ولا يمكن السكوت على سياسات اسرائيل خشية من الكلفة التي دفعتها كل شعوب العالم، ويزيد هؤلاء بالقول ان اي اتهام للمقاومة في غزة، هو اتهام في اساسه صهيوني وان كان يتغطى بالواقعية السياسية، واكراهات السلطة او الواقع، لأن المقاومة هنا لا يمكن ان تتوقف وان اللوم يجب ان يوجه الى الاحتلال فقط، وهذا الاتجاه يوظف مثلا المقاطع الانسانية للفلسطينيين في غزة، بدافع التأكيد على همجية الاحتلال، كما يوظف مقاطع العمليات ضد اسرائيل للدلالة على بسالة الفلسطينيين ومقاومتهم في غزة، ويرفض هذا الاتجاه توصيف ما حدث في غزة بكونه هزيمة لمعسكر المقاومة في فلسطين، ويقول ان المقاومة افشلت نتنياهو، حيث لم يحقق اهدافه، ويبحث عن صفقة بأي شروط.
الاتجاه الثاني الذي بدأ يتدرج بالظهور منذ شهور، وتشتد قوته مؤخرا، بما يقول انه قد يكون اتجاها تتم ادارته من جهات عديدة، من بينها اسرائيل، او حركة فتح، او حتى اناس عاديون من الشعب الفلسطيني او العرب ويتحدث بلغة مختلفة، ويقول ان حماس هي سبب الخراب، وانها تصرفت برعونة، ودمرت اهل غزة، وقطاع غزة، وتتمنى اليوم لو تعود فقط الى يوم السادس من اكتوبر، وتبحث عن صفقة مع الاحتلال بأقل الشروط، بعد ان فشلت في ارغام اسرائيل على شروطها، وانها ايضا تسببت بتدمير القضية الفلسطينية، واستدرجت الضفة الغربية، ويرى اصحاب هذا الاتجاه ان لا احد لديه القدرة على مقاومة اسرائيل والولايات المتحدة، وان الواقعية تفرض التكيف مع الظرف، لا تدمير كل شيء، ثم تعريف الهزيمة باعتبارها انتصارا، وهذا الاتجاه الذي بدأ يتحرك عبر التصريحات الرسمية التي تلمح الى هذه الحقائق، او عبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، تستثمر في ما يمكن تسميته "الندم الانساني" بسبب كلف الحرب على صعيد الدم والمال، وتريد اثارة الحنق ضد المقاومة في كل مكان، وتجريم اي مقاوم، كونه يستجلب لعنات اسرائيل، وبعض اعضاء هذا الاتجاه ليس لديهم القدرة على المجاهرة بكل وجهات نظرهم خوفا من التخوين والتجريم، لكنهم يقولون بعيدا عن الأعين ان حماس خدمت اسرائيل ومنحتها الفرصة لتدمير غزة، واستدرجت دولا ثانية للحرب مثل لبنان وسورية، واستدرجت المنطقة للخراب، ضمن مخطط سري لا احد يعرف ماهية مستهدفاته النهائية، وهذا الاتجاه يريد في المحصلة قلب الرأي العام ضد المقاومة في غزة، في سياقات سيتم توظيفها ما بعد الحرب، لإدانة المقاومة، وتكريس حكم جديد في القطاع، ويستعمل هذا الاتجاه الفيديوهات الانسانية، بهدف باطنه إثارة سخط المشاهد، بحق حماس، التي استدرجت الفلسطينيين نحو هذا المصير الذي لا يمكن التهوين منه.
نحن امام معركة السردية، وسردية الحرب، ومن هو المنتصر والمهزوم، وماهي معايير النصر والهزيمة، والكلف الاستراتيجية لكل توصيف، وهي معركة اخطر بكثير من الحرب ذاتها، لانها ستقود الوعي خلال العقود المقبلة، وستؤثر عليه، فلسطينيا وعربيا ايضا.
نقل معركة سردية الحرب الى ما بين الفلسطينيين والعرب ذاتهم معركة خطيرة جدا، لان الاصل ان تكون معركة السردية بين الفلسطينيين والعرب من جهة، واسرائيل من جهة ثانية.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق