يعيش الإنسان في ظل قانون النقص، وهو القانون الحاكم لأحداث حياتنا، ومن دون قانون النقص فإن حياتنا ستصبح شيئاً آخر غير الذي نعرفه، فهذا القانون يذكرنا في كل صباح بأن اكتمال سعادتنا غير ممكن، وبأن حصولنا على كل ما نرغب به هو أيضا غير قابل للتحقق، وبأن الآخرين من حولنا أيضا يشاركوننا العيش تحت ظل هذا القانون نفسه وأننا لسنا وحدنا الذي نخضع له.

فقانون النقص الذي نتشاركه جميعا يعني بأننا لا بد لنا من أن نبحث عن الممكن، ثم نقوم بتحسين الممكن، لأن كل ممكن سنصل إليه سيظل متسما بالنقص في شيء ما حتى وإن توهمنا أنه قد اكتمل، إلا أن ذلك لن يكون حقيقيا!

وعندما نفهم قانون النقص سندرك بأن بحثنا عن الكمال في أي شيء سيكون خطيئة سنرتكبها في حق أنفسنا وفي حق الآخرين، فقانون النقص الذي يؤكد لنا في كل لحظة أن الكمال محال أن يتحقق للإنسان سيجعلنا أكثر قدرة على تقبل النقص الذي فينا، إمكانات وانفعالات، وتقبله في الآخرين لأننا وهم نخضع جميعا للطبيعة البشرية نفسها.

وكما أننا قد نعاني في الحياة بسبب قانون النقص لأن ذلك يعني أننا سنواصل الحياة ولدينا متطلبات، وقد تكون تلك المتطلبات أحيانا رئيسية وليست ثانوية ولكنها غير متحققة لنا، فإن الآخرين أيضا يشاركوننا المعاناة نفسها في حصول نقص في حياتهم في قضايا أساسية وهذا يجعلهم كما يجعلنا أيضا نعيش حالات قد توصف بأنها حالات معاناة نفسية، وفهمنا لمثل هذه النتائج يجعلنا ندرك أنه كما أننا قد نعاني فإن غيرنا أيضا قد يعاني، وهذه الدرجة من الاستيعاب ستجعلنا نتعامل مع الآخرين برحمة أكثر، وبتفهم أكثر، وسنلتمس لهم الأعذار أكثر!

إن قانون النقص حقيقة، وفهمه واستيعابه يعد فضيلة فكرية لا بد من الوصول إليها لأننا حين ندرك المعاني العميقة التي نستقيها من فهمنا لهذا القانون سنبدأ برؤية الحياة بطريقة جديدة، وستكتمل لدينا صور كثيرة عن حياتنا ما كان من الممكن لها أن تكتمل من دون استيعابنا لقضية قانون النقص.

تجارب الحياة، وحصيلتنا الفكرية المعرفية ذات الأبعاد القائمة على نماذج التحليل وإعمال العقل خطوات حياة تنقلنا بكل سهولة إلى فهم قانون النقص من زوايا متعددة، وهذا بدوره يجعلنا أكثر قدرة على تصحيح مسارات حياتية شخصية ومؤسسية كثيرة، ويجذر فينا سلوكنا الخيري الإنساني وينقله إلى فضاءات أوسع، ويجعلنا في حراكنا المجتمعي أكثر نضجا وتأثيرا بشكل إيجابي.

hananabid10@