المراهقة رحلة النمو واكتشاف الذات

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
المراهقة هي مرحلة محورية تبدأ فيها معالم النمو الجسدي والنضج الفكري بالظهور لدى الطفل بشكل متسارع ومتتابع، مما يجعلها تتطلب اهتماما خاصا ورعاية دقيقة، ففي هذه المرحلة العمرية تتجلى أبرز المشكلات التربوية والسلوكية والفكرية، ويجد الأبناء أنفسهم إما أمام خطر الانحراف أو على طريق الهداية والتقدم الإنساني.

وتُعد المراهقة مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، وتمتد غالبا من سن الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة، إلا أن العمر الزمني قد يختلف تبعا للثقافات والمجتمعات، وهذه الفترة تُعتبر من أكثر المراحل تأثيرا في حياة الإنسان، حيث يواجه المراهق تغيرات جسمانية ونفسية واجتماعية مهمة.

ومن أبرز التغيرات التي تميز المراهقة: التغيرات الجسدية وتشمل النمو السريع في الطول والوزن وظهور علامات البلوغ مثل نمو شعر الجسم وتغير الصوت...، وهذه التغيرات قد تسبب شعورا بالقلق لدى بعض المراهقين، خاصة إذا كانت وتيرتها تختلف عن أقرانهم، كذلك التغيرات النفسية والعاطفية وتتميز بتطور الهوية الذاتية وزيادة الاستقلالية عن الأهل، بالإضافة إلى تقلبات عاطفية وصراعات داخلية، حيث يمر المراهقون بتغيرات مزاجية نتيجة محاولتهم التكيف مع المتغيرات التي يواجهونها، ونشير إلى التغيرات الاجتماعية، حيث يتزايد تأثير الأقران والمجتمع على سلوكيات المراهقين الذين يسعون لتكوين علاقات أوسع مع الأصدقاء وزملاء الدراسة، وقد يواجهون ضغوطا اجتماعية مثل التنمر أو محاولة الاندماج ضمن مجموعات معينة، وأخيرا التغيرات العقلية، حيث تتطور القدرات الفكرية ومهارات التفكير النقدي إلى جانب الاهتمام بالقيم والمبادئ الشخصية.

ومن أبرز تحديات المراهقة في العصر الحديث: ضغوط الدراسة والتوقعات الأكاديمية والتأثيرات السلبية لبعض وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يواجه المراهقون مشكلات نفسية مثل القلق والاكتئاب أو ينخرطون في سلوكيات خطرة كتجربة المخدرات، ومن هنا يبرز دور الأهل والمعلمين في توفير الدعم والتوجيه لضمان بيئة آمنة ومفتوحة تسهل التعبير عن المشاعر والمخاوف، ولعل الحوار المفتوح والمستمر مع المراهقين يعزز الثقة ويقدم لهم الإرشاد اللازم، والمراهقة مرحلة غنية بالفرص والتحديات التي تساهم في تشكيل شخصية الفرد المستقبلية، وقد أشار الحديث الشريف إلى أهمية التمييز بين الطفولة والبلوغ فيما يخص التكليف والمسؤولية، حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" [صحيح أبي داود، الرقم: 4403].

ولا بد لتجاوز مرحلة المراهقة من التربية السليمة الناجحة التي تراعي احتياجات المراهقين العاطفية والاجتماعية والدينية، مما يساعدهم في بناء شخصياتهم الحقيقية والاعتزاز بها، كما أن التربية الدينية الصحيحة تُعزز من وعي المراهق بالطريقة السليمة لتلبية احتياجاته ضمن الأطر الشرعية، ويؤكد الشيخ صالح الفوزان على ضرورة تعليم الأطفال منذ سن التمييز تعاليم الدين والأخلاق بقوله "فإذا بلغ الطفل سن التمييز فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلمه وأن يربيه على الخير بأن يعلمه القرآن، وما تيسر من الأحاديث، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل بأن يعلمه كيف يتوضأ وكيف يصلي، ويعلمه الأذكار عند النوم وعند الاستيقاظ وعند الأكل والشرب؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز فإنه يعقل ما يؤمر به وما ينهى عنه، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة ويبين له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها كالكذب والنميمة وغير ذلك، حتى يتربى على الخير وعلى ترك الشر من الصغر، وهذا أمر مهم جدا غفل عنه بعض الناس مع أولادهم" [ المنتقى من فتاوى الفوزان: 5 / 297].

حقيقة إن بعض الآباء يواجهون صعوبة في التعامل مع المراهقين نتيجة عدم منحهم حقهم في الاحترام خلال الطفولة؛ لذلك فإن توفير مساحة من الحرية في اتخاذ القرارات يساعد في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، ويمكن تحسين التواصل مع الأبناء من خلال: الحوار المفتوح والمبني على الاستماع دون إصدار أحكام مسبقة، وتشجيع المراهقين على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، وتحديد قواعد واضحة للسلوك وتوضيح العواقب، ودعم استقلاليتهم في اتخاذ القرارات، وتقديم القدوة الحسنة، حيث تُعد الأسرة المؤسسة التربوية الأولى، ويحقق الحوار الإيجابي داخلها بيئة صحية يتعلم فيها الأبناء التعبير عن أنفسهم وبناء علاقات صحية مع ذويهم، مما يعزز قدرتهم على مواجهة تحديات المراهقة بنجاح.

ويمكن القول إن الأسرة تُعدّ المؤسسة التربوية الصغيرة داخل المنزل، وتحقق أهدافها من خلال اتباع أسلوب الحوار البنّاء بين أفرادها، مما يتيح للأبناء فرصة التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بكل حرية، ويقوم الآباء بدورهم بمناقشة أبنائهم بشكل يعزز الوصول إلى نتائج إيجابية، ويسهم في تجاوز العقبات التي قد تعترض طريق الأبناء في حياتهم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق